الباحثة شذى خليل*
حكم بريمر العراق بين أيار 2003 وحزيران 2004 ، والف كتابا موسوم بـ” عام قضيته في العراق والنضال نحو غد مرجو” احتوى على مزيج من الوقائع والوهم في سرد الاحداث وأخطاء كثيرة قاتلة ذكرها في كتابه، ودون فيه أمورا ظاهرها حق وباطنها باطل ، وكشف كتابه كيفية حفر الطائفية القاسية في النسيج المعنوي والنفسي للمجتمع العراقي، واظاهر عمق الزيف في تلك المذكرات المحبوكة حبكا جيدا عند بريمر وتبين آراءه ووجهات نظره ومعلوماته غير الدقيقة ، والمبالغ فيها لأمر في نفس بريمر، ومشروعه الذي كلف بتنفيذه .
وبالمقارنة بعد مرور اربعة عشر عاما، بما اسماه بريمر بـ (غد مرجو) وبين ما موجود على أرض الواقع اليوم .
ولا يذكر بريمر في كتابه اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 الخاصة بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة كما انه لا يتحدث عن استحقاقات القرار 1483 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 22 ايار (مايو)2003 والذي اعترف بكون الولايات المتحدة “قوة احتلال ” وبالتالي فهي تخضع للقانون الدولي الانساني.
ولكشف الحقائق وتسليط الضوء على ما ركز عليه في سياسته في العراق نشير الى ان بريمر اتخذ مئة امر، ليس باستطاعة اي حكومة منتخبة تغييرها، لا نها اساس الديمقراطية حسب ادعائه ؛ ومنها قرار رقم 81 الذي نص على منع المزارعين العراقيين من استخدام البذور المحمية ولا يسمح لهم بحفظ البذور، ولا مشاركتها مع غيرهم ، ولا يحق لهم اعادة زراعة البذور المحصودة .
ومنها ايضا قرار رقم 39 الذي يسمح بخصخصة 200 من الشركات المملوكة للدولة العراق اذ اصبحت ملكيتها اجنبية بنسبة 100% وتعامل معاملة الوطنية من حيث تحويلات الارباح والاموال الاخرى المعفاة من الضرائب والقيود ، والتراخيص الملكية لمدة 40 عاما.
ومن القرارات التي اتخذها بريمر قرار رقم 12الصادر في 2003 وتم تجديده في 2004 ومفاده تعليق الرسوم الجمركية والضرائب على الواردات ورسوم الترخيص الاضافية للسلع التي تدخل او تغادر العراق ، وجميع القيود التجارية الاخرى التي تنطبق على مثل هذه البضائع.
ومنها قرار رقم 17 الذي منح المقاولين الاجانب بما في ذلك شركات الامن الخاصة ، حصانة كاملة من القوانين العراقية، بالاضافة الى قانون 30 المتعلق بالإدارة المالية ومنع التصدير اذ منع بريمر العراق من تصدير العديد من المنتجات الصناعية والمواد الأولية.
وركز بريمر في كتابه على ارساء اسس الطائفية بين مكونات الشعب العراقي، فكان دائم التذكير بأن لا يرتكب الشيعة الأخطاء المأساوية التي ارتكبوها عام 1920, أي مقاومة الإنجليز وتمكين السنة من حكم العراق لمدة 80عاما “ص 130”
ويقول بريمر : إن عدد سكان العراق ’25’ مليون نسمة في حين كان التعداد السكاني وهو ’27’ مليون نسمة ، حسب القيد المدني العراقي وسجلات البطاقة التموينية.
ولعل تحديد فترة الثلاثة أسابيع التي ادعى بريمر ان قوات التحالف حققت خلالها النصر المزعوم باحتلال العراق فيه الكثير من التجني على حقائق التاريخ فالحرب مع العراق بدأت منذ عام 1991 ‘تلك الحرب’ التي واجه العراق فيها ’33’ جيشاً مسنداً بالقوة الجوية الكونية التي بدأت بقصف وتدمير
كل البنى التحتية حتى الكنائس والمساجد لم تنج من عدوانه .
كما استمر الحظر النفطي و الحصار الاقتصادي و العلمي و الثقافي عام 1991 ايضا اذ منع العراق خلالها حتي من استيراد أقلام الرصاص بذريعة أن فيها مادة تدخل في صناعة أسلحة الدمار الشامل والتي اكتشفوا بعد ’15’ سنة من التفتيش أنها كانت كذبة وجريمة بحق الإنسانية، لان ذلك الحصار وباختصار شديد لم يؤذ الحكومة العراقية ، بل الشعب العراقي وخصوصا الاطفال والشيوخ وتسرد أرقام المنظمات الدولية والإنسانية صورا ً مروعة عما عاناه العراقيون من أذى قضى مئات الآلاف من الشيوخ والنساء والأطفال نحبهم بسبب نقص الغذاء و الدواء .
ولعل من المفيد التذكر أن هذا الحصار تخللته ضربات جوية صاروخية كثيرة، أما الحرب الأخيرة فنختصر بالقول ان الضربة الصاروخية الأولى علي بغداد وصلت إلى ‘3000’ صاروخ أرض؛ ما يعني الحرب بدأت منذ 1991 وليس 2003 كما زعم بريمر .
وكان بريمر مصمماً على زرع الطائفية، لتقسيم الشعب العراقي إلي طوائف وقوميات متناحرة لم يألفها ولا تشكل حقيقة لواقعه.
ومن ادعاءات بريمر في كتابه : إن الشعب العراقي يتكون من النسب التالية: الشيعة يشكلون نسبة 60% والأكراد 20% أما السنة فيشكلون نسبة 19% والدليل الثابت للرد عليه يتأكد من خلال مؤشر التعداد السكاني لعام 1957 وكذلك التعداد السكاني لعام 1977 حيث لم تكن النسب التي حددها بريمر صحيحة اذ لم يؤشر التعداد السكاني العراقي عبر تأريخه منذ الاستقلال في المسح السكاني إلى الطائفة الدينية إنما كان العنوان البارز دائما هو القومية والدين أما في الدين الإسلامي فلم يحدث تأشير حول المذاهب.
مفاهيم السلب والنهب :
ان غضب وزير الدفاع رامسفيلد الاميركي المفتعل الذي صبه في ذلك المؤتمر الصحفي علي الحاضرين الذي عبر عنه بالقول بأن الأمر طبيعي حيث ينهب السراق لكونهم تحرروا من براثن القمع والاضطهاد الذي مارسته الحكومة العراقية ، وهنا اذكر رامسفيلد بما حدث في لوس أنجلوس من سلب ونهب أم إن ذلك كان نهب ديمقراطي؟.
وهذا يعني أن الذي حصل في أعقاب إعصار كاترينا من سرقات ونهب علي نطاق واسع كان نهبا ديمقراطيا، ثم لماذا التركيز علي سرقة زهرية؟ وعدم الحديث عن سرقات الآثار التي حطمت ونهبت بعد ضرب المتحف العراقي من قبل دبابات أمريكية ليدخل اللصوص المهيئون لفعل أبشع عمل مشين وهو طمس تأريخ العراق وذاكرته التاريخية، خصوصا إن ذلك المتحف لم تتم حمايته ، كما حصل مع وزارة النفط العراقية التي تمس جدرانها. ويبدو أن للإدارة الأمريكية مفاهيم خاصة في النهب والقتل والهدم كما هي الحال في التعامل في تصنيفها للدول الديمقراطية والدول الديكتاتورية وهو خلاف لمنهج العلوم السياسية التي تدرس في الجامعات ، وخلاف لمواثيق الأمم المتحدة التي باتت ذيل تابع لسياسة القطب الأمريكي الواحد والسائد في العالم.
في الحقيقة أن ما حصل هو فوضى عارمة يمكن ان يتعرض لها أي بلد متحضر أم متخلف، والذي حصل هو نتيجة طبيعية لنكبة شعب جعله الحصار يعيش حرمانا لفترة طويلة، وفضلا عن نتيجة حل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وترك الأمور سائبة مما يدل على أن هذه الفوضى كان مخطط لها كي تكون بداية موضوعية لبناء أعوج ومشوه.
ويقول بريمر قبل الحرب لم يكن العراق ينتج ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب لذا اتبع البعثيون تقنين الكهرباء وكان من الطبيعي أن يحصل الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال علي الحصص الدنيا.
وان من يعمل في محطات توليد الطاقة الكهربائية هم من أبناء الشعب كله على اختلاف أديانهم وقومياتهم فكيف تحرم شريحة على حساب وإن مصادر الطاقة الكهربائية في العراق متعددة ومن أهمها التوليد عن طريق السدود المائية على نهري دجلة والفرات ولعل سد دوكان و سد دربنديخان اللذين يقعان في المنطقة الكردية أكبر شاهدين وهما من مصادر الطاقة الكهربائية لعموم العراق كما السدود الأخرى, و كانت الإدارة الكردية تأخذ حصتها بالكامل ثم تدفع إلي الشبكة الرئيسة الفائض عن الحاجة و كان حالها أي المحافظات الكردية الثلاثة وهي إربيل و السليمانية ودهوك فكيف كانوا محرومين ‘من الطاقة الكهربائية’ فالواجب يحتم عليك أن تزرع الفتنة لتبرر ما قمت به من دمار. أما محطات التوليد الأخرى والتي تقع في البصرة وكذلك في المسيب ويديرها أبناء جنوب العراق، تأسست هذه المحطات الضخمة في كل مناطق العراق.
فقد كان الريف العراقي قبل حكم 1968محروما من الكهرباء بصورة عامة، وقامت الدولة بجهد عظيم يشهد له عموم الريف العراقي بحملة لكهربة الريف وتأسست مديريه عامه اسمها ”مديريه الكهرباء الريفية” وأنجزت لـ إيصال الكهرباء لكل قرية عراقية, ولم تكتف بذلك بل وزعت في مناطق الأهوار النائية محطات كهرباء عائمة لكل أبناء الأهوار في الجنوب وهذا أمر معروف للقاصي والداني.
ولكن بعد حرب الخليج الثانية استهدفت محطات التوليد الكهربائية في عموم العراق ودمرت وأصبح البلد يشكوا نقصاً هائلاً في توليد الطاقة الكهربائية, وأعادوا الكهرباء ولكن ليس على ما كانت عليه قبل الحرب لأن الحصار الذي فرضه مجلس الامن كان السبب في النقص الحاد بالكهرباء ، وضعف الصيانة.
ويواصل بريمر ادعاءاته بان وزارة النفط نجت لأن القوات الأمريكية أمرت بحراسة الموقع، مشيرا الى انه تحتوي على سجلات وبيانات عن حقول النفط الشمالية والجنوبية، وهي ميراث الشعب العراقي. والمعلوم أن كل ما حل بالعراق وخصوصا بغداد هو من تدبير المحتل الأمريكي , فلماذا جميع المنشآت الذي أشار إليها بريمر في كتابه أصابها النهب و السلب باستثناء وزارة النفط لكونها تحوي السجلات والبيانات عن حقول النفط التي اعتبرها بريمر ميراث الشعب العراقي، ميراث العراق مرهون بحماية المحتل، بينما المتاحف التي نهبت تحت أنظار الأمريكيين وبتحريضهم ليست ميراثا له؟
وكان النفط السبب الرئيس للحرب من ميراث الشعب بينما المتاحف وأموال الشعب وبنوكه ورصيده الاقتصادي. ليست ميراثا للشعب؟
وقد أثبتت مسيرة الأحداث الدامية في العراق منذ 9/4/ 2003 وحتى الآن إن العراق بكل مكوناته الاجتماعية والحضارية والسياسية والاقتصادية مستهدفة. وكل ما خطط له من خارج الحدود أصبح اليوم واقعا علي الأرض.
و يكمل بريمر: بقوله انه سيؤخر الانتخابات لعدم توفر التعداد السكاني، غير أن العراق كان أول دولة في المنطقة أجرت التعداد العام للسكان وكان ذلك عام 1937 واستمر الأمر حتى جاءت بطاقة الحصة التموينية والتي كانت تمثل تعدادا سنويا دقيقا بعد العام 1990 ولكنه حين يقول ذلك لكي يخلق لمن حوله حجج واهية.
هدر الاموال العامة في العراق
لقد كانت الأموال العامة قبل 2003 يسودها الأمن المطلق والتلاعب فيها يعد من الكبائر، والدليل أن المحاكم كانت تشهد حين اكتشاف أي فساد قد حصل في تلك الاموال ويحال المتلاعب إلي المحاكم بتهمة الاختلاس مهما كانت درجته، وهناك نظام قانوني حاد ودقيق يحمي الممتلكات العامة التي هي ملك الشعب كله، ولم يخل البلد من أي تجاوز على الممتلكات العامة شأنه شان أي دولة في العالم ولكن لم ذلك يكن ظاهرة حادة وإنما كان يعد من البلدان التي قلما تشهد التجاوز على المال العام.
بعد الاحتلال
وبعد الاحتلال 2003 صدر كتاب الخروج من العراق من تأليف جورج ماكغفرن ووليم بولك ويضم معلومات مهمة سأتطرق إلى واحدة منها وهي موضوع مطاردة الأرصدة الهاربة فيقول الكتاب: ”تقتضي الأرصدة العراقية بصورة عاجلة وضع نظام مستقل للمحاسبة والتدقيق, فخلال فترة إدارة العراق من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة التي تعني فترة بريمر سلمت الأمم المتحدة مليارات الدولارات المستحقة للعراق في ظل برنامج النفط مقابل الغذاء إلى هذه السلطة إن مدخولات العراق من النفط للفترة ذاتها هو 13 مليار دولار.
وهنا من الصعب تخمين عائدات النفط العراقي لأنه لا احد يعرف كم هو الإنتاج الحقيقي, كما هو معروف في القياسات العالمية، والاصعب من ذلك إن سلطات الاحتلال أهملت الجانب العملي في قياس الإنتاج لاخفاء الحقائق.
منظمة كريستيان أيد : دعت في تلك الفترة سلطة الائتلاف لتقديم المعلومات الكافية لكي يعلم العراقيون أين صرفت عائدات نفطهم ، وعلى الحكومة البريطانية استعمال نفوذها كجزء من سلطة الائتلاف للكشف عن هذه الحقائق , و الحكومة العراقية المؤقتة لتكون صادقة وشفافة مع الشعب العراقي عليها اطلاعه على صرف عائدات نفطه.
وكشف تقرير امريكي مصير أموال العراق المنهوبة من قبل الحاكم المدني بريمر وسلطة الائتلاف المؤقتة اذ استلمت سلطة الائتلاف مبلغ 21 مليار دولار، كانت في صندوق الأمم المتحدة وأكد ذلك المسؤولون في الأمم المتحدة ومنهم مندوب العراق فيها.
وتعد المنظمة إن هذا إثم فاضح ارتكب من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في قرارهم بوضع عائدات النفط العراقي والأموال الأخرى تحت تصرف سلطة الائتلاف المؤقتة.
وتقول مديرة المنظمة” كريستيان أيد المسيحية اللندنية” هيلين كولنسون طوال السنة التي تسلمت ال CPA السلطة في العراق, كان من المستحيل الحصول على أية معلومات عما تفعله بالأموال العراقية وأين تصرفها، في حين إن القرار 1483 ينص بوضوح على ان عائدات النفط العراقي توضع في صندوق أعمار العراق (DFI ) لتلبيه حاجات الشعب العراقي وتراقب من قبل محاسبين مستقلين.
وفي تقارير أشارت إلى اتهامات قوية وواضحة للـ CPA في كيفية تعاملها مع الأموال العراقية. ولكن الـ CPA لن تكون ترد او تعطي أي تفسيرات حول مصير هذه الأموال.
واكدت ايد انه في أثناء عملية التحضير اعطى بريمر الحكومة العراقية حولي مليارين دولار قبل نقل السلطة ، لذلك فالحكومة متهمة باتخاذ قرارات صرف هذه الأموال.
النفط العراقي يمثل ثروة هائلة, وكون نصف السكان هم لا يزالون عاطلين عن العمل فان العراقيين بأمس الحاجة لكي يتمكنوا من رؤية إن عائدات النفط بدأت تصرف على تخفيف الفقر وتحسين مستواهم المعاشي، ودعت منظمة كريستيان أيد سلطة الاتلاف لتقديم المعلومات الكافية لكي يعلم العراقيون أين صرفت عائدات نفطهم لكن دون جدوى .
الاموال العراقية المنهوبة والمهدورة التي تم الاستحواذ عليها من قبل الادارة الاميركية وسلطات الاحتلال واتباعهم خلال ايام العدوان، أو بعد دخولهم بغداد وفرض سيطرته على العراق وعلى موارده وامكاناته فيمكن اجمالها وفقا لما يلي
• اصدرت الادارة الاميركية في عام 2003 وفي اثناء العمليات العسكرية على العراق قرارا بوضع اليد على الاموال العراقية الموجودة في مختلف انحاء العالم والبالغ حجمها اكثر من 13 مليار دولار، ثم الحقته بقرار اخر صدر عقب احتلال العراق سمح للولايات المتحدة بالاستيلاء على الاموال العراقية الموجودة داخل الولايات المتحدة ومصادرتها والبالغة اكثر من3 مليارات دولار واجازت الادارة الاميركية لنفسها التصرف بأموال العراق المجمدة.
• بدأت لاحقا تتسرب الانباء عن استحواذ الادارة الاميركية على الاموال العراقية المجمدة تباعا منها ما اعترف به بنك “يو بي إس” ثاني أكبر بنوك سويسرا في اذار 2003 عن قيامه بتحويل أرصدة عراقية لديه إلى الحكومة الأمريكية دون إذن من السلطات الرسمية العراقية . ولم يكشف البنك عن حجم هذه الأموال، في حين ان المتحدث باسمه “إكسل لانغر” ابلغ وكالة الأنباء السويسرية بأن مصادرة الأموال تأتي بعد أن جمدت الخزانة الأمريكية أرصدة العراق في 17 بنكا أمريكيًا، من بينها فرع “يو بي إس” في الولايات المتحدة.
• وقد سبق للبنك المركزي السويسري ان اعلن عن وجود أرصدة تعود للحكومة العراقية مسجلة في عدد من البنوك السويسرية، ثم افشت النيويورك تايميز في تشرين الاول من عام 2003 بان الإدارة الاميركية تمكنت من مصادرة مليار و700 مليون دولار اخرى من الارصدة العراقية المجمدة، والحقيقة الثابتة انه بعد غياب الدولة العراقية اصبح بمقدور الادارة الاميركية مصادرة كامل الاموال المجمدة والبالغ مجموعها 13 مليار دولار والتصرف بها دون حسيب او رقيب، ويعتقد جميع الخبراء ان هذا الامر بات محسوما منذ اول ايام الاحتلال.
• بعد 2003 جمعت القوات الأمريكية فقط في بغداد ومن القصور الرئاسية والمجمعات الخاصة عدد من المليارات، بلغ اجمالي ما اعلن عنه حوالي 6 مليارات دولار، كما انها استحوذت على ما قيمته 4 مليارات دولار هي ارصدة البنك المركزي العراقي وبقية المصارف العراقية من النقد الاجنبي.
• عند نهاية حرب العراق توفرت كميات كبيرة من الأموال للسلطة المؤقتة التي كان يرأسها بول بريمر من اجل إنفاقها على إعادة بناء البلد. بعد ثمانية أشهر وعندما غادر بريمر منصبه اختفت 8.8 مليار دولار من تلك الأموال.
• بموجب قرار مجلس الامن المرقم 1483 في 22 مارس 2003 فقد تم تحويل كل هذه الأموال الى حساب جديد في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تحت اسم صندوق تطوير العراق وكان من المقرر انفاقها من قبل سلطة الائتلاف المؤقت ” بأسلوب شفاف… لصالح الشعب العراقي “.
• في 28 حزيران من العام الذي سبقه، عندما غادر بريمر بغداد مبكرا قبل يومين ليتجنب الهجوم المحتمل في طريقه الى المطار، أنفقت سلطة الائتلاف المؤقت 20 مليار دولار من اموال العراق مع 300 مليون دولار من اموال الولايات المتحدة. وعن ” اعادة اعمار” العراق، أكد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبول بريمر بان اعادة اعمار العراق قد تم الانفاق عليها من قبل بلد ” متحرر “، اي من قبل العراقيين انفسهم.
رغم ان بريمر كان من المفروض ان يدير اموال العراق بأسلوب شفاف، فلم يتم تأسيس هيئة مشورة ورقابة الا في تشرين الاول 2003 اي بعد ستة اشهر من سقوط النظام، للإشراف المالي الدولي المستقل على نفقات سلطة الائتلاف المؤقت (هذه الهيئة تضم ممثلين من الامم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية).
في البداية قضت هيئة المشورة والرقابة أشهرا وهي تحاول العثور على مدققين توافق عليهم الولايات المتحدة، اخيرا تم، في نيسان 2004، تعيين مكتب شركة كي بي ام جي في البحرين، الا انها تعرضت للعرقلة، حيث كتبت الشركة في تقرير داخلي لها تقول فيه ” اننا نواجه رفضا ومقاومة من كادر سلطة الائتلاف فيما يتعلق بتقديم المعلومات المطلوبة لاكمال اجراءاتنا”،. وأوضح كادر الهيئة بان التعاون معها لم يعط الاولوية المطلوبة. كما ان الهيئة لم تعقد الا اجتماعا واحدا في وزارة المالية العراقية، اما الاجتماعات في بقية الوزارات فكان يتم تأجيلها باستمرار. بالإضافة الى ان المدققين قد واجهوا متاعب في الحصول على تراخيص للدخول الى المنطقة الخضراء.
اكتشف المدققون ان سلطة الائتلاف لم تكن تحتفظ بسجلات حسابات مئات الملايين من الدولارات الموجودة نقدا في القبو، وانها منحت عقودا بمليارات الدولارات لشركات اميركية دون عطاءات، وليست لديها فكرة عما كان يحصل للأموال المسحوبة من صندوق تطوير العراق والتي كانت تنفق من قبل وزارات الحكومة العراقية المؤقتة.
الافتقار الى الشفافية ادى الى مزاعم بوجود فساد بأموال العراقيين، كان النهب متفشيا، وملايين الدولارات ضاعت من البنك المركزي العراقي. ما بين 11 مليون الى 26 مليون دولار من ثروة العراق التي حجزتها سلطة الائتلاف كانت في عداد المفقودة، كما ان جداول الرواتب كانت مليئة بأسماء مئات الموظفين الذين لا وجود لهم، ملايين الدولارات دفعت لمتعاقدين عن اعمال شبحية غير موجودة، فمثلا نظمت قوائم بمبلغ 3.397.505 ملايين دولار ” لا شخاص غير موجودين في مجال العمل” و” تكاليف غير صحيحة ” وعن عقد إصلاح احد أنابيب النفط.
وفي الوقت ذاته اكتشفت هيئة المشورة والرقابة بان تصدير النفط العراقي كان يجري بلا عداد، ولم تستطع هيئة تسويق النفط الحكومية ولا السلطات الاميركية اعطاء تفسير مقنع لذلك. يقول احد المدراء التنفيذيين في مجال البترول ” السبب الوحيد لعدم مراقبة ذلك هو عدم الرغبة بمعرفة الكمية التي يتم تصديرها عبر الانابيب “. رسميا، كان العراق يصدّر ما قيمته 10 مليارات دولار من النفط في العام الاول2003 للاجتياح الاميركي لم يتم حسابها، بالإضافة الى صادرات اضافية بقيمة 4 مليارات دولار.
وهذا يعني خلق اموالا خارج السجلات يمكن ان يستخدمها الأمريكان وحلفاؤهم من العراقيين، دون تسجيل وتوثيق ، لتغطية النفقات غير معروفة من بينها تكاليف الاجتياح التي تفوق ما اعترفت به ادارة بوش امام الكونغرس والمجتمع الدولي.
وقام المدققون في هيئة المشورة والرقابة، بمراجعة ملفات 225 عقدا يبلغ مجموعها 327 مليون دولار ليجدوا ما اذا كانت السفارة ” قادرة على تحديد القيمة الحالية لالتزامات العقود المدفوعة وغير المدفوعة “، لكن السفارة لم تتمكن من تحديد القيمة، اذ يقول المدققون ” مراجعتنا بينت ان السجلات المالية قدرت المدفوعات بمبالغ اقل ، وقدرت الالتزامات غير المدفوعة بمبالغ اعلى. كما راجع المدققون 300 عقد أخرى بقيمة 332.9 مليون دولار، ” من بين 198 ملفا تمت مراجعتها، تبين ان 154 ليس فيها دليل على استلام الخدمات او البضائع، و169 ليس فيها قوائم اسعار، و14 ليس فيها دليل على الدفع، من الواضح ان الأمريكان لا يرون ضرورة لحساب الدخل القومي للعراقيين الان مثلما لم يروا ضرورة لذلك عندما كان بريمر مسؤولا.
لم يرد مسؤول بعثة السفارة الاميركية ولا القائد العسكري على دعوة المدققين للتعليق على ذلك، وبدلا من ذلك اشار مسؤول العقود في الجيش الاميركي الى ان ” الظروف السلمية التي تصورناها في التخطيط الاولي مازالت بعيدة عن جهود اعادة الاعمار”. هذا انتقاص ملحوظ واعتراف بان الأمريكان لا يتوقع منهم ان يهتموا عندما ينفقون اموال شعب آخر لتمويل الحرب.
والافتقار للمساءلة لا يتوقف عند الأمريكان، اذ اصدر المفتش العام لا عادة اعمار العراق تقريرا يفصل ادلة على الاحتيال والفساد في الحكومة العراقية المؤقتة خلال ادارة بريمر، حيث وجد ان 8.8 مليار دولار – مجمل انفاق الحكومة العراقية المؤقتة من ايار 2003 الى حزيران 2004 – لم يتم حسابها بشكل صحيح، والوزراء والمسؤولون الكبار كانوا مطلقي اليد في تسليم مئات الملايين من الدولارات نقدا كما يشاؤون امام انظار ” المستشارين ” الأمريكان.
ويبين المدققون ان ” افراد سلطة الائتلاف لم يراجعوا ويقارنوا اداء المالية والميزانية والعمليات مع النتائج المخطط لها او المتوقعة “.
كما اشاروا الى ان هناك مبالغ تم انفاقها دون وجود وصولات تثبت ذلك، قطاعات المدارس والمستشفيات واسالة الماء والكهرباء – التي كان من المفروض ان تستفيد من هذه الاموال.
وبين آخر تدقيق لهيئة المشورة والرقابة ان الحكومة العراقية تتحدث عن ” حسابات غير مكتملة ” و” افتقار الوزارات العراقية الى وثائق التنافس على العقود” و” اختلاس محتمل لإيرادات النفط ” و” صعوبات كبيرة في ضمان اكتمال ودقة ميزانية البلاد والسيطرة على النفقات ” و” عدم ايداع ايرادات تصدير النفط في الحسابات المناسبة في مخالفة صريحة لقرار مجلس الامن المرقم 1483 “.
واكد الغادريان البريطانية ان غياب المساءلة الحقيقية حرم العراق من معرفة الثروة الوطنية التي يتم انفاقها على اعادة الاعمار، او تتسرب الى حسابات في بنوك سرية خارج البلاد.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
المصادر : (1) كتاب: عام قضيته في العراق
– المؤلف: بول بريمر ومالكولم ماك كونل
– المترجم: عمر الأيوبي
– عدد الصفحات: 496
– الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت
– الطبعة: الأولى 2006
(2) : الغادريان البريطانية ، تقارير امريكية