سلط تقرير نشرته صحيفة “ميدل إيست آي” الضوء على معاناة الأقلية الأحوازية في إيران، مشيرًا إلى تجاهل الإعلام والمؤسسات الدولية لمعاناتهم وتغطية احتجاجاتهم الأخيرة.
وأكد التقرير على أن طهران تتبع سياسات تمييز ممنهجة وخطيرة ضد الأحوازيين، بحسب تصريحات أدلى بها لموقع الصحيفة منفيون من أبناء هذه الأقلية.
ونوه التقرير إلى أنّ العرب يشكلون أغلبية سكان الأحواز التي تعرف رسميًا بأنها إقليم خوزستان الذي يطلق عليها الأحوازيون اسم عربستان، حيث يستخدمون الأسماء التاريخية للمنطقة بهدف التأكيد على جذورهم العرقية، وهي منطقة غنية بالنفط.
وأشار إلى أن الإحصاء الإيراني الرسمي لا يصنف سكان البلاد بحسب انتماءاتهم العرقية أو القومية، إلا أن أعضاء في الجالية الأحوازية يقولون إن الأحوازيين يعدون ما يقرب من خمسة ملايين نسمة من مجموع سكان إيران البالغ 75 مليون نسمة.
وقال التقرير إن الأحوازيين يتميزون عن جالية عربية أخرى في إيران، تعرف باسم الحولة، وتعيش في الساحل الشرقي من البلاد، ويقدر تعدادها بحوالي 1.5 مليون نسمة. وفي حين أن غالبية الأحوازيين من الشيعة، فإنه يغلب على العرب الحولة أنهم من السنة.
وأضاف أن الكثير من العرب يعيشون أيضًا في أقليم خوراسان، وأن أعدادًا قليلة منهم توجد في العديد من الأقاليم الأخرى. وعلى الرغم من أن مختلف الجاليات العربية – وحتى بعض الأقليات الأخرى غير العربية – تشتكي من التمييز ضدها، إلا أن الأحوازيين يقولون بأن التمييز الذي يمارس ضدهم هو الأسوأ على الإطلاق.
اللغة والهوية
وبحسب التقرير فإن الأحوازيين يواجهون نوعين من التمييز: أما الأول فيتعلق بهويتهم ولغتهم، وأما الثاني فيتعلق بوضعهم الاقتصادي، بما في ذلك البطالة والرعاية الصحية والمشاكل البيئية.
من جهته قال الصحفي الأحوازي المقيم في لندن رمضان الصعيدي في لقاء مع موقع “ميدل إيست آي”: “تصور أن يكون لديك أطفال لغتهم الأولى في المنزل هي العربية، ثم إنهم حين يذهبون إلى المدرسة الابتدائية يتعلمون كل شيء باللغة الفارسية”.
وأضاف الصعيدي: “في البداية تواجههم مشاكل في تعلمهم داخل المدرسة، ولكنهم فيما بعد حينما يتقنون القراءة والكتابة بالفارسية فإن إتقانهم للغتهم الأولى يبدأ في التراجع، وذلك أنهم لا يتلقون درسًا واحدًا باللغة العربية إلى أن يصلوا إلى المستوى المتوسط (أي حين تكون أعمارهم قد وصلت إلى الثالثة عشرة)”، بحسب التقرير.
وأشار إلى أنّه “من المستوى المتوسط وما بعده، يتاح أمام العرب حضور درس واحد في الأسبوع من التعليم الرسمي الذي يطبق منهجًا يفرض عليهم وجهة نظر النظام ويضن عليهم (أي الطلبة العرب) بالتعرف على هويتهم”.
ووفقا للتقرير، فإنه يسعى كثير من الأحوازيين إلى إيجاد وسيلة للتغلب على ذلك من خلال استئجار خدمات المعلمين الخصوصيين لتعليم أطفالهم الثقافة العربية إضافة إلى لغتهم. ولكن، إذا ما اكتشف أمر العائلات التي تفعل ذلك فإنها تهدد بإنزال أشد العقوبات بحقها.
تهم ملفقة وغامضة
الكاتب الأحوازي يوسف الكاتب صرح لموقع “ميدل إيست آي” بأنه “من الناحية القانونية لا يوجد ما يحظر بموجبه تعليم اللغة العربية خارج ساعات الدراسة النظامية أو اقتناء كتب الأدب العربي التي لا يقرها النظام. ولكن في الواقع، والذين يدّعى عليهم توجّه إليهم في العادة تهم ملفقة وغامضة قد تصل العقوبة عليها إلى الإعدام”.
وقال عزيزي الذي الذي صدر بحقه هو نفسه حكم بالسجن لخمسة أعوام على تهم مختلفة منها “الدعاية ضد النظام”: “يمكن أن تتهم بأن لك علاقات بمسؤولين أجانب إذا ما وجدت بحوزتك كتب عربية جيء بها من خارج إيران، وقد يصدر عليك حكم بالسجن المؤبد أو حتى بالإعدام على تهم تتراوح بين الإفساد في الأرض وإعلان الحرب على الله، والتي بإمكان المدعين والقضاة توجيهها إليك دون الحاجة إلى كثير من الشرح أو التفسير”.
وأضاف التقرير أن الدستور الإيراني ينص على أنه “يسمح باستخدام اللغات الإقليمية والقبلية في الصحافة ووسائل الإعلام الجماهيرية، وكذلك لأغراض تعليم آداب هذه اللغات في المدارس”. إلا أن عزيزي والصعيدي كلاهما يلاحظان أن الممارسة في الواقع هي على النقيض من ذلك، وفقا لما نقلته عنهما “ميدل إيست آي”.
وقال عزيزي إنه يمكن لنشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الثقافات واللغات، وكذلك الشعراء النافذين، أن يجدوا أنفسهم يواجهون العقوبات نفسها التي ينزلها النظام بحق المتمردين الذين يلجأون إلى حمل السلاح في وجه الحكومة المركزية.
وأضاف أن “الإجراءات التي يقوم بها النظام تدفع المزيد من الناس باتجاه المطالبة بالاستقلال التام عن طهران، هذا بالرغم من أن معظم ما يتطلع إليه الناس في الوقت الحاضر هو المزيد من الاستقلال الذاتي”.
ثراء في النفط والغاز وموارد المياه
وقال التقرير إن الأحوازيين كانوا يتمتعون بالحكم الذاتي حتى عام 1925، حينما أطاح شاه إيران رضا بهلوي بالحاكم العربي الشيخ خزعل الحاج جابر، واستولى بشكل تام وكامل على الإقليم الذي يقال اليوم إنه مصدر ما يزيد على ثمانين بالمائة من نفط البلاد وغازها، ناهيك عن ثرائه بالموارد المائية.
وفي السياق ذاته، قال الحقوقي عامر الساعدي لموقع “ميدل إيست آي”: “لقد أدى التجفيف المتعمد للأهوار في المنطقة وتغيير مجرى مياه النهر نحو المناطق الأخرى (الفارسية) إلى معاناة الأحوازيين على مستويات عديدة، ولا أقل في ذلك من تضرر صيد السمك وحرمان الناس من القدرة على الحصول على مياه الشرب”.
وأضاف الساعدي: “لا تملك هذه المنطقة داخل إيران رغم وفرة مياهها ما يكفي من المياه لري مزارعها، وذلك بسبب تحويل السدود التي أقامها النظام لمسار النهر، بعيدًا عن متناول الأهالي. وما العاصفة الرملية التي هبت مؤخراً على المنطقة إلا نتيجة مباشرة للسياسات المائية التمييزية التي ينتهجها النظام، ما ألحق الضرر بالبيئة في الإقليم وأدى إلى تدهور الأحوال الصحية للناس، بما في ذلك زيادة معدلات الإصابة بالسرطان”.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد صنفت مدينة الأحواز في المرتبة الثانية من حيث التلوث على مستوى العالم في عام 2014، بعد أن كانت تتربع على رأس هذه القائمة المشؤومة في عام 2013، وهذا بالرغم من أن العديد من المدن الإيرانية تعاني من مشاكل خطيرة في التلوث. ومع ذلك، فقد كان رد وسائل الإعلام الإيرانية ينزع نحو تجاهل المشاكل البيئية التي تعاني منها البلاد، وفقا لـ”ميدل إيست آي”.
وشدد التقرير على أنّ كثيرًا من الأحوازيين يشتكون من أن السكان الأصليين في الإقليم لا يرون كثيرًا من الفوائد التي بإمكان إقليمهم أن يسبغها عليهم، بالرغم من أنه الأكثر ثراء في كافة أرجاء القطر الإيراني من حيث ما يتوفر له من نفط وغاز وموارد مياه.
التلوث والبطالة
واستدرك التقرير بالقول إنه “بينما تنعم الأقاليم الأخرى بنصيب أكبر من موارد الأحواز، فإن السكان العرب المحليون يعانون أكثر من غيرهم بسبب التلوث، ولا تتوفر لديهم الأموال الكافية لدفع فواتير العلاج الطبي والرعاية الصحية.
وقال عزيزي: “لا تزيد نسبة الوظائف الحكومية التي يشغلها العرب داخل الإقليم على 5 بالمائة مما هو متوفر، ولم تحظ هذه المنطقة ذات الأغلبية العربية بحاكم عربي منذ عام 1925. بل إننا اكتشفنا أنه في إحدى شركات التنقيب عن النفط التي يعمل فيها أربعة آلاف شخص، لا يوجد من بين العاملين فيها سوى سبعة أشخاص من العرب”.
وأضاف: “تجد أن الوظائف المطلوبة داخل الإقليم يتم الإعلان عنها خارجه، حيث إن العرب حتى لا يدرون بوجود الوظائف الشاغرة بين ظهرانيهم، وحتى إن من يسمع بها ويتقدم إليها يندر أن يحصل عليها”.
ووفقا للتقرير، فقد وصلت المواجهة بين الحكومة والأحوازيين أوجها في عام 2005، حيث قام مسلحون بتفجير عدد من القنابل وقام الجيش بالرد عليهم بهجمات انتقامية مميتة. ثم أدين شخصان بالتفجيرات وأعدما في عام 2006. واليوم تستمر الاحتجاجات السلمية ضد التمييز والتهميش وضد سجن النشطاء الذين لم يمارسوا العنف.
وقال التقرير إن الأحوازيين المنفيين يتحدثون دائما عن حملة مستمرة منذ زمن طويل لتغيير التركيبة السكانية للناس في المنطقة، حيث تعطى محفزات كبيرة للناس من خارج الإقليم ليأتوا للعمل والسكنى في داخله رغم أن معدل البطالة فيه يقدر بسبعة وثلاثين في المائة.
الخطاب المعادي للعرب
ونقل عن الأحوازيين شكواهم من عنصرية صارخة في كل أرجاء البلاد، رغم مزاعم كثيرين داخل الطبقة الحاكمة من رجال الدين بأنهم من سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو نبي عربي.
وأضاف عزيزي: “قد تواجه أقليات أخرى مثل الكرد والتركمان والأذريين والبلوش واللور اضطهادًا على مستوى القطر، إلا أن الأحوازيين في إيران يقع على كاهلهم عبء آخر، ألا وهو الخطاب المعادي للعرب في وسائل الإعلام وفي الآداب المنشورة”.
وقال: “لا يعرف العرب خارج إيران عن ذلك، لأن مثل هذا النوع من العنصرية لا تظهر سماته في ما يصدر عن النظام من منشورات أو بث مسموع أو مرئي باللغة العربية التي تستهدف القراء أو المشاهدين العرب خارج إيران. أما نحن (الإيرانيين العرب) فنشعر بذلك طوال الوقت”، بحسب ما نقلت “ميديل إيست آي”.
ونوه عزيزي إلى أنّ “النظام يحتاج إلى اللغة العربية لأغراض الدعاية السياسية ويحتاجها أيضًا لأن كمّا كبيرًا من التراث الديني هو باللغة العربية الفصحى. ولكنهم لا يريدون للأحوازيين التواصل فيما بينهم من خلال لغتهم الأم. بل إنهم قد قاموا أيضًا باستبدال كثير من أسماء أحياء ونواحي وشوارع المنطقة بأسماء فارسية”.
التحول إلى المذهب السني
وناقش التقرير قصة “اضطهاد الهوية العربية” في المنطقة، ما دفع أعدادًا متزايدة من الشباب إلى التحول إلى المذهب السني، والذي يراه كثير منهم أكثر انسجامًا مع أصولهم العربية وأقرب إليها. بل إن إيران نفسها كانت سنية بشكل رئيسي إلى أن شن الشاه إسماعيل الصفوي حملة للتشييع بالقوة في القرن السادس عشر.
ونوه التقرير إلى أن هؤلاء الأحوازيين الذين يتحولون إلى المذهب السني قد يعطون السلطات سببًا آخر لإلقاء القبض عليهم وإيداعهم السجن، رغم أنه لا يوجد قانون رسمي يحظر على المرء تغيير طائفته أو دينه.
وبحسب “ميدل إيست آي”، فإن الصعيدي وعزيزي وساعدي يصرون على أن أي هوية أو عقيدة توجد خارج إطار ما ترتضيه الطبقة الحاكمة لإيران، ستتعرض للكبت الشديد وستوجه لأصحابها تهم مطاطة تحاك حسب الطلب لتناسب كل حالة من الحالات التي تعتبر تمردًا وخروجًا على النظام. ومما يزيد الأمور سوءًا أن الأحوازيين لا يملكون الكثير من الأصدقاء في المستويات العليا للحكم.
وختم ساعدي بالقول: “إذا لم تعتنق أيديولوجية النظام فإنه لن يسمح لك حتى بالمشاركة في الانتخابات، ناهيك عن أن يسمح لك بالنجاح فيها، وهذا ما يفسر تدني التمثيل العربي في الحكومة. على كل حال، فإن نتائج الانتخابات تكون قد أعدت مسبقًا”.
عربي 21