تعتبر زيارة الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الى المملكة المتحدة خلال الايام الماضية، بمثابة حراك سياسي رافق تولي الملك سلمان الحكم منذ اكثر من شهر، حيث استقبلت المملكة الكثير من القادة والزعماء من دول العالم المختلفة. وبالإضافة الى كونها زيارة لبحث مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة في المجالات السياسية والأمنية وسبل تعزيزها، وترسيخ أواصر الصداقة والتعاون المشترك بينهما. فانها افردت جانبا واسعا لبحث المستجدات الإقليمية والعالمية، وتحديدا ما يتعلق بخطر الارهاب الذي يعصف في المنطقة وتداعياته مع وزيري الخارجية والدفاع البريطانيين فيليب هاموند ومايكل فالون، ومسؤولين أمنيين بريطانيين.
والتأكيد على موقف المملكة العربية السعودية في نبذ الإرهاب ومحاربته، وأهمية التعاون الدولي في درء خطر هذه الظاهرة، كما عبرت عنها المملكة في مؤتمر لمكافحة الارهاب عقد مؤخراً في مكة المكرمة، لجهة يلاء الاهتمام بالفكر والسلوك لدحره ومحاصرة الإرهابيين.
وبحسب مراقبين سعوديين فان الزيارة حققت غاياتها في التعريف بطاقم السياسة السعودي الجديد، لصناع القرار الدولي، وتثبيت مواقف المملكة في التعاون الدولي لتحقيق السلم والأمن العالمي، والتأكيد على ثوابتها السياسية ومصالحها القومية، مع مجيء فريق جديد له ادواته وآلياتة في صنع السياسة وتنفيذها.
وعلى ما يبدو فان السعوديين نجحوا في التعبير عن وجهة نظرهم حيال القضايا المهمة في المنطقة، وطرح مقارباتهم السياسية والعملية، بصدد بلدان تتعرض لصدع الارهاب او تشهد انقلابا سياسيا، او تلك التي تربط شرعيتها وجودها بفرد او مستبد واحد. وثمة توصيات عديدة وناجعة في مكافحة تنظيم “داعش”، ومنها مواصلة الضربات الجوية التي تستهدف مراكزه المالية والواقعية، والعمل على عزل التنظيم عن النظام المالي الدولي، بما في ذلك فرض حظر على تعامل المصارف الواقعة في مناطق تحت سيطرة “داعش”، بالإضافة إلى توسيع الجهود لمحاربته في مناطق تتخطى حدود العراق وسوريا.
ويمتلك الامير محمد بن نايف خبرة عملية ولوجستية في مكافحة الارهاب، من خلال اشرافه على برنامج المناصحة لإخضاع أصحاب الفكر المتشدد لدورات تعليمية واجتماعية وقانونية، بهدف تخليصهم من هذه الافكار والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع.
وفيما يتصاعد القلق من تداعيات الاوضاع في العراق وسوريا واليمن، فان حيزا من المباحثات ركز على هذه الملفات الساخنة، إذ شرح السعوديون وجهة نظرهم حول الوضع الإقليمي، وتداعيات التطرف على الشرق الأوسط،
وكانت صحيفة العرب قد نقلت عن مصادر بريطانية قولها إن لقاء كاميرون والأمير محمد بن نايف تضمن بحثًا في التقرير البريطاني عن الإخوان المسلمين، والتحقيق الذي تجريه السلطات البريطانية حول نشاط الجماعة، وإن الرياض طالبت لندن بإطلاعها على نص التقرير الذي أنجزه السفير البريطاني السابق لدى السعودية السير جون جنكينز، بينما قالت صحيفة تايمز الأميركية إن ملخصًا عن التقرير، يتألف من صفحتين، عرض في الاجتماع. فالتقرير بحسب الكاتب بيتر أوبورن كبير المعلقين في صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية لم يعثر على أي دليل يمكن أن يشكل أرضية لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية.
ومن بين المواضيع المهمة الاخرى التي ناقشها جدول الاعمال السعودي البريطاني، حل الأزمة السورية والبرنامج النووي الإيراني وإعادة الاستقرار في اليمن وليبيا، فمجريات الاحداث على مستوى الشرق الاوسط تتسم باقصى درجات الخطورة، والمشهد يبدو اكثر وضوحا ونحن نتذكر الاتي:
– سيطرة الحوثيين على اليمن: والتي تشكل خطرا جسيما على المملكة العربية السعودية من جهة الجنوب، وقد تضاعف هذا الخطر بسبب تصريحات أطلقها مؤخراً علي شيرازي قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، حيث صرح شيرازي لوكالة “ديفابرس” الاخبارية الايرانية: إن “حركة انصار الله الحوثية في اليمن هي شبيهه بحزب الله في لبنان ولمجاميع باسيج الايرانية التطوعية”، كما ادعى علي شيرازي ايضا أن “إيران تقدم دعما مباشرا للحوثيين في اليمن”، ويعتبر هذا اول تأكيد للدعم الإيراني للحوثيين، والذين ينفون عادة هذه الادعاءات.
– التمدد الجغرافي والاستراتيجي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”: في كل من العراق والشام، وانتشارها في أكثر من بلد عربي، مما يؤثر على الاستقرار في المملكة، ويرسل لها إشارات تحذيرية حول مستقبل غير آمن، ولا يخفى على أحد أن التنظيم ينظر إلى السعودية على أنها الهدف الاستراتيجي الأهم، ويضعها على رأس أولوياته التوسعية.
– تعاظم الدور الإيراني الإقليمي بصورة غير مسبوقة: فطهران تسيطر فعليًّا على أربع عواصم عربية ــ بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء، ناهيك عن القلاقل والاضطرابات التي تسببها الأقليات الشيعية في باقي دول المنطقة، مدفوعة بافكار خلاصية، حول الحكومة الاسلامية بنسختها الشيعية.
– ويعد التقارب الأمريكي الإيراني الذي بلغ مستويات غير مسبوقة ابان حكم الرئيس اوباما. هاجساً بالنسبة للملكة، يتضاعف مع احتمال التوصل الى اتفاق نووي سيمكِّن إيران من الخروج من عزلتها والتقاط أنفاسها.
– تلكؤ الولايات المتحدة الامريكية في التصدي لنظام بشار، مقارنة بما حدث لنظام صدام او مع داعش اليوم.
هذا وتشهد العلاقات البريطانية السعودية تطورا في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية والأمنية. حيث تعد المملكة العربية السعودية اكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط لبريطانيا وتتبوأ الاخيرة المركز الخامس من بين الدول المصدرة للمملكة، وبلغت الواردات السعودية من بريطانيا (18) مليار ريال فيما بلغت الصادرات السعودية إلى بريطانيا (13) مليار ريال ووصل مجموع المشروعات البريطانية السعودية المشتركة إلى 200 مشروع تصل قيمة الاستثمار فيها إلى نحو 18 مليار دولار أمريكي.
زيارة لندن، وهي أولى محطات الرجل الثالث في السعودية، وليا لولي العهد ورئيسا للمجلس السياسي والأمني، علاوة على أنه وزير للداخلية، لإدامة التواصل مع الدول المؤثرة على الساحة الدولية، وتقريب وجهات النظر حيال القضايا الخلافية.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية