طفرة نوعية في شرعية تداول العملات الإلكترونية المشفرة

طفرة نوعية في شرعية تداول العملات الإلكترونية المشفرة


لندن – تشير البيانات إلى أن العملات الإلكترونية الخارجة عن جميع وصايات السلطات المالية، بدأت تفرض حضورها بوتيرة غير مسبوقة منذ وضع ساتوشي ناكاموتو القواعد الأولية لأول عملة وهي بيتكوين في عام 2009.

وكان الدولار الواحد حينها يساوي نحو 1000 بتكوين، في حين تجاوز سعرها أمس حاجز 1800 دولار، أي أن قيمتها ارتفعت بنحو 1.78 مليون مرة خلال 8 سنوات.

ولإظهار حجم النمو الجامح الذي سجلته يكفي أن نشير إلى أن سعرها كان يبلغ نحو 440 دولارا قبل عام من الآن. وسجلت منذ بداية العام الحالي ارتفاعا بنسبة 122 بالمئة وهي تواصل ارتفاعها بوتيرة أسرع في الأسبوع الحالي.

وشهدت رحلة الصعود الفلكي عددا من محطات التصحيح المؤقتة حين تعرضت لهجمات من السلطات المالية التي حاولت مرارا كبح تقدمها لانتزاع حصة من نفوذ وسيادة المصارف المركزية على القطاع المالي.

وكانت بيتكوين قد تعرضت لهزة عنيفة في عام 2014 حين تراجعت بشدة بعد انهيار أكبر موقع صرافة على الإنترنت لتداول هذه العملة الافتراضية، لكنها كانت تعود دوما للصعود مؤخرا بوتيرة أسرع لتصل إلى مستويات قياسية جديدة.

تشارلز هايتر: انتشار التعامل بالعملات الإلكترونية في الصين للالتفاف على القيود المالية
وترجح زيادة التعامل بعملة البتكوين استمرار صعود قيمتها بشكل مطرد، وقد يتهافت المستثمرون على شرائها مع تزايد عدد المتعاملين بها واستمرار ارتفاعها الجامح.

ففي بداية شهر مارس 2017، تمكنت عملة البتكوين من أن تتفوق على قيمة الذهب لأول مرة، حيث تخطى سعر وحدة بيتكوين الرقمية المشفرة لأول مرة سعر أوقية الذهب البالغ حينها 1268 دولارا.

ثم واصلت الارتفاع لتتجاوز في الأسبوع الماضي حاجز 1400 دولار لكنها لم تتوقف عند ذلك الحد، بل واصلت الارتفاع لتصل أمس إلى 1800 دولار، أي أن قيمتها تضاعفت 4 مرات عن المستويات التي كانت عليها قبل عام.

ويرجع الارتفاع الكبير في الأيام الأخيرة في سعر عملة بيتكوين إلى طلب كبير في اليابان التي أصبحت تسمح باستخدامها كأداة للدفع في التعاملات المالية.

كما يعزى إلى الطلب المتزايد عليها في الصين، رغم تحذير السلطات من التعامل بها بسبب مخاوف من ارتباطها بإخراج الأموال من البلاد. وكان للقيود مفعول عكسي للالتفاف على القيود المالية الحكومية.

وشددت السلطات الصينية الرقابة على البورصات هذا العام وفرضت رسوم تداول، بعد أن أصبحت المضاربة في بيتكوين مبعث قلق من احتمال استخدامها لغسل الأموال وتهريب الأموال خارج الصين.

وذكر موقع كريبتوكومبير، الذي يحلل حركة تداول بيتكوين في عشرات البورصات حول العالم أن نحو 50 بالمئة من حجم المعاملات في الأيام الأخيرة تركز في تعاملات صرف العملة مقابل الين الياباني.

وقال تشارلز هايتر مؤسس الموقع إن “اليابانيين أبدوا تقبلا للتعامل بعملة بيتكوين خلال الفترة الأخيرة ومنحوها المشروعية كأداة للسداد”. وأضاف أن “التضييق الصيني على البورصات يمكن أن يؤدي إلى انتشار التعامل بالعملات الإلكترونية”.

وبالمستويات الحالية تبلغ القيمة الإجمالية لجميع عملات بيتكوين المتداولة نحو 31 مليار دولار، وهي تشكل أكثر من 60 بالمئة من إجمالي قيمة العملات المشفرة الذي يصل إلى 50 مليار دولار.

وطرحت بيتكوين في عام 2009 من قبل جهة معلوماتية غامضة عرفت نفسها باسم “ساتوشي ناكاماتو”. وفي مايو 2016 كشف رجل الأعمال الأسترالي كريغ رايت عن كونه المخترع الذي يقف خلف ذلك الاسم المستعار.

ألكسي مويسييف: من المرجح انتشار العملات الإلكترونية في روسيا على نطاق واسع
وأكدت تقارير لاحقة أنه يدير عددا من شركات مرتبطة بعملة بيتكوين. كما أشارت إلى استثماره بكثافة في إنشاء بنية تحتية حاسوبية متنوعة بينها بناء أحد أكبر أجهزة الكمبيوتر العملاقة في العالم.

وتسمح العملة بشراء السلع والخدمات من شركة أو فرد يقبلها في نظام الدفع، لكنها ليست عملة فعلية يديرها بنك مركزي، وهي غير مدعومة من أي شركة أو حكومة وغير مغطاة بأصول ملموسة، لكن طرح العملات الراسخة مثل بيتكوين يخضع لسيطرة محكمة تحاكي سيطرة البنوك المركزية على سك العملة.

ويتقلب سعر صرف العملات الافتراضية كثيرا، وتتأثر سمعتها أحيانا بسبب نقص الشفافية وعدم وجود سلطات تنظيمية يتم الاحتكام إليها وارتباطها بالأوساط الإجرامية.

ولا تخضع العملة لقوانين الضرائب لأنها النظام المالي الرسمي ولا تخضع لأي سلطة قضائية، وهو أمر يقلق الحكومات والمصارف المركزية والمؤسسات المالية العالمية من استخدامها من قبل قراصنة الإنترنت.

وقال محمد عبدالله الخبير المصري في الجرائم الإلكترونية إنه “لكي تتم عملية التداول والاستفادة من العملة يجب أن تنجح في الاختبارات الإلكترونية التي يطرحها الكمبيوتر وبهذه الطريقة يزداد انتشارها والثقة في قيمتها”.

وأكد تزايد استخدامها من قبل المؤسسات لأنها أيسر في التداول ولا تخضع لرسوم التحويلات المالية ويمكن تداولها عبر الكمبيوتر أو الهاتف الذكي بإدخال عنوان المستلم والمبلغ المدفوع أو بإدخال اسم المستلم على كود خاص بالنظام الإلكتروني يسمى “كيو.آر” لمعرفة العنوان.

ورغم الشكوك التي تحوم حولها إلا أنها تلقى ترحيبا متزايدا وتنفتح لها الأبواب بشكل أكبر. ففي الشهر الماضي، أعلن ألكسي مويسييف نائب وزير المالية الروسي، في مقابلة مع وكالة بلومبرغ الاقتصادية، أن موسكو قد تدخل عملة بيتكوين إلى التداولات بشكل فعلي في العام المقبل. وقال إن “روسيا يجب أن تعلم في كـل لحظـة ما التكلفـة المتـرتبة على كلا الجانبين في هذه السلسلة الماليـة وأن على المشـاركـين في المعاملات أن تكون لديهم المعلـومات الكافية عنها”، ورجـح أن تنتشر عملـة بيتكـوين على نطاق واسع في روسيا.

1800 دولار الحاجز الذي تجاوزه سعر عملة بيتكوين أمس مقارنة بنحو 440 دولارا قبل عام
وأكدت وكالة بلومبيرغ أن البنك المركزي الروسي يدرس مع الحكومة إمكانية إدخال العملات الرقمية في التعاملات المصرفية. ويرى محللون في ذلك محاولة لتخفيف وطأة العقوبات الغربية التي تعزل روسيا عن النظام المالي العالمي.

هناك اليوم عشرات العملات الإلكترونية المطروحة في التداول. وهناك أكثر من 800 عملة أخرى في مراحل متباينة من الاستعداد للطرح في التداول، وقد يكون بعضها مجرد مشاريع وهمية بسبب قلة افتقارها للمعايير التنظيمية.

وتقول إحداها وهي وانكوين إن قيمتها الإجمالية تزيد على قيمة بيتكوين وتؤكد أنها تستعد لبدء التداول في العام المقبل، رغم الشكوك والانتقادات التي تواجهها بسبب انتشارها السريع وقلة الشفافية في آلية إصدارها.

ولا يستبعد بعض المحللين أن تهدد العملات الإلكترونية المشفرة في المدى البعيد سيادة المصارف المركزية، وقد يؤدي ذلك إلى محاربتها أو ترويضها في نظام خاضع للرقابة.

ورغم هذا القلق، إلا أن عددا من المؤسسات المالية العالمية كشفت منذ العام الماضي عن خطط لاعتماد العملات الإلكترونية المشفرة اعتبارا من عام 2018.

وأعلن مصرف يو.بي.أس السويسري في أغسطس 2016 عن خطط لاعتماد عملة رقمية بالتعاون مع 3 مصارف دولية أخرى، لكنه لم يذكر هوية العملة.

وذكر أن استخدام العملات المشفرة من شأنه تحسين كفاءة الأسواق المالية لأنها تخترق الحدود وتسهل التعاملات التجارية عن طريق كسر العقبات التي تقف أمام التسويات المالية.

وتشير بعض التقارير إلى أن 3 مصارف أخرى هي بي.أن.واي ميلون الأميركي ودويتشه بنك أكبر مصارف ألمانيا ومصرف سانتاندير الإسباني تعتزم إدخال العملات الإلكترونية في تعاملاتها مع بداية العام المقبل.

وأعلنت شركة بيلفريك الهندية في يناير الماضي عن إطلاق أول منصة لصرف عملة بيتكوين. ويعني سماح السلطات بذلك انفتاح سوق هائلة للعملات المشفرة.

كما تدرس مؤسسة الوساطة المالية البريطانية آي.سي.آي.بي اعتماد العملة الرقمية. وتؤكد التقارير أن قرابة 20 مصرفا أبدت دعمها للمشروع تمهيدا للانضمام إليه.

العرب اللندنية