تمر قوات الأمن في العراق بحالة توقف عملياتي. وهذا هو الاختزال العسكري لـفكرة: “إن ما نفعله لا يعمل، ونحن نحتاج إلى خطة أخرى”. ومنذ الاندفاع إلى العمل ضد تنظيم “داعش” في العام 2014، كان الدعم الأميركي متدرجاً في كل من سورية والعراق. وسوف ترسل الولايات المتحدة 1000 جندي أميركي آخر لتقديم المشورة والمساعدة. لكن ذلك لن يكون كافياً لتحويل الائتلاف المعادي لمجموعة “داعش” في سورية إلى قوة قتال حضري فعالة ومتمتعة بالكفاءة.
لقد طال أمد الحرب، وأصبحت المعركة من أجل استعادة الموصل في العراق حرب استنزاف راكدة. ويبدو أن الرقة تعِد بالشيء نفسه. وحتى الآن، ساعد الدعم الأميركي في إنهاك قوات “داعش” في الموصل، حيث يستخدم التنظيم الإرهابي التكتيكات اليابانية في معركة أوكيناوا في الحرب العالمية الثانية. وكما كان الحال في أوكيناوا، يستخدم “داعش” فهماً رؤيويا تدميريا، ويستند إلى أخذ أكبر عدد يستطيعونه من الأعداء معهم قبل أن يذهبوا. ومثلما كان الحال في أوكيناوا، فإنه كلما طال أمد المعركة، كان ذلك أفضل من وجهة نظر “داعش”. لكن الرقة ستكون أسوأ، لأن القوات التي تهاجمها ستكون بلا سيطرة وقيادة مركزية، بل ولها خبرة أقل في قتال المدن مقارنة بالعراقيين. وهي تتشكل لتمثل ما يوصف بأنه “القتال بالسكين في كشك الهاتف”.
على الرغم من المساعدة الأميركية، تواجه القوات العراقية نفس المشاكل التي واجهتها القوات الأميركية في أوكيناوا في العام 1945. فالعدو يستخدم طرقاً انتحارية لتدمير الدبابات وعربات الدعم الأخرى. وهو يخرج من الأنفاق وأماكن اختباء أخرى خلف قوات صديقة يعتقد أنه تم تأمينها. وهو يستخدم القناصة لاصطياد الضباط ومشغلي اللاسلكي والعاملين الطبيين. ويحاول مقاتلو “داعش” أن يكونوا في كل مكان وفي لامكان في نفس الوقت. وهم يستخدمون بمهارة المدنيين كدروع بشرية، ويدمرون بنايات كاملة لجعل عش مدفع رشاش واحد غير صالح للاستعمال. وقد جاء القصف الأخير في الموصل، والذي أسفر عن مقتل عشرات المدنيين، نتيجة للافتقار إلى تدريب مناسب وامتلاك تقنيات متكاملة لمعارك المدن.
تستطيع قوة هجوم أميركية قوامها بحجم كتيبة (5000 جندي) أن تنهي معركة الرقة في غضون شهر واحد. ولدينا قوات هجومية مدربة على قتال المدن، وبشكل خاص على استخدام الطيران والأسلحة المساندة الأخرى القادرة على تطهير غرف في بنايات من دون إحالة المباني بكاملها إلى أكوام من الركام. والمعروف أن العمل الحاسم هو أفضل من حرب الاستنزاف. ونحن نتمتع بالقدرة على إنهاء “داعش” في الرقة بالطريقة الأسرع. وسوف تكون المعركة قصيرة ووحشية ودموية، لكن معظم إراقة الدماء ستكون في صفوف “داعش”. ومع أن قوات الثوار السوريين والقوات الكردية التي تواجه “داعش” حول الرقة قادرة على محاصرة المدينة والاستيلاء على بعض أطرافها، فإنها تقف على مسافة طويلة من امتلاك التدريب والمعدات والاتصالات التي تمكنها من التغلب على “داعش” في معركة مدن رئيسية.
مع ذلك، يبقى السؤال: من هو الطرف الذي سيدير المكان عندما ينتهي القتال. إن القول بأن الولايات المتحدة ستقوم بالمهمة هو جواب سيئ. فنحن لا نفهم سياسة منطقة الرقة، وسيفاقم أي تواجد أميركي طويل المدى التوترات المحلية بعد خروج “داعش”. ولذلك نحتاج إلى إيجاد شريك سني يرغب في إدارة حامية متوسطة الأمد في منطقة الرقة. وسوف تكون تركيا خياراً بائساً بسبب اختلافها مع الأكراد. ويعتبر الأردن والإمارات العربية المتحدة مرشحين أفضل. وللأردنيين مصلحة خاصة في النجاح في الرقة، لأن وجود منطقة حرة في الرقة سيوفر مكاناً للعديد من النازحين الداخليين الذين يتطلعون إلى الخروج من البلد بحثاً عن الأمان. ويتحمل الأردن حتى الآن عبء استضافة معظم اللاجئين السوريين الذين يظلون في المنطقة. ويصب خلق مكان آمن لهؤلاء النازحين في داخل سورية في قلب المصلحة القومية الأردنية.
بموجب شكل ما من السيطرة السنية، من الممكن أن تخدم منطقة الرقة غايتين قيمتين. أولاً، سوف تكون مأوى للاجئين الذين لا مكان آخر لديهم ليذهبوا إليه. وثانياً، أنها ستوفر ملاذاً للذين يعارضون الرئيس السوري بشار الأسد. وكان الرئيس دونالد ترامب قد أبدى رغبة في تقديم حماية في شكل “منطقة حظر طيران” لهذه الملاذات.
من الممكن أن تشكل هذه الحامية النواة لدولة سورية حرة، أو أنها يمكن أن تكون الكيان الذي سيسمح بالتفاوض على وضع حد للحرب الأهلية السورية. وبمجرد أن يذهب “داعش” سوف يصبح الطريق إلى تسوية سورية أوضح بكثير. وقد وصلنا نحن الأميركيين إلى نقطة أصبحنا معها مستقلين نسبياً عن نفط الشرق الأوسط. ولم يعد لنا مصالح حيوية حقيقية في المنطقة. وسيكون من شأن القضاء على “داعش” كقوة إقليمية وإعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه كمجموعة إرهابية لا وطن لها، أن يمهد لنا الطريق لصياغة دور جديد كوسيط نزيه في الحرب الأهلية السنية-الشيعية المتواصلة في المنطقة.
لم نكن قد حققنا أي خروج نظيف ونهاية سهلة من أي صراع منذ نهاية الحرب الباردة. لكن القضاء على “داعش” وتسليم حكم الرقة للاعب إقليمي منافس سيشكل نهاية نظيفة للكابوس الذي خلقناه عن غير قصد عندما تخلينا قبل الأوان عن المنطقة، وتركناها لأدواتها وآلياتها الخاصة في العام 2011. والآن، تقدم الرقة للمنطقة فرصة لكتابة فصل جديد في الشرق الأوسط، والانطلاق إلى شيء أفضل.
غاري آندرسون
صحيفة الغد