في سياق سعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إثبات جديتها في مواجهة النفوذ الإيراني بمحيطها الإقليمي، ومنعها من استهداف الأمن الوطني للدول الحليفة لها في الخليج العربي، وصل وزير الدفاع الأمريكي، الرياض، في 18 نيسان/إبريل الحال مستهل جولة تتضمن زيارة كلا من المملكة العربية السعودية ومصر وقطر وإسرائيل وجيبوتي. تأتي هذه الزيارة بعد الفتور الذي تعرضت له علاقة الدولتين في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي كان مصراً على عقد اتفاق ينهي أزمة طموحات إيران النووية بشكل سلمي وبأي ثمن. ترى دول الخليج العربي أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاهلها خلال عقد الاتفاق، كما تجاهل تدخلات إيران في المنطقة ومساعيها لزعزعة استقرار دول عربية والهيمنة عليها. وتعول دول الخليج على دعم أميركي أكبر في مواجهة طموحات طهران التوسعية في المنطقة. لذا يعمل الطرفان على إعادة ترميم العلاقة التي طغى عليها شعور الرياض بالتهميش، بعيد توقيع الاتفاق النووي مع طهران. وتجد الرياض في إدارة ترامب آذاناً صاغية تتفاعل مع قلقها من «التدخلات الإيرانية» في دول المنطقة، خصوصاً في ظل تكثيف مسؤولي هذه الإدارة اتهاماتهم لطهران بزعزعة استقرار المنطقة وتلويحهم باتخاذ إجراءات بحقها.
وبعد اجتماع وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” بالملك السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، أكد ماتيس أن الولايات المتحدة “تدرس زيادة دعمها المقدم للتحالف الذي يقاتل في اليمن بقيادة السعودية”. وفي سبيل إعادة “إحياء” الحلف الأميركي السعودي وتعزيز علاقات الصداقة الإستراتيجية بين الدولتين، فسر وزير الدفاع الأمريكي استهلال جولته بزيارة السعودية بقوله، “إن المملكة تمثل ركنًا من أركان أمان الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة”. وفي إطار مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية النفوذ الإيراني في المشرق العربي، صرّح وزير الدفاع الأمريكي بعد لقائه بالمسؤولين السعوديين :” إن “إيران سبب مشاكل المنطقة”، مؤكدا “على أهمية التصدي لمساعيها في زعزعة استقرار اليمن والضغط من أجل مفاوضات أممية”. وأضاف: أن “إيران تلعب دورًا يزعزع الاستقرار في المنطقة لكن يتعين التصدي لنفوذها من أجل التوصل إلى حل للصراع اليمني من خلال مفاوضات برعاية الأمم المتحدة”. وقال أيضًا “في كل مكان تنظر إن كانت هناك مشكلة في المنطقة فتجد إيران”. وأضاف: “علينا التغلب على مساعي إيران لزعزعة استقرار بلد آخر، وتشكيل ميليشيا أخرى تشابه حزب الله اللبناني لكن النتيجة النهائية هي أننا على الطريق الصحيح لمواجهة ذلك”.
يحمل جيمس ماتيس إلى الشرق الأوسط أولويات الإدارة الجديدة، إذ يُعرف بآرائه المتشددة ضد إيران في ما يتجاوز طموحاتها النووية، إذ يرى أن طهران “دولة راعية للإرهاب” وتهدد استقرار المنطقة من خلال “دعمها مليشيات إرهابية”، علاوة على “تهديدها الملاحة في الخليج” و”تطويرها صواريخ باليستية”. وهذه التأكيدات كانت قبل توليه إدارة وزارة الدفاع (البنتاغون)، وسبباً في خلافاته مع إدارة أوباما، ما دفعه للتقاعد آنذاك.
وعلى وقع تلك التصريحات يرى مراقبون إن السياسة الأميركية الجديدة نحو منطقة الشرق الأوسط تتكشف يوما بعد آخر، ورغم تعقيد المشهد على حد رأيه فإنه رأى أن هناك رغبة في تفكيك ما تسمى عقيدة أوباما، التي تقوم على التعدد المتداخل الأطراف والقيادة من الخلف وتقليل الكلفة وعدم التدخل في الصراعات الإقليمية والداخلية. وأن زيارة جيمس ماتيس تدلل على عودة واشنطن إلى المنطقة، ومدى استماع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوزير دفاعه.
وأضافوا أن وجود ماتيس في المملكة العربية السعودية وتصريحاته مهمة جدا، لأن الرجل كان -حتى قبل توليه منصبه- ضد الاستدارة الأميركية نحو الشرق التي يتبناها أوباما، ويؤمن بأهمية التحالفات التقليدية وأنه لا بديل عن الخليج والمملكة كحليف إستراتيجي وتاريخي للولايات المتحدة في المنطقة. وشدد على أن أميركا عازمة على تفكيك المحور الإيراني الروسي الصيني، الذي تشكل في الأعوام القليلة الماضية وسبب الكثير من المشاكل للولايات المتحدة وحلفائها في أكثر من مكان.وأشاروا إلى أن الخطة الأميركية ستشمل تقديم بعض الأسلحة المتطورة للتحالف العربي، وفي الوقت ذاته ستدعم الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية.
ويرون الخبراء أن وضع حد لتدخلات إيران في المنطقة سيكون في أولويات زيارة وزير الدفاع الأميركي للمنطقة، لافتين إلى أنها تعيش إحدى أكثر فترات العزلة السياسية منذ ثورة 1979. وأن هنالك إصرارا إقليميا ودوليا لإيقاف المهزلة الإيرانية عند حدها. وقالوا إن انطلاق زيارة جيمس ماتيس من المملكة العربية السعودية كأول وجهة رسمية ثم الانتقال نحو باقي دول المنطقة له دلالة كبيرة على أن واشنطن تؤمن بشكل كامل بأهمية اعتماد نظرة الرياض في حل كافة النزاعات في المنطقة”.وأضافوا أن إنها أي المملكة أثبتت على مر التاريخ أنها الحليف الموثوق والمجرب للولايات المتحدة. وأن الأهداف الأمنية السعودية تتطابق مع الأهداف الأمنية الأميركية والعكس صحيح”.
ويتوقع المراقبون أن تضغط واشنطن على طهران من بوابة اليمن بالدرجة الأولى قبل حسم أمر تدخلها في العراق وسوريا، وأن توفر دعما قويا لحلفائها الخليجيين ما يجبر وكلاء إيران في اليمن على القبول بحل سياسي على قاعدة القرارات الأممية. فبحسب لبمسؤولون أميركيون فإن واشنطن تبحث تعميق دورها في اليمن بتقديم مساعدة مباشرة على نحو أكبر لحلفائها في الخليج الذين يقاتلون الحوثيين المدعومين من إيران وذلك في تحرير محتمل للسياسة الأميركية المتمثلة حاليا في تقديم دعم محدود ففي هذا سياق يرى “جون ألترمان” مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي في واشنطن “إيران تمثل بشكل استراتيجي الشاغل بالنسبة للسعودية… الشاغل بالنسبة للسعودية على المدى القريب هو كيفية توجيه رسالة للإيرانيين في اليمن وهي ترغب في الحصول على دعم أميركي كامل”.
هذه الزيارة لوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى المملكة العربية السعودية وما تلاها من تصريحات تؤكد عمق العلاقات الأمريكية السعودية، كانت قد أجْلَت معالم التوجّه المشترك لكلّيهما في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب، نحو إعادة تنشيطط تحالفهما الاستراتيجي الذي يوصف بالتاريخي، وبثّ الحرارة في علاقاتهما بعد ما شابها شيء من الفتور والخلافات في عهدد الرئيس السابق باراك أوباما. ويبرز التعاون الدفاعي بين السعودية والولايات المتّحدة كأهم عناوين توثيق العلاقات بين البلدين، في تناسب مع متطلّبات المرحلة وما تتميّز به إقليميا من عدم استقرار ومن مخاطر وتهديدات مصدرها تنظيمات إرهابية وبعض الدول على رأسها إيران، التي يبدو التصدّي لسياساتها وأنشطتها في المنطقة محور نقاش بين واشنطن وعدد من عواصم الخليج من ضمنها الرياض.
وكانت تسريبات أميركية تشير إلى نية الولايات المتحدة تقديم دعم أكبر للسعودية في اليمن. الأمر الذي أشار إليه ماتيس في زيارته السابقة للسعودية قبل أسابيع. وبحسب وكالة رويترز، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد يزور السعودية في أيار /مايو المقبل، في خطوة ينتظر منها تجاوز “مرحلة أوباما” بصورة نهائية، وعودة التحالف السعودي الأميركي إلى سابق عهده، مع بلورة الإدارة الأميركية لرؤية سياسية تميل للاستراتيجية التقليدية في التعاطي مع المنطقة، من خلال تعميق التحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة. وعلى عكس الإدارة الأميركية السابقة بقيادة باراك أوباما، أصبحت إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب أكثر توافقا مع الرؤية السعودية والخليجية عموما، في تقييم مخاطر السياسات الإيرانية على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وتبدو الساحة اليمنية أنسب ميدان لاختبار جدّية الولايات المتحدة في الانخراط بشكل عملي إلى جانب حلفائها الخليجيين بمواجهات التدخلات الإيرانية في المنطقة.
وتقول مصادر أميركية إنّ الجانب الاستخباراتي يمكن أن يمثّل مجالا مناسبا لمساعدة التحالف العربي، كما أنّ إدارة ترامب أقدر على تجاوز اعتراضات بعض المشرّعين على تزويد التحالف بأسلحة وذخائر أكثر دقّة هو في أمسّ الحاجة إليها خصوصا وقد بلغت معركته ضدّ المتمرّدين الحوثيين منعطف الحسم في الساحل الغربي لليمن، حيث يتراجع المتمرّدون الحوثيون الموالون لطهران أمام ضربات التحالف العربي بقيادة السعودية. وحيث خسر هؤلاء مناطق شديدة الحيوية على الساحل الغربي اليمني الشريان الرئيسي لإمدادهم بالسلاح الإيراني المهرّب.
وتجد دول الخليج العربي في مواقف الإدارة الأميركية الجديدة الصارمة تجاه إيران، سندا قويا في مواجهة السياسات الإيرانية بالمنطقة. ويمثّل الوفاق الأميركي الخليجي مبعث قلق كبير لطهران التي تخشى العزلة. وتجلّى ذلك الوفاق في وتيرة التواصل الكثيف بين أركان إدارة ترامب وقادة بلدان الخليج وكبار مسؤوليها. وقياسا بقصر الفترة التي قضاها ترامب في الحكم إلى حدّ الآن، فإن وتيرة تواصل إدارته مع بلدان الخليج تبدو كثيفة جدّا ما يوحي بأن هذه الإدارة مرّت إلى السرعة القصوى لتدارك أخطاء الإدارة السابقة بقيادة باراك أوباما، والتي كادت تكلّف الولايات المتحدة خسارة تحالف استراتيجي مع بلدان الخليج، فيما أطلقت يد إيران لتعيث في محيطها. ويؤكّد خبراء الشؤون الأميركية هذا المنحى مشدّدين على أنَّ الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترمب بصدد العودة بقوّة إلى حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيحد من دور إيران في المنطقة، بعد أن كانت خلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما قد أوجدت لنفسها مساحة كبيرة في بعض البلدان كاليمن وسوريا إلا أنها لن تكون كذلك في ظل الإدارة الجديدة.
ومن المرجح أن تعمل واشنطن على مواجهة إيران من خلال سياستين. تعمد الأولى إلى فرض المزيد من العقوبات الأميركية على إيران، ومحاولة عزلها أكثر على الصعيد الدولي، من دون الإخلال بالاتفاق النووي، والذي جاء مقابل “رفع العقوبات الدولية” التي يقرها مجلس الأمن الدولي، لا العقوبات الفردية للدول. ويأتي هذا التوجه في سياق عدم رفع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، للعقوبات الأميركية عن طهران، وإضافة الكونغرس أخيراً عقوبات جديدة مشددة. أما السياسة الأميركية الثانية المتوقعة لمواجهة طهران، فستتضمن دعماً عسكرياً واستخباراتياً أكبر للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، لمواجهة المليشيات الحوثية الموالية لإيران، إضافة إلى مواجهة المليشيات الموالية لها في العراق وسورية.
أن زيارة وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس، إلى منطقة الشرق الأوسط، فى هذا التوقيت، لها ما تحمله من معان ومفاهيم حول استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها. إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، 20 نيسان/إبريل الحالي، أن بلاده بصدد مراجعة شاملة لسياستها تجاه إيران، مشيرا إلى أن إيران تضر بالمصالح الأميركية في العراق وسوريا واليمن وإسرائيل واعتبر تيلرسون أن طهران “تتزعم الدول الراعية للإرهاب في العالم، وهي المسؤولة عن تكثيف العديد من الصراعات، مقوضة بذلك المصالح الأميركية في بلدان مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان، وتواصل دعم الهجمات ضد إسرائيل”. خلاصة القول جاءت زيارة ماتيس إلى الرياض لإصلاح ما أفسدته إدارة أوباما.
وحدة الدراسات الخليجية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية