التسجيل الرسمي للمرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية سوف يبدأ في 11 أبريل (نيسان) الحالي، تليه خطوة ذات مدلول مهم، وهي فحص المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور الذي سيصدر في السادس والعشرين من الشهر الحالي قائمة نهائية بالمرشحين المسموح لهم بالبقاء، ثم تبدأ حملة تستمر 3 أسابيع حتى موعد الانتخابات في 19 مايو (أيار) المقبل.
الأسلوب الذي يعتمده مجلس صيانة الدستور يتعارض بشكل متزايد مع تشكيل النخبة السياسية الإيرانية التي تضم كثيراً من الدوائر المختلفة في السلطة، المجلس يفحص المعتدلين والمحافظين والإصلاحيين. وآيديولوجيته تتغير تبعاً للقضية: الاقتصاد، الحرية الثقافية، دور المرأة، لكنها كلها تلتزم مبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكانت الفكرة الأصلية لنظام فحص المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية ضمان التوافق الآيديولوجي، بحيث يتم إقصاء كل من لا يؤيد فكرة الجمهورية الإسلامية التي يقودها مرشد أعلى. وخلال السنوات الـثلاثين الماضية، صار مجلس صيانة الدستور سلاحاً للفصائل داخل النخبة. يعين أعضاءَه المرشدُ الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يعين أيضاً رئيس السلطة القضائية، وهكذا يهيمن المحافظون على المجلس، ويستخدمونه لتقويض آمال منافسيهم الإصلاحيين وحرمانهم من الترشح كي لا يصلوا إلى صناديق الاقتراع. هناك اهتمام لافت من قبل المحافظين والمتشددين بالذات، وصل إلى حد مساءلة خامنئي نفسه، وإن كان البعض يقول إن المقصود كان الرئيسَ حسن روحاني، ربما للتخفيف من حدتها ووقعها. خامنئي منع محمود أحمدي نجاد من ترشيح نفسه، وحتى عدم دعم مرشحه حميد بقائي. في 27 من الشهر الماضي، وفي إقليم الأحواز حيث الفقراء الفرس أكثر عدداً من الفقراء العرب، قال أحمدي نجاد: هل الثمانون مليون إيراني لا يفهمون وأنت تفهم (…)؟ هل أنت فقط من يعرف كيف يُشخص السيئ (…)، هل بإمكانك أن تأتي لنا بأدلة على أنك أعلم من هذا الشعب (…)؟
كلمات أحمدي نجاد تشكك مباشرة في نظام ولاية الفقيه. هو لم ينفِ أن المقصود خامنئي بالذات. في هذا الوقت عبر أيضاً خطيب جامعة طهران أحمد خاتمي يوم الجمعة الماضي عن الحاجة إلى الحفاظ على الاستعداد للتعامل «مع الاختراقات الثقافية التي ستكون أكثر صرامة من التعامل مع المواجهة العسكرية». يتخوف النظام من تكرار تجربة الاحتجاجات الشعبية التي حدثت بعد الانتخابات الرئاسية المتنازَع على نتيجتها عام 2009، لهذا قال خامنئي يوم الثلاثاء قبل الماضي: «مهما كانت نتائج الانتخابات، فهي صحيحة وشرعيتها قائمة».
من المؤكد أن الرئيس الحالي روحاني سيكون واحداً من المتنافسين، وبالتالي سوف تكون الانتخابات المقبلة جزئياً، بمثابة استفتاء على أدائه، لا سيما وعده بفتح الاقتصاد الإيراني، بعد الاتفاق النووي.
مَن سيواجه روحاني، وهل سيجتمع المحافظون حول مرشح واحد يستطيع أن يطرح برنامجاً ورؤية بديلين لطرح روحاني؟ يبقى الاقتصاد عاملاً رئيسياً بغض النظر عن طلب خامنئي بتحقيق «اقتصاد الثورة». لذلك يحتاج المحافظون إلى تجاوز سرد الإخفاقات الحقيقية لحكومة روحاني وطَرْح برنامج للتحول الداخلي مع مشاركة أجنبية أقل، كي يتوفر نمو اقتصادي يمكنه أن يُحدِث فرقاً لدى الإيرانيين.
حتى الآن لم يعلن أي من أبرز السياسيين المحافظين، مثل محافظ طهران محمد باقر قليباف (الذي هاجم روحاني عام 2013، وصرح أمس بعدم رغبته في خوض الانتخابات) أو علي لاريجاني رئيس البرلمان (يقال إنه يدعم روحاني)، ما إذا كانوا مرشحين. أما روحاني، فإنه سيدخل حملته الانتخابية بعدما قضى أغلبية فترة رئاسته الأولى يحاول، بطريقته، حل المواجهة الإيرانية مع الغرب بشأن برنامج إيران للتخصيب النووي. كان يشعر بقوة بأن التيار الدولي إلى جانبه، إذ كان هو والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يوحيان بأنهما مستعدان للمخاطرة بحياتهما السياسية من أجل فتح طريق مسدود، قد ينتهي إلى مواجهة عسكرية. روحاني باع الاتفاق النووي مع الغرب على أنه جزء من حملته عام 2013، وسيليه حتماً الازدهار الاقتصادي.
لكن منذ البدء بتطبيق ذلك الاتفاق، فإن القليل تحقَّق والمكاسب الاقتصادية لم تكن مطابقة للتوقعات. فالاستثمار الأجنبي بطيء، وهناك عدة أسباب لذلك، أهمها: الهيكلية المالية داخل إيران مثل المعايير المصرفية، وقضايا الفساد وعدم الشفافية، إلى جانب القلق المستمر حول التزام الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب بالاتفاق النووي.
عدم المعرفة هذا يجعل المصارف والشركات الأوروبية مترددة في الإقدام على استثمارات ضخمة في إيران، حيث الساعة الاقتصادية أبطأ بكثير من الساعة السياسية.
وفي حين تتسلح حكومة روحاني بالتحسينات الاقتصادية، وتلوّح بوعود بأن المزيد منها آتٍ، فإن منافسي روحاني لم يحيدوا منذ البداية عن انتقاد الاتفاق النووي، ويؤكد المتشددون أن الاقتصاد الإيراني لم يستفد، وأن الموقف السياسي الإيراني على الأخص هو الآخر، لم يستفد.
المحافظون يقومون بأدوارهم بإتقان شديد؛ هناك المتفرغ للعبة السياسية الداخلية، وكأن كل شيء على ما يرام، وهناك معارضة وموالاة، وبأن دواليب الديمقراطية تسير من دون أي تعرج. لكن هذا الدور المموَّه لا يلغي الدور التوسعي الأساسي لإيران واستمرارها في فتح جبهات عسكرية داخل الدول العربية، إذ انتشرت، يوم الجمعة الماضي، صورة للجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو يتفقد القوات والميليشيات التابعة لإيران، في ضواحي مدينة حماه السورية.
روحاني راهن على إدارة أوباما، الذي رفع العقوبات الدولية عن إيران من دون العودة إلى الكونغرس. وإذا كان روحاني يظن أن الجمهوريين زمن أوباما، سيلوّحون بإلغاء الاتفاق إنما غير قادرين، لأنه متعدد الأطراف، فقد جاءه الآن الرئيس ترمب، وإذا بكل السياسات الأميركية التي كان يمكن التنبؤ بتوجهها زمن أوباما قد قفزت من النافذة.
وبالتالي تبقى المشكلة بالنسبة إلى إيران ذات شقين؛ فإن عدم التكهن بنيات ترمب يجعل الشركات الأوروبية أكثر تردداً وتهرباً من الاستثمار في إيران. هناك من يحاول الادعاء بأن ترمب يمثل كل ما يريده المتشددون في إيران، إلى درجة أن خامنئي قال أخيراً أمام قادة القوات الجوية الإيرانية: «إننا نشكر ترمب، لأنه سهَّل علينا الكشف عن الوجه الحقيقي للولايات المتحدة».
هذه الادعاءات لا تطعم اقتصاداً مزدهراً يحتاج إليه 80 مليون إيراني. ثم إن المتشددين ربما هم يفضلون أن تلجأ أعداد كبيرة من الإيرانيين إلى جحيم المخدرات، وهذا واقع، على أن يفتحوا كوة يأتي منها الهواء. وهذا الواقع نفسه يعاني منه «حزب الله» في لبنان، الذي يعتبر أنه ربح الحرب في سوريا، لكنه خسرها في معقله (برج البراجنة)، حيث تجارة المخدرات وتعاطيها أقوى من انتصارات الحزب في الخارج.
محمد خاتمي الرئيس الأسبق، الممنوع تناقُل أخباره، حاول إصلاح العلاقات مع خصومه المحافظين، وحثَّ الجميع على مواجهة التهديد الذي يمثله الرئيس ترمب، ودعا إلى المصالحة الوطنية والإفراج عن زعماء المعارضة. لكن المتشددين وخامنئي فضلوا إشغال الإيرانيين بأخطار ترمب لمصالحهم السياسية، ورفضوا دعوته.
أيضاً هناك مشكلة الفساد، وقد حاول روحاني في شهر يناير (كانون الثاني) أن يواجه السلطة القضائية، حيث انتقد بطء التحقيق في قضية فساد واختلاس بلغت قيمتها مليار دولار. حتى الآن، يقال إن التحقيق مستمر.
يُضاف إلى مشكلات روحاني، وفاة آية الله هاشمي رفسنجاني أحد الآباء المؤسسين للجمهورية الإسلامية الإيرانية. كان يدعو إلى تطبيع العلاقات مع الغرب، وبالتالي مع الولايات المتحدة . رفسنجاني تربى على يديه العديد من السياسيين المعتدلين والإصلاحيين، حسب المفهوم الإيراني، وأبرزهم روحاني.
إنها مشكلات تقف في طريق إعادة انتخاب روحاني، لكنها لا تعني أن فرصته معدومة، وبصرف النظر عن السنوات الأولى بعد الثورة، فإن كل الرؤساء الإيرانيين خدموا فترتين. ثم إنه رغم انتقادات المتشددين، فقد ظل خامنئي يدعمه، فالمرشد الأعلى يعتمد إلى حد كبير على التماسك والدعم الشعبي والاستمرارية، وبالأخص هو لا يريد تكرار تجربة عام 2009، فهناك الآن ساكن جديد عصبي المزاج، متوتر الطباع، في البيت الأبيض!
هدى الحسيني
صحيفة الشرق الأوسط