ذكرت وكالة رويترز للأخبار الأسبوع الماضي أن الدكتاتور السوري بشار الأسد مستبد “استخدم غاز الأعصاب ضد شعبه الخاص”، معبرة عن شعور بالاشمئزاز، والذي ترددت أصداؤه مرات لا تعد ولا تحصى في أعقاب أحدث الهجوم الكيميائي الذي شُن في سورية ضد نساء وأطفال أبرياء.
تظل وجهة النظر الغربية مربكة من الناحية الأساسية، لكنها توضح عجز الغرب عن فهم مأساة سورية، وبالتالي عن وضع حد لها.
إن الأسد لم يستخدم الغاز ضد شعبه الخاص. فالأسد علوي المذهب، والعلويون أقلية يحكمون العديد من القبائل غير العلوية، والتي تشكل خليطاً من الأمم الذي يشكل سورية. وإذا كانت المخابرات الأميركية دقيقة، فإن الأسد استخدم الغاز ضد القبائل العربية غير العلوية في منطقة إدلب السورية، بعضاً من الكثير من الناس –من بينهم أكراد ودروز- والذين أخضعهم نظامه العلوي واستبد بهم منذ ارتقائه لسدة الحكم في العام 1970.
لا يوجد شعب سوري حقيقي باستثناء ما هو موجود في مخيلة الغربيين. ولا يمكن أن يوجد زعيم سوري حقيقي يلقى القبول من الأمم المؤسسة التي تعيش راهناً في إطار حدود سورية. والهدف الغربي الكامن في الإبقاء على سورية ككل مع مسلميها الورعين يعيشون بوئام جنباً إلى جنب مع القبائل العلوية التي يعتبرون عقيدتها ضرباً من الهرطقة، بالإضافة إلى الأقلية المسيحية الموالية للأسد، هو هدف مخادع ومضمون له الفشل. وعلى الرغم من أن القبائل العلوية تتمتع راهناً بقصب السبق وتملك اليد العليا في الحرب السورية الأهلية المتأرجحة، فإنها تظل يائسة. فهي تدرك أنها إذا خسرت فإنها سوف تُذبح بلا رحمة، تماماً كما يذبح الأسد بلا رحمة أولئك الذيك كانوا يخططون للإطاحة بنظامه العلوي. ولذلك، فإنها تعتبر الاستسلام غير وارد ولا يمكن التفكير فيه.
خيار العلويين الوحيد الممكن التفكير فيه، بعيداً عن استمرار القتال، يكمن في الانسحاب إلى معقلهم وحصنهم الجبلي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقبل أن يقرر الروس المخاطرة بالتدخل وإنقاذ نظام الأسد مما بدا في حينه هزيمة مؤكدة، كان الأسد في الحقيقة يعد العدة بمساعدة الروس للانسحاب إلى جيب علوي يصبح دولة علوية مسلحة جيداً.
تستطيع دولة علوية حيث يستطيع العلويون الدفاع عن أنفسهم وحكم أنفسهم فقط أن تخرجهم من الحرب الأهلية وبدء عدم فك ارتباط تمس الحاجة إليه مع الناس -وكانت سورية قد تكونت أصلاً من ست ولايات صغيرة، وهي مجرد خدعة أنشأتها القوى الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى. وثمة فك ارتباط آخر سينجم عن ترك الأكراد يحكمون أنفسهم بأنفسهم في مواطنهم التقليدية، وكذلك الدروز.
يجب أن يكون هدف الغرب هو فك الارتباط هذا، مما سيتيح المجال أمام تقرير مصير الناس مع توفر احتمال تحقق الاستقرار النسبي. ولأن الروس المحرومين من السيولة ليس لهم مصلحة في خوض حرب مطولة في الشرق الأوسط، يجب أن يكون فك الارتباط هذا هدفاً للروس أيضاً.
تكمن مصلحة روسيا الأهم في المحافظة على قاعدتها البحرية على الساحل العلوي المطل على البحر الأبيض المتوسط محمياً من الغالبية العربية السنية التي تريد الإطاحة بالأسد، وكذلك من الإيرانيين الذين يريدون أن تكون كل سورية دولة وكيلة. ومن شأن قيام دولة علوية يسهل الدفاع عنها ومصطفة مع روسيا وتستضيف مرافق عسكرية روسية أن تحقق مصالح روسيا بكلفة يمكن تحملها. ومن خلال مقاومة الإطاحة بالأسد والبقاء كحليفه الصامد، تؤمن روسيا دعم الأسد ودعم علوييه. كما تحافظ روسيا على سمعتها في البقاء وفية لحلفائها، وهو أصل جيوسياسي تفتقر إليه الولايات المتحدة مما ينزع عنها المصداقية.
من المؤسف أن روسيا -مثل الولايات المتحدة- تصر على الحفاظ على سورية كوحدة واحدة، كما شرح وزير الخارجية الروسي لافروف في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الأميركي تيلرسون في موسكو يوم الأربعاء قبل الماضي. وتعتقد روسيا غير المرتبكة ولا التي تشعر بالعار لأنها تدعم دكتاتوريين، بأن حكم رجل قوي علماني لكل سورية يخدم أفضل مصالحها في وجه فوضى الإرهاب السائد راهناً هناك. وهي محقة في توجيه اللوم إلى هوس أميركا بهاجس خلع الاستبداديين العلمانيين مثل الأسد في سورية وصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، ولنسف الشرق الأوسط برمته وإعطاء المجال لصعود “داعش” وغيره من الإرهابيين. وهي محقة في رؤية الأسد مقاتلاً في وجه الإرهاب، ومحقة في إبدائها التحفظ على أميركا المرتبكة والضعيفة من حيث تقديم ادعاءات ظرفية دعماً لقيام سورية ديمقراطية.
لكن روسيا مخطئة فقط في تحملها للقمع الوحشي المطلوب للإبقاء على سورية كدولة واحدة. وإذا تخلت إدارة ترامب عن ارتباكها ودعمت عن قناعة تقرير مصير أمم سورية الأعضاء -بما يشبه دعم ترامب لتقرير المصير في “بريكست” وغير ذلك من الانقسامات في الاتحاد الأوروبي- فمن المحتمل أن ترضخ روسيا وأن تنضم إلى الولايات المتحدة في القضاء على الإرهابيين العاملين في سورية، والوصول إلى تسوية حول دولة علوية. وعند ذلك فقط، سوف تسدل الستارة على الأزمة السورية.
لورنس سولومون
صحيفة الغد