تتدفق لحظات هامة وحرجة في واشنطن وبغداد، خلال الفترة القليلة المقبلة حيث تقوم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستعراض استراتيجيتها المناهضة لتنظيم «الدولة» وفي الوقت نفسه، تستعد القوات العراقية لاستعادة الأجزاء الأخيرة من مدينة الموصل، ما يثير الأسئلة حول الثغرات والمشاكل المعقدة التي تم اكتشافها بشأن مستقبل العراق.
وبالنسبة للكونغرس الذي يراقب نتائج زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى واشنطن خلال هذا الاسبوع، فإن هذه اللحظات، تتيح الفرصة لإعادة تأكيد دور غائب للعمل مع إدارة ترامب لتحديد الدور الأمريكي الملائم في العراق، ومساعدة البلاد على مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والإنسانية. ووفقا لخبراء في الشأن العراقي، من بينهم جوري فيلدمان ودانيال دينيم، فإن هناك حاجة لرسم مسار وسيط بين اتجاه مندفع نحو التخلي عن العراق في اليوم التالي لنهاية معركة الموصل فور إنجاز مهمة التحالف الدولي أو الاتجاه الآخر الذي تحركه سياسات متطرفة تتعارض مع الوضع الحالي للقوات الأمريكية التي تعامل كأنها ضيف للحكومة العراقية.
ولم يمرر الكونغرس تفويضا لاستخدام القوة العسكرية ضد «داعش» خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ولكنه ساهم، وفقا للعديد من المحللين الأمريكيين، في تخصيص الأموال لتدريب وتجهيز الجيش العراقي وقوات البيشمركه الكردية والقوى السنية، وزيادة الوعي بمحنة الأقليات ولكن هناك خطوات أخرى يمكن للكونغرس اتخاذها لفترة ما بعد معركة الموصل.
تبدأ هذه الخطوات، وفقا لوجهة نظر واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، بتوضيح نوايا الولايات المتحدة من أجل الحصول على تأييد لبقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق بعد انتهاء المهمة الحالية بمجرد ان يفقد تنظيم «الدولة» معقله الأخير في العراق. فمن المرجح، ان يعود عناصر «داعش» بأسلوب التمرد الإرهابي، وبالتالي ستحتاج القوات العراقية إلى دعم أمريكي مستمر للعمل كحصن فعال ضد الجماعات المتطرفة، وهذا يعني ان هناك رغبة أمريكية في تواجد دائم مستمر في العراق ما يعني ان هناك حاجة مبكرة للتفاوض مع القادة في بغداد حول هذه المسألة، وهناك حاجة ملحة، أيضا لطمأنة العراقيين بشأن المبادئ التوجيهية والنوايا الأمريكية خاصة بعد الازعاج الذي سببه خطاب ترامب بشأن الاستيلاء على النفط العراقي وترديد تصريحات مفادها ان إيران ستستولي على البلاد بعد خروج القوات الأمريكية وغير ذلك.
والخطوة الثانية التي يمكن ان تقوم بها واشنطن في فترة ما بعد الموصل هي توفير الأموال الأمنية. حيث منح الصندوق الحكومي الأمريكي للتدريب والتجهيز في العراق الأموال اللازمة للقوات الأمريكية من أجل القيام بمهمات دعم الجيش العراقي والقوات الكردية والقوى السنية والمحلية، أما الخطة الثالثة فتتلخص في ضمان تركيز إدارة ترامب على توفير الأدوات غير العسكرية اللازمة لمنع عودة «داعش» وليست هناك فكرة دقيقة ما إذا كانت اقتراحات ترامب بتخفيض المساعدات الخارجية إلى 40 في المئة قد تشمل العراق أو لا، ولكن بالتأكيد، الآن هو الوقت الخاطئ لسحب المساعدات عن العراق.
مخاطر ان تقع المناطق المحررة في فوضى
قدرت الأمم المتحدة مؤخرا ان محافظة نينوى تحتاج إلى 160 مليون دولار في عام 2017 كمساعدات إنسانية وبدون تقديم الدعم في الوقت المناسب، هناك مخاطر من ان المناطق المحررة قد تقع في حالة من الفوضى، وبالتالي يتعين على واشنطن إنفاق الأموال على مشاريع تساعد على تثبيت الاستقرار في المناطق المحررة، ولدى الكونغرس أيضا مجموعة متنوعة من الأدوات التي يمكن استخدامها لمساعدة العراقيين على اتخاذ خطوات لمعالجة المظالم التي طال أمدها، والحكم بطريقة متساوية وعادلة لجميع فئات الشعب، وإضفاء الطابع المهني على الأمن، وتوفير أموال لمكتب الديمقراطية في وزارة الخارجية الأمريكية بهدف مساعدة المجتمع العراقي الذي يعمل على مكافحة الفساد، والأهم من ذلك كله، ضرورة بعث رسالة إلى بغداد والعبادي في زيارته المقبلة مفادها ان هذه المسائل مهمة جدا بالنسبة إلى واشنطن لأنها تريد منع الاوكسجين عن التنظيمات الإرهابية.
وإذا ابتعدنا قليلا عن النقاش الدائر في واشنطن حول الدور الأمريكي اللازم في العراق في فترة ما بعد الموصل، فإن المشهد الحالي لا يدعو للارتياح في البيت الأبيض على الرغم من التقدم الحقيقي في إجبار «داعش» على تلقي هزيمة في الموصل حيث تعكس وتيرة المعركة تحسنا كبيرا في قدرة الجيش العراقي على تنسيق العمليات مع الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تقصف المسلحين بوتيرة قياسية، وفي هذا السياق، قال الجنرال جوزيف مارتن ان مقاتلي «الدولة الإسلامية» في حالة من الفوضى وهم يكافحون من أجل درء هجوم سريع من جانب القوات العراقية لاستعادة الموصل وطرد المسلحين من معقلهم الرئيسي الأخير في البلاد.
وقد تبدو هذه الأخبار مشجعة وتدعو للاحتفال بالنسبة إلى الساكنين في البيت الأبيض ولكن، وبشكل ملفت للنظر، لم يسمع أي أحد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليقات تعبر عن موقفه من هذه التطورات، وفي الواقع، لا يمكن نسيان ان ترامب هو الوحيد في العالم الذي انتقد علنا معركة الموصل أثناء حملته الانتخابية حيث قال قبل بضعة أسابيع من يوم الانتخابات أمام جمهور انتخابي ان الهجوم العسكري في الموصل هو جزء من مؤامرة دولية متطورة للمساعدة في حملة هيلاري كلينتون، وبعد ذلك بأسبوع، ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ أدان الهجوم الذي تدعمه القوات الأمريكية في الموصل وقال انه «كارثة، تترك الولايات المتحدة تبدو، كأنها غبية تماما» وبعد ذلك بفترة وجيزة، أصر ان الحملة يجب ان تكون سرية، وقال لجمهور في ولاية فلوريدا «قادتنا أغبياء».
ووصف ترامب، قبل ثلاثة أيام من يوم الانتخابات، القادة العسكريين والمدنيين الذين ساعدوا في حملة الموصل بأنهم عبارة عن مجموعة من الفاشلين، وردد ثانية ان الهجوم العسكري يهدف بطريقة ما إلى تقويض حملته السياسية ومساعدة خصمه.
وفي طبيعة الحال، كان هناك اتفاق بين الحزبين ان تعليقات ترامب كانت غبية وحمقاء لدرجة لا يمكن تصورها، على الرغم من عدم اهتمام الغالبية العظمى من الناخبين بهذه الهرطقة، والإجابة التي لم يقدمها الرئيس الأمريكي حتى الآن للسؤال الكبير الذي تصر المنصات الإعلامية الأمريكية على طرحه: هل ما زال ترامب يعتقد ان معركة الموصل هي «كارثة كاملة» يشرف عليها مجموعة قادة من الفاشلين الذين يتآمرون لتقويض ترامب؟
رائد صلاح
صحيفة القدس العربي