غزة – حازت الوثيقة السياسية التي أعلنتها حركة حماس اهتماما عربيا ودوليا لافتا لما تضمنته من بنود عدت انقلابا على جميع الخطوط التي كانت تراها الحركة إلى وقت قصير “حمراء”.
وأعلن رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في مؤتمر صحافي من الدوحة، مساء الاثنين عن وثيقة جديدة تحدد المسار العام الذي ستسلكه الحركة خلال السنوات المقبلة، وتضمنت 42 بندا من أبرزها الإقرار بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والقطع مع معاداة اليهودية.
ولم تطرح الحركة في وثيقتها بندا يشير إلى انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين، على غرار الميثاق الذي أصدرته عام 1988، في خطوة تهدف إلى جعلها مقبولة من الدول المحورية في العالم العربي التي تصنف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا على غرار مصر والسعودية والإمارات، خاصة مع وجود مناخ دولي عام مناهض للجماعة.
وتباينت المواقف والتحليلات إزاء الوثيقة، بين قائلا إنها خطوة “إيجابية” تهدف من خلالها حماس إلى تبني نهج أكثر اعتدالا تماشيا مع الظرفية الإقليمية والدولية، وبين آخرين وهم الأغلبية يرون في الوثيقة خطوة تمهيدية لا بد منها لتقديم الحركة نفسها كبديل عن حركة فتح، التي تمر بحالة وهن شديدة نتيجة لعوامل متداخلة داخلية وخارجية.
ويضيف هؤلاء أن الوثيقة هي في واقع الأمر نتاج ضغوط من الدول الراعية للحركة قطر وتركيا، ومعلوم أن الدولتين تريدان سحب البساط من الرعاة التقليديين للقضية الفلسطينية، وهما تعتبران أن التسويق لحماس المعتدلة قد يفتح الباب أمامهما للإمساك بالملف الأهم في الشرق الأوسط.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أكد في جلسة مغلقة في نادي الصحافة بواشنطن منذ فترة أن حكومته ضغطت على حركة حماس للاعتراف بإسرائيل، والقبول بحل الدولتين وإلقاء السلاح.
وشككت الحكومة الإسرائيلية في حقيقة ما أقدمت عليه حماس بقولها، مساء الإثنين، إن الحركة تحاول من خلال وثيقتها السياسية الجديدة “تلميع صورتها في مواجهة ضغوط خارجية”.
وأضاف جندلمان أن “عقيدة حماس، واستراتيجيتها لم تتغير، فهي لا تزال تنظيما إرهابيا وحشيا، يرفض أي تسوية سلمية”.
الشكوك في النوايا الحمساوية طبعت أيضا معظم المواقف الغربية وتجلى ذلك في التحليلات التي ساقتها أبرز الصحف الأميركية والبريطانية، في ظل صمت رسمي.
ونشرت وول ستريت جورنال الأميركية تقريرا بعنوان “حماس تتخلى عن تدمير إسرائيل”، أوضحت فيه أن هذا التخلي العلني محاولة لتغيير صورتها في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالبحث في إحياء جهود السلام في الشرق الأوسط.
ومعلوم أن ترامب سيستقبل الأربعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ظل رغبة واضحة منه في إعادة مسار التفاوض الذي تعثر في عهد سلفه باراك أوباما.
وأوضحت وول ستريت أنه يبدو أن توقيت إعلان الوثيقة سببه منافستها لحركة فتح، ونسبت إلى المحلل المالي السابق لشؤون الإرهاب بوزارة الخزانة جوناثان شانزر قوله إن حماس تحاول الحصول على نصيب في السوق، وإصدارها للوثيقة تغيّر محسوب بدقة “لكنني أعتقد أن إدارة ترامب لن تغيّر موقفها من حماس، الوثيقة تتعلق بتخفيف الخطاب وليس الأفعال”.
جوناثان شانزلر: أعتقد أن إدارة دونالد ترامب لن تغير موقفها من حماس
ومن جهتها، نسبت صحيفة الغارديان البريطانية لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي إد رويس قوله إنه “إذا لم تعترف حماس بحق إسرائيل في الوجود فإنه لن يلغي تصنيفه لها بأنها منظمة إرهابية وكذلك إذا استمرت في إطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين واستمرت تحارب بالوكالة لإيران واستمرت في أعمال أخرى تهدد الولايات المتحدة وإسرائيل”.
وهناك تناقض كبير في الوثيقة التي أعلنتها حماس فمن جهة تؤكد اعترافها بدولة فلسطينية على حدود 1967 ومن جهة أخرى ترفض الاعتراف بإسرائيل، ويرى مسؤول غربي أن هذه ازدواجية تعكس حقيقة أن ما طرحته “مجرد قطعة من ورق”.
وشدد دبلوماسي غربي آخر على أنه سيكون من المستحيل على الدول الغربية أن تغير موقفها علنا من حماس طالما لم تقم الوثيقة بالاعتراف بدولة إسرائيل رسميا أو “بنبذ العنف”.
وتعتبر إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي أنّ حركة حماس “إرهابية”، ويخضع عدد من قادتها لعقوبات ودولية.
ويقول مراقبون إن ما أقدمت عليه حماس مخاطرة كبرى حيث أنها قد تعزز حالة الانقسام داخلها وتحديدا بين التيار السياسي والجناح العسكري عزالدين القسام، الذي بات نفوذه يقوى شيئا فشيئا وليس أدل على ذلك من وصول أحد مؤسسيه يحي السنوار إلى قيادة الحركة داخل قطاع غزة. ومن جهة ثانية، فإن هذه الوثيقة القريبة من روحية ميثاق منظمة التحرير الوطني الفلسطينية قد تنظر إليها حركة فتح على أنها تهديد لها، وهذا غير مستبعد في واقع الأمر، ومن شأن ذلك أن يزيد حالة التوتر المتصاعدة بين الحركتين.
وقالت فتح في بيان الثلاثاء إن حماس “لم تأت بشيء جديد” وأنه “كان الأولى أن تذهب أولا إلى منظمة التحرير وتخرج موقفها في إطار وحدة وطنية حقيقية، وليس من خلال محاولات فاشلة لتقديم أوراق اعتماد”.
وأضاف البيان أن “قبول حماس بدولة على حدود عام 1967 يتناقض مع ممارساتها على الأرض، الرامية لفصل القطاع أو قبولها بدولة ذات حدود مؤقتة”.
وتعيش حركة فتح وضعا صعبا جراء الانقسامات الداخلية التي ساهم فيها بشكل واضح الرئيس عباس، وقد فشلت جهود الرباعية العربية (مصر والأردن والإمارات والسعودية) في إعادة توحيد صفوف الحركة، بسبب موقف أبومازن المتشدد الرافض لأي نفس معارض له داخل الحركة.
وهذا الوضع تريد حماس استثماره ليس فقط عبر الوثيقة الجديدة بل أيضا عبر تأليب الفلسطينيين على فتح والرئيس عباس، وليس أدل على ذلك من المسيرات التي خرجت الثلاثاء بدعوة منها تطالب برحيل الأخير.
ويقول متابعون إن حماس قد تنجح في منافسة فتح على الأمد البعيد، ولكن ذلك مرتبط بمدى إمكانية تقديمها للمزيد من التنازلات وأولها الاعتراف بإسرائيل، وهذا غير مستبعد على الإطلاق، وأيضا الأمر مرتبط بالوضع الفتحاوي الذي وإن استمر على حالة التدهور التي يعيشها فإن ذلك يعبد الطريق أمام حماس.
العرب اللندنية