هذا المقال هو نتاج محاورة أجراها المحرر الصحفي زاكاري لوب مع السيد «آبريل لونجلي آلي» كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية.
ألقى الاستيلاء على السلطة في اليمن من قبل حركة مسلمة شيعية مسلحة معروفة باسم الحوثيين البلاد في حالة من الفوضى، وأثار مخاوف بشأن مزيد من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. «الحوثيون ضحايا نجاحهم الخاص»؛ هكذا يقول «آبريل لونجلي آلي» من مجموعة الأزمات الدولية ومقرها دبي. وبعد التقدم السريع خارج قاعدتها في الشمال، يواجه الحوثيون الآن رد فعل سلبي في الوقت الذي تحالف فيه منافسهم – تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية – مع بعض القبائل لصد التقدم الحوثي. وفي الوقت نفسه؛ تنظر المملكة العربية السعودية إلى صعود الحوثيين المتحالفين مع إيران على حدودها الجنوبية باعتباره جبهة جديدة من التنافس مع إيران من أجل الهيمنة الإقليمية. وتهدد هذه التطورات – بحسب آلي – بإضافة بُعد طائفي للأزمة السياسية التي بزغت منذ إطاحة اليمنيين بالرئيس «علي عبد الله صالح» خلال الانتفاضات العربية في عام 2011م.
من هم الحوثيون؟
تعود جذور الحوثيين إلى الحركة التي بدأت في شمال اليمن في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لحماية وإحياء التقاليد الدينية والثقافية الزيدية. والزيدية فرع من الإسلام الشيعي يختلف عن الشيعة الاثنا عشرية في إيران والعراق ولبنان. ويشكل الزيديون الغالبية في أقصى الشمال، ولكنهم أقلية في اليمن ككل. مع بداية حقبة الثمانينيات زرعت المؤسسات الدينية السلفية السنية نفسها في هذه المناطق الزيدية التقليدية بدعم من الدولة. وشعر الحوثيون أن البساط يُسحب من تحت أقدامهم بينما تعرضوا للاستبعاد السياسي والتهميش ما زاد من حدة الغضب لديهم.
وأصبح الحوثيون طائفة مُسيسة في ظل حكم زعيمهم الراحل «حسين بدر الدين الحوثي» الذي عارض الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، وحوّل الحركة نحو النشاط السياسي. واعتُبر الرئيس اليمني «علي عبد الله صالح» مؤيدًا للولايات المتحدة، لذلك كان نقد «حسين» تحديًا لـ«صالح». سعى «صالح» لاعتقال «حسين» من خلال شنّ عمليات أمنية انتشر صداها في الشمال انتشار النار في الهشيم، وتسببت خلال عام 2004 في اندلاع أول ست جولات من الصراع المسلح بين أتباع «حسين» والدولة اليمنية.
بعد انتفاضة عام 2011م، انضم الحوثيون إلى ائتلاف أصحاب المصلحة اليمنية الذين لديهم تاريخ طويل من القتال ضد نظام «صالح». وأصبحت الاختلافات بين المجموعات – والتي شملت بعض خصومهم التقليديين – واضحة بسرعة نسبيًا.
وفي 2012 – 2014م؛ جمع مؤتمر الحوار الوطني – الذي ترعاه الأمم المتحدة – جميع مجموعات المعارضة والحكومة معًا لوضع الأساس لدستور جديد. وشارك الحوثيون في هذه المفاوضات السياسية في الوقت الذي يحافظون فيه على موقف ثوري ويبسطون سيطرتهم على الأرض.
«أنصار الله» هو اسم المنظمة الأم. وبدأت قيادتها أيضًا تطوير حلفاء سياسيين من خارج معقلهم الشمالي. وبدأوا يتحدثون عن القضايا الوطنية الأوسع نطاقًا مستخدمين لغة شعبوية وتأطير أنفسهم كحركة قرآنية أكثر من كونها زيدية.
ولا تزال طموحاتهم السياسية غامضة بعض الشيء ومتغيرة. على المستوى الأساسي؛ هم مدفوعون بالحاجة إلى حماية أنفسهم مما عاشوه من معاناة وتهميش تبنّته الدولة ضدهم في الماضي. إنهم يسعون للسيطرة على عملية صنع القرار على المستوى الوطني بعد أن نجحوا بشكل كبير عسكريًا.
ومنذ اجتياح العاصمة في سبتمبر واستقالة الرئيس والحكومة في أواخر يناير، فهل نستطيع أن نتساءل: هل أنصار الله الآن حزب حاكم في اليمن على نحو فعال؟ إنهم ليسوا في وضع يمكنهم من حكم اليمن من دون تحالفات وائتلافات قوية، وهم في سيطرتهم الآن لا يقومون بدور الحزب الحاكم الذي منوط به أن يوفر متطلبات الشعب.
لقد وضعت استقالة الحكومة الحوثيين في مأزق. لقد أخطأوا من قبل بالمضي قدمًا مع الإعلان الدستوري في 6 فبراير، وهو الإعلان الذي تجاهل الأحزاب السياسية الرئيسية وحشد المعارضة التي كانت تغلي غضبًا منذ سيطرتهم على العاصمة في سبتمبر.
ودأب الحوثيون على نقد النظام القديم بسبب الفساد وبطء وتيرة الإصلاح وعدم تنفيذ مختلف الاتفاقات الانتقالية؛ بما في ذلك نتائج الحوار الوطني. وهم الآن قوة عسكرية قادرة وقوية، ولا سيما في ظل عدم وجود جيش وطني متماسك، لكنهم ليسوا مجموعة مؤهلة سياسيًا ولا جاهزة لإدارة حكومة أو اقتصاد البلاد.
ما هي المصالح المشتركة بين الحوثيين وإيران؟ وهل يتلقون الدعم المادي منها؟
تتبنى أنصار الله نهجًا مفتوحًأ في علاقاتها السياسية مع إيران، وقد راق لقادتها نقاط معينة من النظام الإيراني؛ لا سيما مقاومته للغرب والولايات المتحدة. وهم يرون أنفسهم جزءًا من المدار الإيراني. وليس هذا بالضرورة سببًا لأخذ أوامر من إيران، كما لا يعني أن نجاح الحوثيين هو نتاج التدخل الإيراني.
هناك علامة استفهام كبيرة على حجم الدعم المادي، كما أنه ليس العامل الحاسم في قدرة الحوثيين على الاستيلاء على الأراضي أو السيطرة عليها. هذا هو في المقام الأول نتاج لضعف الدولة، والمنافسات الداخلية التي نجح الحوثيون في استغلالها، والإحباط داخل اليمن من نخب النظام القديم وبطء وتيرة التغيير.
ويدرك الحوثيون جيدًا أنه يمكنهم الاعتماد على الإيرانيين للمضي قدمًا في السياق اليمني. ويعود الحوثيون للطائفة الزيدية، ومن ثم فإنهم يقاومون التحرك في بوتقة الاثنا عشرية. وبالفعل؛ يستخدم مناهضو الحوثيين في اليمن بنجاح الارتباط مع إيران لتقويض النفوذ السياسي الداخلي الخاص بالحركة.
ما أثر هذا الصعود الحوثي على وجود القاعدة في جزيرة العرب؟
لقد حقق الحوثيون عدة انتصارات مهمة ضد القاعدة في جزيرة العرب بينما فشلت الحكومة في ذلك. ويُقال إن تنظيم القاعدة يستخدم حقيقة أن الحوثيين في طليعة المعركة كفرصة لإذكاء التوترات الطائفية. ولا يوجد في اليمن صراع بين السنة والشيعة بمعناه التقليدي، ولكن القاعدة في جزيرة العرب تحاول تأطير المعركة في هذا السياق. ويعتمد مدى نجاحها إلى حد كبير على مدى استعداد الحوثيين لتشكيل تحالفات ضرورية لحكم البلاد بشكل حصري وأن يكون هناك جيش شرعي ودولة. ويشهد تنظيم القاعدة طفرة تجنيد في بعض المناطق؛ مثل محافظة البيضاء الوسطى التي ينظر سكانها إلى الحوثيين على أنهم غزاة. وعندما يحدث ذلك؛ فإن القبائل المحلية تنحاز لتنظيم القاعدة لوقف التقدم الحوثي.
على الرغم من معارضة الحوثيين وإغلاق السفارة الأمريكية، تواصل واشنطن تنفيذ هجمات الطائرات بدون طيار ضد القاعدة وعمليات التدريب لبعض الوحدات العسكرية اليمنية. والسؤال الذي يطرحه الواقع: ماذا سيكون دور الولايات المتحدة في اليمن بحيث تبدو وكأنها تمضي قدمًا نحو أهدافها؟
وليس للأمريكيين تأثير مباشر على الحوثيين الذين يرددون صرختهم المعادية للأمريكيين على الرغم من أن لديهما عدو مشترك. وتوجد المجموعات التي لها النفوذ الأكبر الآن في الخليج؛ وخصوصا السعوديين وإلى حد ما إيران. ويمكن لإيران أن تلعب دورًا إيجابيًا من خلال تشجيع الحوثيين لتجنب هذا النوع من الإقصاء والتمدد الذي يمكن أن يكلفهم المكاسب السياسية الهامة التي حققوها.
ولسوء الحظ؛ فإنه يبدو أن المملكة العربية السعودية فقدت الأمل في العملية السياسية. وتعاملت السعودية مع الموقف بعدوانية من خلال محاولات القيام بعزل دبلوماسي للحوثيين ودعم المجموعات التي سوف تواجههم عسكريًا. ويبدو أن المملكة العربية السعودية قد لبست لَأمَة الحرب، كما أنه ليس هناك دليل على أن إيران تتخذ إجراءات إيجابية من شأنها أن تنزع فتيل الأزمة هي الأخرى. وهذا غير مبشر على الإطلاق باستقرار للمنطقة. ويُصعّب السياق الإقليمي على اليمنيين التوصل إلى تسوية سلمية.
إغلاق السفارات الغربية.. هل يحوي الأمر بعدًا سياسيًأ؟
أغلق البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون والاتحاد الأوروبي والهولنديون والألمان واليابانيون والأتراك ودول مجلس التعاون الخليجي وغيرها سفاراتها مؤقتًا بسبب مخاوف أمنية. ويُعدّ الأمن مصدر قلق طالما كانت هناك استمرارية لحالة الجمود السياسي، ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءًا في ظل غياب تسوية سياسية. والحق يُقال أن صنعاء لم تكن أكثر خطورة اليوم – حيث أغلقت السفارات أبوابها – مما كانت عليه قبل شهرين. ويُحكم الحوثيون قبضتهم القوية على العاصمة. ويبدو أن قرار إخلاء السفارات ليس سُوى ورقة ضغط على الحوثيين لتقديم تنازلات.
لقد غادر معظم أطقم السفارات الساحة، وبات تواجد الدبلوماسيين محدودًا، وحتى من بقي فلا يتحرك. وقد لعبت العديد من هذه السفارات دورًا حاسمًا في رحلات مكوكية بين أصحاب المصلحة اليمنية، وحاول كثير منهم تشجيع الحوثيين لتقديم تنازلات ومتابعة المسار الدبلوماسي.
ويبني الحوثيون تحركاتهم في المقام الأول على حساب التفاضل والتكامل السياسي الداخلي. نقاط الضغط اقتصادية في المقام الأول، وكذلك التعبئة المضادة المحلية. ومن غير المرجح أن يغير غياب أو وجود السفارات الغربية من صناعة قرارهم. بدلاً من ذلك، فإنه يؤدي إلى التخلي عن وكلاء مرحليين بين مختلف أصحاب المصلحة في الوقت الذي تكون فيه الحاجة إليهم مُلحّة.
ما هي آفاق إحياء عملية الانتقال السياسي التي تدعمها الامم المتحدة؟
المفاوضات جارية والمبعوث الخاص للأمم المتحدة «جمال بن عمر» لا يزال في صنعاء، ولكن المرحلة الانتقالية دخلت في طور التفكك. وأعلن بن عمر عن اتفاق مفاجيء بشأن المجلس الانتقالي ليكون بمثابة هيئة تشريعية في البلاد، وذلك بالتنسيق مع البرلمان الحالي. هذا أمر إيجابي، ولكن هناك العديد من القضايا الصعبة بما في ذلك الاتفاق بشأن سلطته التنفيذية.
وينبغي أن تشمل التسوية الشاملة اتفاقًا على تقاسم السلطة قبل الانتخابات على الصعيدين الوطني ودون الوطني، وتطبيع الوضع الأمني في صنعاء، على سبيل المثال؛ إنهاء الإقامة الجبرية والاحتلال الحوثي للمباني الحكومية، وتبني حل وسط بشأن هيكل الدولة، ولا سيما حول مستقبل الجنوب الذي تزداد فيه مطالب الانفصال. وأزعجت هذه القضايا العملية الانتقالية منذ بدء الحوار الذي انعقد داخليًا في يناير من العام الماضي. ولا تزال الأمور عالقة دون حل. وللأسف؛ لا يوجد مؤشر على رغبة حقيقية من الجماعات المتفاوضة للتوصل إلى تسوية نهائية في هذا الوقت.
ما هو دور الحوثيين في السياسة الانتقالية في البلاد؟
(ملاحظة من المحرر: الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي – الذي استقال في أواخر يناير وكان تحت الإقامة الجبرية في صنعاء – هرب إلى ميناء عدن وتراجع عن استقالته، ودعا وزراء الحكومة للانعقاد هناك).
الحوثيون هم ضحايا نجاحهم الخاص؛ فهم يطالبون كثيرًا ولا يقدمون سوى القليل من التنازلات. وتشك الأطراف الأخرى في مدى جدية الحوثيين حول السماح لأي شخص آخر بالمشاركة إلا إذا كانوا ينتظرون منه التعاون معهم. وينظر إليهم العديد من اليمنيين على أنهم يريدون فرض إرادتهم بالقوة. ربما تريد المعارضة انتهاء الحوثيين ولو بعمل عسكري يقضي عليهم، أو على الأقل وصولهم لمرحلة الضعف السياسي عن طريق انهيار اقتصادي قبل أي حل سياسي دائم.
ومن غير الصحيح تأطير ما يحدث على أنه صراع طائفي. والحق يُقال؛ إنه تضليل لا يختلف عن إنكار وجود زاوية طائفية متنامية. المعارضة السياسية والعنيفة للحوثيين على أشدها الآن في المناطق الشافعية السنية؛ وخاصة شرق صنعاء في المحافظة الوسطى من مأرب وعلى نحو متزايد في جنوب اليمن. ويشعر اليمنيون في هذه المناطق بالقلق إزاء زحف الطائفية. ولا تساعد البيئة الإقليمية، بينما يحاول تنظيم القاعدة إثارة الطائفية. وترى المملكة العربية السعودية الصراع كجزء من صراع إقليمي مع إيران. وفي إيران؛ تُغذّي وسائل الإعلام وبعض المسئولين هذه المخاوف عن طريق تشجيع الحوثيين وإعلان التأييد لهم وإطلاق عبارات المديح لنجاحاتهم. وسوف يُعقّد هذا الغطاء الطائفي الإقليمي الصراع العنيف داخل اليمن ويطيل أمده.
الخليج الجديد