هل نحن على أبواب مبادرة إقليمية شاملة؟ هل المتوقع بلورة محور عربي- تركي لمواجهة إيران والحوثيين وداعش، أي مصالحة تشمل الإقليم بأكمله بين أطرافه السنية،
وليست دولة أو تيارًا بعينه، بهدف التصدي للتهديد الجديد الذي يحيط بالكل، خصوصًا السعودية المحاطة بالحوثيين من الجنوب والداعشيين من الشمال؟
قد لا تكون مصادفة أن يلتقي العدوان اللدودان، رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي، على أرض المملكة السعودية في نفس اليوم، ليلتقيا الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، فيذهب الأول يوم السبت ويزور مكة والمدينة يوم الأحد، ويذهب الثاني بعد غد (الأحد)، ثم ينصرف قبل أن يعود أردوغان للقاء الملك (الاثنين)؟
وقد لا تكون مصادفة أيضًا أن يحج غالبية الزعماء العرب إلى السعودية وراء بعضهم البعض في وقت يجري فيه الحديث عن ضرورة تشكيل محور سني عربي- تركي للتصدي للنفوذ الإيراني (والأمريكي المتحالف معه بعد الاتفاق النووي)، والتهديد الحوثي والداعشي، في وقت يخشى فيه الجميع من حرب أهلية يمنية مقبلة، وهجمات داعشية على الحدود السعودية، خصوصًا أن القمة العربية المقبلة في مصر (في 26 مارس المقبل) سيكون البند الأول فيها هو تشكيل قوة عسكرية عربية لمواجهة التحديات المشتركة؟
إذ إن زيارات أمير قطر الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت صباح الأحمد، وولي عهد أبو ظبي والشيخ محمد بن زايد، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، للسعودية، ثم لحاق كل من الرئيسين المصري والتركي بهم؛ تشير إلى أن أمرًا ما ربما يجري أو هو في طور التبلور.
والحديث هنا لا يبدو أنه سيكون حديثًا محليًا، بمعنى بحث مصالحة بين طرف وآخر (مصر وقطر والسيسي والإخوان)، ولكنه إقليمي تترتب عليه مصالح مشتركة أو تبادل مصالح، لهذا لا يستبعد البعض أن يفعلها الملك سلمان ويقوم بطرح مبادرة -ضمن تيسير هذا التحالف-، قيل إن سلفه الراحل الملك عبد الله سبق أن طرحها، وتتعلق بدفع “ديات” جميع من استشهدوا في مصر خاصة في رابعة العدوية، وهو الحل الذي رحب به قادة إخوان مثل الدكتور جمال حشمت، وتحفظ عليه آخرون مثل الدكتور سعد الكتاتني رئيس البرلمان السابق، بحيث يعقب ذلك الإفراج عن جميع المسجونين وعمل مصالحة شاملة، واعتبار كل ما فات مراحل انتقالية والذهاب إلى مرحلة استقرار وبناء الوطن.
وعندما أعلنت الرئاسة التركية عزم الرئيس رجب طيب أردوغان التوجه إلى السعودية في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، من السبت إلى الاثنين المقبل، تتزامن مع زيارة “السيسي” للمملكة؛ فتح هذا الباب أمام التساؤلات حول إمكانية إطلاق مبادرة سعودية لاحتواء الخلافات وتدهور العلاقات بين القاهرة وأنقرة من جهة، وبينها وبين قطر من جهة ثانية، للتمهيد لهذا التحالف الإقليمي العربي التركي.
تحركات ووساطات للمصالحة
وفي هذا السياق، كان من الملفت نشر صحيفة “الوطن” الخاصة المؤيدة للسيسي، أمس (الجمعة 27 فبراير)، تقريرًا مطولًا بعنوان: “تحركات ووساطات دولية للمصالحة بين مصر والإخوان“، يتضمن توقعات مراقبين أن يطلب العاهل السعودي من أردوغان تخفيف الهجوم على مصر، وقد يسعى لاحقًا لترتيب مصالحة بين النظامين، بعد أن يحاول أن يثبتها بين مصر وقطر أولا بعدما انهارت.
فالصحيفة، نقلت عن “مصدر رئاسي” أن لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز “سيناقش العلاقات المصرية القطرية، وآخر تطورات الموقف بين البلدين، إضافة إلى ملف الأوضاع في ليبيا، وآخر تطورات الموقف في اليمن، وخطط مواجهة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط“، مشيرًا إلى أنه من المقرر أن يناقش السيسي مع العاهل السعودي تشكيل قوة عسكرية عربية لمواجهة الإرهاب، وكلها نقاط تصب في صالح هذا التحالف السني العربي التركي الذي يجري الحديث عنه.
وفي كلمته التليفزيونية الأحد الماضي، أشار الرئيس المصري إلى “أن هناك حاجة ملحة لتشكيل قوة عربية موحدة للتصدي للتحديات التي تواجهها المنطقة“، وذلك في إشارة إلى تصاعد أعمال العنف التي يرتكبها متشددون في عدة دول.
وسبق أن أكد السفير بدر عبد العاطي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، 16 فبراير الجاري، أن وزير الخارجية سامح شكري “أعلن عن وجود أفكار يتم التشاور حولها الآن بين القادة العرب بشأن تشكيل قوة عربية موحدة لحماية أمن الخليج والأردن“.
وقال عبد العاطي، في تصريحات صحفية: “إن التشاور بين القادة العرب يتم حول تشكيل قوات عربية أو قوة انتشار سريع، سواء في الخليج أو الأردن لمواجهة التنظيمات الإرهابية، التي تعمل على تفتيت الدول العربية وزعزعة استقرارها وبحث مناقشة وإقرار الفكرة خلال القمة العربية المقبلة، والتي تستضيفها مصر نهاية مارس المقبل“.
لهذا يدور جدل حول مناقشة كل هؤلاء القادة الذين زاروا السعودية فكرة تحالف إقليمي سني عربي تركي، وفكرة تشكيل قوة عربية عسكرية موحدة، تتشكل من مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن بشكل أساسي، وهي فكرة يعتقد أنها تجد قبولًا لدى الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وأن تناقش وربما تعتمد نهائيًا في قمة القاهرة بعد موكب زيارات القادة العرب إلى السعودية.
تفاهم عربي تركي لوقف زحف إيران
ربما لهذا أكد القيادي في المعارضة السورية الدكتور برهان غليون أن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية تكتسي أهمية كبيرة إقليميًا، وتشكل خطوة في مسار إحداث تفاهم عربي تركي من شأنه الحد من الزحف الإيراني على المنطقة.
وقال غليون، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك“: “الإعلان عن زيارة رئيس الدولة التركية أردوغان للسعودية خبر أكثر من مهم، منذ أشهر طويلة ونحن نؤكد أنه لا توجد إمكانية للتخفيف عن السوريين ومواجهة الضبع الإيراني المتعطش للتوسع والدماء وميليشياته المتعددة الجنسيات من دون تكوين محور عربي تركي يضع حدًا للتفرد الإيراني بالقوة وتحطيم توازنات الإقليم وإخضاعه لابتزاز دائم“.
وأضاف: “غياب التفاهم والتنسيق بين القطب العربي وتركيا هو السبب الرئيس في تشجيع طهران على تجاوز كل حدود المنطق والحق والقانون والجوار واستمرار الحرب المدمرة في سوريا والعراق، وتفجر قنبلة التطرف الإرهابي في المنطقة بأكملها“، وتوقع أن يحل هذا التحالف أيضًا المشكلة السورية، وربما تسوية سياسية.
من المنتظر أن تناقش زيارة أردوغان العلاقات الثنائية مع السعودية، بالإضافة إلى التحديات الإقليمية المتسارعة التي تواجه الطرفين، لاسيما وأنّ مواقفهما تكاد تكون متطابقة تمامًا في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تمدد النفوذ الإيراني الذي يهدد مصالحهما المشتركة من جهة ويخلق البيئة المناسبة لتكاثر الجماعات الإرهابية والمتطرفة من جهة أخرى.
ولا يمكن استبعاد أن يخصص جزء من الزيارة لبحث كيفية تجاوز الاختلاف في وجهات النظر في ملفات أخرى كمصر، حيث تشير معلومات إلى أن الجانب التركي مستعد للتجاوب مع أي مبادرة سعودية إيجابية تهدف إلى تسوية الملف المصري بشرط تحقيق تقدم في ملف حقوق الإنسان ووقف المحاكمات والإعدامات، وقد تطرح بعض الأفكار بهذا الخصوص.
سيناريوهات مختلفة
ويدور الحديث على ما يبدو حول تحالف “سني” عربي تركي استراتيجي لمواجهة إيران ومنتسبيها الشيعة الحوثيين في اليمن من جهة، ومواجهة الخطر الداعشي من جهة ثانية، فضلًا عن مواجهة خطر تنظيم القاعدة الذي ينمو في اليمن في ظل غياب الدولة وهيمنة الحوثيين، كـ (مستوى أول).
وعلى (المستوى الثاني) تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة يتوقع أن يجرى تدشينها رسميًا في القاهرة، بعدما عقدت لقاءات عديدة بين قادة عسكريين عرب لتشكيلها فعليًا، أما على (المستوى الثالث) فيدور الحديث حول تهيئة المناخ لهذه التحالفات عبر إزالة الخلافات المصرية القطرية، وإبرام مصالحات تدريجية بين مصر وتركيا، وداخل مصر بين السلطة والإخوان، أو على الأقل تخفيف حدة الصدام بين هذه الأطراف وتهدئة الحروب الإعلامية، خصوصًا بين مصر وكل من تركيا وقطر، ويبدو أن ما قاله أمير الكويت في أمريكا عقب مغادرة السعودية بشأن حرصه على استقرار النظام في مصر كان مقدمة أو عربونًا لما سيقدمه السيسي.
ولذلك فالخيارات والسيناريوهات المتوقعة تدور حول الاحتمالات التالية:
1- أن تنجح السعودية في رعاية مصالحة أو تهدئة أو وقف الحرب الكلامية، بين مصر وكل من قطر وتركيا، تمهيدًا لعقد لقاءات مشتركة لهذا التحالف السني وتنسيق المواقف ضد الخطر الأكبر الموحد على الجميع، وبالمقابل تضغط على السيسي لوقف التصعيد ضد الإخوان وإطلاق مبادرات بإطلاق سراح قادة من الجماعة، ووقف الإعدامات، وتخفيف الحملة الإعلامية التحريضية على قتلهم، وطرح محدد لمسألة الدية للشهداء الثورة.
2- أن تكتفي السعودية بهذه اللقاءات من أجل بلورة سياسة خارجية جديدة لم تظهر معالمها بعد خارجيًا، برغم ظهور معالم سياسة الملك سلمان داخليًا، ويتم إرجاء هذه المبادرات حول تحالف عربي تركي لحين بلورة ملفات مثل المصالحات والتهدئة وتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة وإنجاح قوة القاهرة العربية في توحيد الصف العربي أولا قبل تحالفه مع تركيا.
3- أن تتحرك السعودية على مستويين مختلفين: (الأول) تحالف سعودي تركي، من أجل التصدي لإيران وداعش، قد تنضم له دول خليجية. وتحالف آخر (عربي فقط)، يضم دول الخليج ومصر والأردن في قوة عسكرية مشتركة للتصدي لقوات الحوثيين في اليمن وقوات داعش التي تهدد حدود المملكة، بسبب صعوبة إجراء مصالحات مصرية تركية أو بين السيسي والإخوان.
4- الاكتفاء بتنسيقات سياسية وعسكرية مع تركيا ومصر تحسبًا لخطر حقيقي يهدد الحدود السعودية من جهة العراق (داعش) أو اليمن (الحوثيين)، والاكتفاء بإصلاحات داخلية اقتصادية في المقال الأول لتوحيد المجتمع السعودي في مواجهة الخطر الخارجي.
5- أن تتحرك السعودية بنفس القوة التي تحركت بها لتغيير سياسات الملك السابق الداخلية، في الخارج، وأن تسعى لفرض مصالحات في مصر عبر الضغوط الاقتصادية، وأخرى بين مصر وقطر وتركيا. ليس حبًا في الإخوان، ولكن من أجل تحقيق مصالح المملكة التي تحتاج للتحالف -شعبيًا لا حكوميًا فقط- مع تيارات الإسلام الوسطي في مصر واليمن وسوريا لمواجهة داعش والقاعدة والحوثيين، وهذه التيارات أغلبها إخوانية، ما يضطر المملكة للتعامل معها. وقد تكون زيارات قادة محسوبين على الإخوان مؤخرًا للمملكة، مثل الغنوشي والقرة داغي، مؤشرات على تغير في التعامل السعودي مع الجماعة من منطق تبادل المصالح بصورة أكبر.
عادل القاضي
التقرير