يمكن القول ان وفد الأحزاب الكردية الذي زار العاصمة العراقية، قد حقق الكثير من أهداف زيارته، وفي مقدمتها اجبار الحكومة العراقية على الموافقة على إجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير ليس لكركوك فقط، بل لكل المناطق المتنازع عليها، اضافة إلى إقليم كردستان بأكمله.
ورغم تصريحات الوفد الكردي والمسؤولين الذين قابلهم في الحكومة والأحزاب السياسية الفاعلة، بالاتفاق على التهدئة واللجوء إلى الحوار لحل مشكلة الاستفتاء ورفع علم كردستان في كركوك وتطبيق المادة 140 وفق الدستور، فالواضح ان الأحزاب الكردية تسير قدما لترتيب أوضاع الإقليم والمناطق المتنازع عليها، من خلال الاستفتاء وترتيبات أخرى عملت عليها منذ سنوات.
والمتابع لاسلوب النظام السياسي في العراق وطبيعة العلاقة بين الأحزاب والكتل السياسية منذ 2003 يعرف ان أي أزمة أو مشكلة لم يتم حلها وخاصة ما يتعلق بالعلاقة بين حكومتي المركز والإقليم، كما ان كل إجراء تتخذه حكومة العبادي في الوقت الحاضر، سيواجه بتحرك منظم من قوى «خفية» تتمثل بمافيات الفساد وقوى سياسية معروفة تعمل على عرقلة أي قرارات أو إجراءات لحكومة العبادي من شأنها تحقيق الاستقرار وحل الأزمات في العراق.
وبخصوص الاستفتاء، فان حكومة بغداد والقوى السياسية، تعلم ان نتيجة الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها لتقرير الارتباط بحكومة بغداد أو حكومة الإقليم، يبدو محسوما لعدة أسباب منها ان الأحزاب الكردية تسيطر أمنيا وإداريا في الوقت الحاضر، على تلك المناطق عقب انسحاب القوات العراقية منها بعد ظهور تنظيم «الدولة» عام 2014 ولان حكومة الإقليم رتبت، ومنذ 2003 أوضاع تلك المناطق من خلال تعزيز المكون الكردي فيها مقابل تناقص وضعف الوجود العربي بعد النزوح الواسع منها جراء المعارك والتهجير الطائفي والانقسام بين قادته وغيرها من الأسباب، كما ان القيادة الكردية تعتبر ان الظروف الحالية هي فرصة تاريخية لا يجوز التفريط بها لقيام «الدولة الكردية» وسط انشغال الحكومة الاتحادية بالحرب التي تخوضها ضد تنظيم «الدولة» والانقسامات بين القوى السياسية في بغداد.
ومع حرص الوفد الكردي الزائر لبغداد على تكرار ان الاستفتاء على المناطق المتنازع عليها لا يعني الانفصال فورا، إلا ان تصريحات القادة الكرد ومنهم هوشيار زيباري، أكدت ان الاستفتاء هو محطة هامة في مسار قطار استقلال كردستان، وقد لوحظ التفاف الشارع الكردي وكل الأحزاب الكردية رغم كل خلافاتها، حول مشروع الاستفتاء وحق تقرير المصير.
ويبدو ان أزمة رفع علم كردستان في كركوك بقرار احادي والدعوة للاستفتاء فيها، يعتبر من المناسبات النادرة التي اتفقت كل الكتل السياسية العربية والتركمانية في الحكومة والبرلمان على موقف موحد ازاءها.
فقد قال العبادي خلال مؤتمره الصحافي الاسبوعي، ان الحكومة العراقية تدعو حكومة كركوك المحلية إلى وجوب احترام المواد الدستورية وعدم اتخاذ قرارات فردية، داعيا محافظ كركوك ومجلس المحافظة إلى أن يكونوا سباقين في الحفاظ على وحدة المحافظة.
وأعلن القيادي في التحالف الوطني الشيعي علي العلاق عقب اجتماعهم مع الوفد الكردي الزائر لبغداد، ان قرار رفع العلم كان مستعجلا وفي وقت غير مناسب.
وطالب عضو البرلمان عن التحالف الوطني صادق اللبان، بإقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم بعد رفضه قرار البرلمان إنزال علم كردستان في كركوك وإصراره على قراره.
وأضاف اللبان أن «هذا القرار قد يؤدي إلى خلافات حقيقية تضرب النسيج الوطني والتعايش السلمي بين مكونات كركوك، ويؤثر بشكل سلبي عل العملية السياسية في وقت ان العراق احوج إلى الالتزام بالهدوء وحفظ الامن العام، والتماسك، وليس خلق مشاكل واثارة الفتن داخل المجتمع».
ومن جانبه، أكد القيادي في حزب الدعوة النائب عباس البياتي ان كركوك خط أحمر داخليا وخارجيا، وليس بإمكان طرف واحد ان يقرر مصيرها بشكل منفرد عن بقية مكونات المحافظة. بينما أعلنت النائبة عن كتلة بدر النيابية سهام الموسوي، أن محافظة كركوك لم تكن يوما ضمن إقليم كردستان وإنما محافظة عراقية، وفيما أشارت إلى أن الكرد عملوا على تغيير ديموغرافية المحافظة بعد عام 2003، حذرت أن «ما يؤخذ بالغدر سيعاد بالقوة» حسب تعبيرها.
وأوضحت الموسوي، أن «الكرد، وخاصة الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، استغلوا الخلافات والمشاكل التي يمر بها البلد ســيــاسيا وأمنــيا وضعف الدولة وانشــــغـــال البلد بمحاربة داعش للتـمـدد على منـاطـق ليست من حقهم في الموصل وديالى في توسـعة لإقــامة الــدولة الـكـردية».
وتميز الموقف التركماني بانه الأكثر معارضة لرفع علم كردستان في كركوك، والذي وصفه رئيس الجبهة التركمانية ارشد الصالحي بانه «بداية تقسيم العراق» كما قـام نواب الكـتــلة التركمانية بجــمع تواقــيــع 200 نائب لاقالة محافظ كــركــوك وحل مجلس المحافظة.
وفي ردود الافعال الإقليمية، اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية، رفع أي علم غير العراقي في محافظة كركوك عملاً يتعارض مع الدستور ومثيراً للتوتر، مؤكدةً دعم طهران لوحدة الأراضي والسيادة الوطنية العراقية. كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن رفضه لرفع أي علم غير العلم العراقي في محافظة كركوك، واصفا رفع علم كردستان في كركوك بـ«الاحتلال»، اضافة إلى رفض الأمم المتحدة تفرد جهة واحــدة في تقرير مصير كردستان.
وفي كل الأحوال يبدو ان أزمة رفع علم كردستان والاستفتاء على تقرير مصيرها، هو نقطة فاصلة في العلاقة بين بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وفي مستقبل العراق، وهي خطوة محسوبة من القيادة الكردية وفرصة لا تريد ان تضيعها، نحو تحقيق حلم الدولة الكردية الموعودة.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي