حتى عام 1990 كان هناك اليمن الشمالي واليمن الجنوبي. نال الأول الاستقلال من العثمانيين عام 1918 والثاني من بريطانيا عام 1967. ولا شك في ان التطورات السياسية والاقتصادية في الشطرين كانت متباينة، إذ تمتع الجنوب بسمات حضرية ومستويات تعليمية أفضل من الشمال، وإن كانت التوزيعات القبلية متشابهة في المناطق الريفية في كلا الشطرين. وبعد الوحدة في أيار (مايو) 1990 أصبح اليمن الموحد بلداً مترامي الأطراف وبمساحة جغرافية تقارب 528 ألف كيلومتر مربع، وفي آخر تقدير لعدد سكان البلاد عام 2011 بلغ التعداد 24 مليون شخص.
لكن على رغم هذا العدد الكبير للسكان لم يتعد الناتج المحلي الإجمالي 40 بليون دولار أي ان متوسط دخل الفرد لم يزد عن 1700 دولار سنوياً. وفي السنوات القليلة الماضية كان النمو سالباً، وتراجعت الإمكانات لتحسين الإيرادات السيادية بعد تراجع الصادرات من السلع، وانخفضت القدرة على تطوير الصناعات أو تعزيز عملية الارتقاء بالإنتاج الزراعي. يضاف إلى ذلك ان العوامل السياسية الإقليمية، بعد الاحتلال العراقي للكويت، أدت إلى تراجع تحويلات العاملين في الخارج بعد ترحيل كثر من العمال اليمنيين من بلدان الخليج.
ولم تكن تجربة الوحدة اليمنية ذات مردود إيجابي لليمن، خصوصاً على أهل الجنوب، فاستمرت النزاعات حول الحقوق وتزايدت أعداد العناصر المتطرفة في المناطق الجنوبية. وعطلت هذه الأوضاع إمكانات التنمية الاقتصادية. واستنزفت الحرب بين الشمال والجنوب في 1994 موارد مالية مهمة وزادت من الإنفاق على العسكرة والتسليح. وزادت الحرب وما نتج عنها المعاناة الاقتصادية. واعتمد صندوق النقد الدولي في 1997 برنامجين لدعم الاقتصاد اليمني وإنجاز إصلاحات اقتصادية. ويتعلق أحد البرنامجين بخفض معدلات الفقر في البلاد، أما الآخر فيرمي إلى إنجاز عمليات تخصيص نشاطات اقتصادية وخفض دعم المحروقات وتقليص التوظيف الحكومي وإيجاد فرص عمل لدى القطاع الخاص. لكن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح.
ولم تثمر محاولات زيادة حصيلة إيرادات الخزينة العامة عن طريق جبي ضرائب على المبيعات وجوبهت بمقاومة. يضاف إلى ذلك ان عوامل عديدة عطلت الإصلاح والتنمية ومن أهم المشكلات ما يتعلق بالخلافات السياسية المحلية وتوزع الولاءات القبلية والجهوية. أما العلاقات مع بلدان الخليج، التي كان يعوّل عليها لتقديم العون الاقتصادي، فتدهورت بعدما اتخذ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مواقف مؤيدة للرئيس العراقي السابق صدام حسين واحتلاله للكويت. وكانت بلدان الخليج من أهم البلدان التي قدمت الدعم التنموي إلى اليمن وأقامت مشاريع تعليمية وصحية وموّلت مشاريع الطرق ومحطات توليد الكهرباء وغيرها من مشاريع مرافق وبنية تحتية، وذلك منذ ستينات القرن الماضي.
وكانت الزراعة تمثل قطاعاً حيوياً في الاقتصاد اليمني، وكان اليمن من مصدري البن إلى بلدان عديدة، وكان يطلق عليه «مخا» تيمناً بالمنطقة التي تنتجه وصار الاسم «موكا» في اللغات الأوروبية، وكان البن يزرع في المناطق الجبلية من اليمن ومنذ مئات السنين معتمداً على مياه الأمطار، لكن زراعته تدهورت على مدى العقود الماضية وأخذ اليمنيون يزرعون القات في مزارع البن التقليدية نظراً إلى الطلب المحلي عليه. وفي 2012 قدرت المساحة المزروعة بالبن بـ 34500 هكتار في حين كانت مساحة مزارع القات تقدر بـ 162500 هكتار. وكانت حصيلة البن 19800 طن بينما كانت حصيلة القات 190800 طن.
وعند الحديث عن الزراعة في اليمن لا بد من الإشارة إلى وجود محاصيل زراعية جيدة يمكن تطوير زراعتها ومنها الفواكه والخضروات والقطن. وتتوافر في اليمن إمكانات لتربية الماشية، ناهيك عن توافر الأسماك في المياه الإقليمية لليمن في البحر الأحمر وبحر العرب. وهكذا يمكن لليمن تعزيز القدرة على تطوير صناعات المواد الغذائية وتصدير المنتجات.
ويملك اليمن إمكانات في قطاع النفط والغاز وبلغ إنتاجه العام الماضي 133 ألف برميل يومياً، كما ان إنتاج الغاز بلغ في العام الماضي 270 بليون قدم مكعبة. بيد ان عمليات الإنتاج تواجه مشكلات أمنية تعطل تحسين الصادرات التي تجني للبلاد إيرادات لا بأس بها. وتحاول شركات عالمية وخليجية ان توظف الأموال في هذا القطاع الحيوي إلا ان العوامل السياسية وتراجع الثقة في الإدارات الحاكمة هناك أضعفت الحماسة لدى تلك الشركات.
يتعين على اليمنيين التوصل إلى معالجات منهجية لأوضاعهم السياسية كي يمكن لهم توظيف مواردهم الطبيعية وإنعاش الحياة الاقتصادية وانتشال الملايين من أهل البلاد من الفاقة والعوز. وتقدر البطالة في اليمن بـ 35 في المئة من إجمالي قوة العمل. وثمة 54 في المئة من سكان البلاد يعانون الفقر. ويعاني 45 في المئة من السكان سوء التغذية. ولذلك لا يزيد معدل الحياة عن 64 عاماً، وهو معدل منخفض مقارنة بمعظم بلدان العالم.
هذه الحقائق تؤكد أهمية تحرير عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية من الضغوط السياسية والعمل على معالجة الأوضاع الأمنية بما يمكن من تحقيق الاستقرار. ان من مصلحة بلدان المنطقة التوصل إلى حل سياسي شامل يؤدي إلى مصالحة وطنية وتوفير العدالة لكافة سكان اليمن، في الشمال والجنوب، بما يوفر الظروف الملائمة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية. وإذا توافر الوئام السياسي في البلاد فإن العديد من حكومات بلدان الخليج وغيرها من حكومات بلدان صديقة ستقدم العون المالي المناسب لتطوير البلاد والإرتقاء باقتصاده.