تزداد قضية الدور المستقبلي للحشد الشعبي المكوّن بشكل رئيسي من الآلاف من المقاتلين الشيعة، بروزا في العراق على قدر التقدّم في الحرب ضدّ تنظيم داعش واقترابها من نهايتها، وفق تقديرات كبار القادة العسكريين العراقيين.
وشارك الحشد الذي تشكّل بفتوى دينية من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في مواجهة تنظيم داعش لدى غزوه مناطق واسعة في العراق صيف سنة 2014.
وكان له دور فاعل في وقف زحف التنظيم، ولاحقا في طرده من عدّة مناطق، الأمر الذي جعل له سمعة كبيرة لدى بعض الأوساط قاربت “القدسية” أحيانا، كما جعله موضع رهان للكثير من السياسيين الشيعة لتدعيم مراكزهم في السلطة بعد تراجع ثقة الشارع فيهم.
ويثير هذا “الجيش” الموازي المزيد من الخلافات داخل البلد، كونه قابلا للاستخدام في مرحلة ما بعد تنظيم داعش لتكريس هيمنة الطائفة الشيعية على المشهد العراقي، خصوصا وقد برزت مطالبات واضحة بإسناد دور سياسي له من خلال السماح له بالتقدّم للانتخابات البرلمانية القادمة كهيكل قائم الذات، بينما تتداول أوساط سياسية عراقية إمكانية منح قادة الحشد ميزات سياسية من قبيل الحصول على حقائب وزارية سيادية دون اعتبار نظام المحاصصة المعمول به إلى حدّ الآن.
ويزداد الخلاف بشأن الدور المستقبلي للحشد تعقيدا، حين يتحوّل إلى مدار خصومة سياسية، لا بين المكونات الطائفية والعرقية العراقية المختلفة، ولكن داخل البيت السياسي الشيعي بحدّ ذاته.
وبينما تجد شخصيات شيعية مصلحة كبرى في تضخيم ذلك الدور لاتخاذه جسرا للعبور إلى السلطة مجددا، تجد شخصيات أخرى مصلحة في تحجيم دور الحشد الشعبي لحرمان خصومها ومنافسيها من الاستفادة منه في المرحلة القادمة.
وأوضح قطبين لهذا الخلاف: رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يرى في الحشد الشعبي ورقة ثمينة للعودة إلى رأس هرم السلطة بعد أن فقد ثقة الشارع بفعل الحصيلة الكارثية لسنوات حكمه، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يرى في الحشد سلاحا بيد خصمه وغريمه اللدود المالكي، وأداة لمواصلة تهميش الصدريين ومنعهم من الارتقاء إلى مناصب قيادية في السلطة.
ويفضّل الصدر استخدام الشارع الذي تمكن طيلة السنوات الماضية من استمالة قسم كبير منه بعد أن قدّم نفسه كزعيم إصلاحي مناهض للفساد المتلبّس بشكل خاص بمن مارسوا الحكم بشكل فعلي.
ويرتبط نوري المالكي بتحالفات وثيقة مع كبار قادة الحشد وفي مقدّمتهم هادي العامري زعيم منظمة بدر إحدى أقوى الميليشيات الشيعية، إضافة إلى زعماء فصائل معروفة بعدائها للصدر مثل عصائب أهل الحقّ وحزب الله العراق.
ويروّج المالكي خطابا سياسيا مدافعا عن الحشد الشعبي ودوره السياسي والأمني المستقبلي في العراق، فيما لا ينقطع الصدر عن الدعوة إلى تحجيم ذلك الدور لمصلحة القوات المسلّحة.
وخلال استقباله، الأربعاء، وزيري الدفاع والداخلية عرفان الحيالي وقاسم الأعرجي في منزله بالنجف جنوبي العراق، طالب الصدر بحصر زمام الشأن الأمني بيد الجيش والشرطة في مرحلة ما بعد الحرب على داعش، متجاهلا الدور المحتمل للحشد الشعبي.
وذكر بيان لمكتب الصدر أن الأخير قدّم للوزيرين “بعض التوجيهات التي تصب في مصلحة القوى الأمنية وزيادة فعاليتها وغلق الثغرات التي تضعف من قوّتها”، مؤكّدا حسب البيان ذاته أنّ “مسك الأمن حصرا يكون من قبل وزارتي الدفاع والداخلية”.
وفي دعوة مضادّة لدعوة الصدر لتحجيم دور الحشد، قال أبوطالب السعيدي عضو المكتب السياسي لميليشيا كتائب حزب الله، الأربعاء، إنّ الكتائب مع انخراط فصائل المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي في العملية السياسية “نتيجة لما تملكه تلك الفصائل من تاريخ جهادي وعقائدي مشرّف”، معتبرا “أن دخول الفصائل إلى العملية السياسية سيكون صمام أمان موثوقا به داخل الحكومة، لتصحيح مسار العملية السياسية”.
ولم يغفل القيادي بكتائب حزب الله المعروفة بارتباطها العقائدي والمالي والتنظيمي الشديد بإيران، اتهام الولايات المتّحدة بالوقوف وراء “محاولات إلغاء دور الحشد”، داعيا إلى قيام “السياسيين الوطنيين المخلصين بدورهم الوطني في مواجهة الأجندات الأميركية وأدواتها المحلية التي تريد رسم خارطة طريق جديدة بعد انتصارات الحشد الشعبي من خلال تشويه صورتها وممارسة التضليل الإعلامي تجاه أصحاب المشاريع الوطنية الذين قاتلوا الجماعات الإجرامية وحرروا الأرض والعرض”.
ولا ينفصل الجدل بشأن مستقبل ميليشيات الحشد في عراق ما بعد داعش عن صراع النفوذ الذي تخوضه طهران بشراسة ضد واشنطن التي تنظر إلى تلك الميليشيات باعتبارها ذراعا إيرانية لترجمة النفوذ السياسي الكبير إلى سيطرة فعلية على الأرض، وهو منظور لا يختلف كثيرا عن منظور أهالي العديد من المناطق العراقية المتضرّرين بشكل مباشر من سلوك الميليشيات في مناطقهم بعد أن شاركت في استعادتها من داعش، وما تزال تشارك في مسك أرضها، وإن اختلفت منطلقات هؤلاء عن منطلقات الولايات المتحدة التي تدافع عن مصالحها.