يسكن علي شريف (23 سنة) إحدى قرى إقليم كردستان وينتظر منذ شهور استدعاءه من قبل الحشد الشعبي للالتحاق بصفوفه بعد أن سجل اسمه لدخول تلك القوات التابعة للحكومة المركزية. دفعت حساسية مسألة الالتحاق بقوة عسكرية ذات أغلبية شيعية وتتبع المركز من داخل إقليم كردستان الشاب إلى الحديث تحت اسم مستعار تجنبا للمساءلة.
ويقول علي حول الموضوع “لقد التحق اثنان من أصدقائي بالحشد الشعبي قبلي وتم نقلهما إلى حدود قضاء خانقين وقد شجعاني على تسجيل اسمي وأبلغاني أن الحشد الشعبي قوة قانونية وتابعة للحكومة العراقية وفي حال قبولي فإنني سأداوم عشرة أيام وأبقى 15 يوما في البيت”.
وأضاف “ما قيل لنا هو أن 80 مواطنا من الإقليم التحقوا بالحشد الشعبي لإجراء التدريبات قبل بدء مهامهم” دون أن يعلم المنطقة التي سيتدربون فيها. وكان الهدف وراء تشكيل الحشد الشعبي في عام 2014 بفتوى من علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى هو محاربة “داعش”، وعلى الرغم من أن غالبية مقاتليه وقادته من الشيعة إلا أنه يضم أيضا المكونات الأخرى السنية والمسيحية والكردية.
ولم يكن لجوء الحشد الشعبي إلى جذب مواطني إقليم كردستان إلى صفوفه من دون دوافع داخلية للإقليم الذي يختلف مع بغداد حول الكثير من الأمور، فالوضع الاقتصادي الذي يمر به الإقليم بسبب قطع حصته من الميزانية من قبل بغداد وانخفاض أسعار النفط أدى إلى ازدياد نسبة البطالة. ويضيف علي شريف “إني متخرج من معهد الإدارة ولم تشملني التعيينات وأنا عاطل عن العمل لذلك سجلت اسمي للالتحاق بالحشد الشعبي وإن كنت لا أعلم مكان عملي أو طبيعة مهمتي بعد”.
ويشير موقع نقاش خلال متابعته لعملية التحاق مواطني إقليم كردستان بصفوف الحشد الشعبي إلى أن الذين يسجلون أسماءهم يبلغون بأنهم سيتقاضون مبلغ مليون و100 ألف دينار عراقي كراتب شهري وإن كانت لديهم عائلات فسيتقاضون مليونا و500 ألف دينار وفي حال مقتلهم سيعتبرون شهداء وتحصل عائلاتهم على 15 مليون دينار وقطعة أرض.
ونقل عن محمد البياتي، مسؤول القسم الشمالي للحشد الشعبي، أن “أعدادا قليلة” من مواطني الإقليم والشخصيات قد التحقوا بقواتهم ضمن حدود مناطق خانقين وكلار والسليمانية ورانية وأن بعضهم أبلغوهم بأن بإمكانهم تشكيل أفواج عسكرية.
وقال البياتي “لقد نصحنا بعضهم بأن يلتحقوا بقوات البيشمركة بدلا منا لأن تنقلهم من الإقليم والذهاب للقتال في مناطق وسط وجنوب العراق أمر صعب، ولكنهم لم يتراجعوا”. وأضاف أن “الأكراد الذين يلتحقون بالحشد الشعبي يتم نشرهم في الخط الحدودي للمناطق المتنازع عليها في كركوك وخانقين لأننا بحاجة إليهم هناك”.
وقد يزيد دخول الحشد الشعبي إلى كردستان عبر فتح باب التسجيل للالتحاق بصفوفه الحساسية بين الإقليم وتلك القوات الشيعية ولا سيما بعد أن شهد عام 2015 اشتباكات بين البيشمركة والحشد الشعبي في قضاء طوزخورماتو المتنازع عليه.
ومع أن القوى السياسية الكردية لم تبد حتى الآن موقفا رسميا حول الأمر ولكن عند ظهور مسؤولي معظم تلك الأحزاب في الإعلام وحين يتم الحديث عن الالتحاق بالحشد الشعبي فإنهم يصفون ذلك بـ”الخيانة” مباشرة، في حين تتعامل الأجهزة الرسمية مع الأمر كشائعة فقط.
وقال جبار ياور الأمين العام لوزارة البيشمركة إن “الأمر لا يتعلق بوزارة البيشمركة، وينص الدستور العراقي على أن قوات البيشمركة والأسايش والشرطة هي القوات الرسمية فقط وأي قوات أخرى في إقليم كردستان ليست قانونية وكل ما هنالك شائعات فقط، لم ولن يتم تشكيل مثل تلك القوة ولا يمكننا اعتقال أحد بسبب ذلك فالإجراءات يفرضها القانون”. وأكد ياور عدم تواجد أي قوات من الحشد الشعبي في المناطق الكردستانية التي تخضع لسيطرة البيشمركة عدا طوزخورماتو حيث جرى الأمر بموجب اتفاق هناك.
وتنص الفقرة الخامسة من المادة الـ121 من الدستور العراقي على أنه يحق للإقليم تنظيم قوات أمنية تابعة له من قوات الداخلية والآسايش وحرس الإقليم ولكن لم تمنع تلك المادة الحشد الشعبي كونه ينقل أماكن مهام مواطني الإقليم الذين يلتحقون بالحشد الشعبي إلى المناطق المتنازع عليها حيث تخضع حتى الآن لإدارة الحكومة المركزية وليس الإقليم.
ومع ظهور مسلحي داعش عام 2014 قل تواجد الأكراد في صفوف القوات الأمنية العراقية وبقي من الألوية الثلاثة التي شكلها الجيش العراقي باسم السليمانية وأربيل ودهوك لواء واحد وهو منتشر الآن في حدود المناطق المتنازع عليها في الموصل. كما قلت نسبة الأكراد فيه فيما تم حل اللواءين الآخرين بسبب نقلهما إلى مناطق أخرى من العراق.
ولن تكون مرحلة ما بعد داعش سهلة لتعامل القوات الأمنية التابعة للإقليم والمركز في المناطق المتنازع عليها باعتبار أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق حول المسؤولية الأمنية في تلك المناطق وعائديتها الإدارية.
ويرى كامران برواري أستاذ العلوم السياسية في جامعة دهوك أن سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية للإقليم هو السبب الرئيس وراء التحاق مواطني الإقليم بالحشد الشعبي ما سيؤدي إلى توتر أمني بين الإقليم والمركز مستقبلا بعد داعش.
وقال برواري إن “الاشتباك بين الحشد الشعبي والبيشمركة في المناطق المتنازع عليها بعد داعش احتمال وارد جدا وإن التحاق مواطني الإقليم بالحشد يزيد هذا الاحتمال أكثر ويعقد الوضع لأنه من الصعب أن يلتحق مواطن من الإقليم بقوة تعتبر حكومته ضدا”.
ولم يقف سعي بغداد إلى تشكيل قوات عسكرية من مواطني الإقليم عند الحشد الشعبي فقط بل هناك رؤساء عشائر قد اتصلوا بالحكومة في بغداد من أجل تشكيل أفواج عسكرية في كردستان وأحد هؤلاء هو سردار الهركي رئيس عشيرة الهركي الذي يقول إنه شكل بطلب من الحكومة المركزية قوة تتألف من 3 آلاف عنصر في قضاء سوران التابع للعاصمة أربيل ويتم صرف رواتبهم من قبل وزارة الدفاع العراقية.
وقال الهركي إنه “تم إنجاز الأمور المتعلقة ببغداد لتشكيل القوة ولكن الأمور تكتنفها مشكلات في الإقليم ولا تسمح وزارة البيشمركة بتشكيل تلك القوة وإنني انتظر حل المشكلة”.