على الرغم من التفاؤل المعلن للرئيس ترامب، فإن احتمالات السلام الإسرائيلي الفلسطيني تظل مخيبة، لأن ترامب لا يبدي أي إمارة على تحوله عن موقف إسرائيل المتشدد.
* * *
تلقى رغبة الرئيس ترامب المعلنة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة ما الكثير من الترحيب، لكن مبررات الشك ترجح عن أسباب الأمل. ويمكن السبب الرئيسي للشك في الافتقار إلى الدليل على أن ترامب قد نأى بنفسه سياسياً عن الموقف، المتجسد في الحكومة الإسرائيلية اليمينية ومعظم داعميها الأميركيين المتحمسين، والذي يفضل خيار سيطرة إسرائيل الأزلية على الأراضي المحتلة. وبالرغم من الكلام الذي يظهر بين الحين والآخر عن العكس من ذلك، فإن أصحاب هذا الموقف لا يرون أي متسع لتقرير المصير الفلسطيني أو لقيام دولة فلسطينية.
كمرشح رئاسي، تبنى ترامب هذا الموقف بعد التصالح مع شيلدون أدلسون، وتبني أفكار جماعة اللوبي الإسرائيلي “ايباك” وكأنها بنات أفكاره. وكرئيس، تجسد هذا الموقف في تعيينه سفيراً لأميركا في إسرائي محاميه للإفلاس، الداعم المتشدد لمشروع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
في الأسبوع الماضي، وفي ظهور مشترك في البيت الأبيض مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تحدث ترامب بعبارات عامة فضفاضة عن العمل سوية من أجل التوصل إلى اتفاق للعيش بسلام، وتحدث بشكل أكثر تحديداً عن إلحاق الهزيمة بـ”داعش” والتعاون الأمني مع إسرائيل، لكنه لم يتطرق إلى ذكر أي شيء عن تقرير المصير الفلسطيني أو دولة فلسطينية.
قد يتساءل المرء أيضاً عما إذا كانت هذه المسألة ستضاف إلى الموضوعات الأخرى التي تنال معاملة الهاوي غير الناضج، حيث يعترف الرئيس أخيراً بأن هذه المهمة أصعب مما توقع أن تكون. ومع إرسال محامي الإفلاس عنده سفيراً إلى إسرائيل، يكون ترامب قد قلب أحال ملف السياسة الإسرائيلية الفلسطينية إلى صهره ومحامي عقاراته.
بطبيعة الحال، في ضوء العديد من السنوات ذات النتائج الشحيحة لهذا الموضوع عندما كان بأيدي محترفين خبراء كما يفترض، قد لا يضير أن نتأمل ما قد يفعله الهواة وغير المحترفين وبعض الأعين الجديدة فيه. وكان محامي العقارات، جاسون غرينبلات، قد تلقى ملاحظات إيجابية من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني خلال جولة استماع قام بها مؤخراً في المنطقة.
منحنى التعلم
ولكن، مع بدء عملية التعلم لهذا الرئيس وإدارته من الصفر تقريباً، فإن جهد ترامب ربما يكون متخلفاً في الزمن. فقد تغيرت الأرض، وتغيرت بطريقة غير مفضلة، خلال تلك السنوات التي شهدت عملية سلام غير ناجحة. وهناك حجم كبير من الرأي، بما فيه آراء العديد من المراقبين المطلعين، والذي يعتقد بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً فعلياً.
وثمة مراقبون آخرون يحملون رأيا مخالفاً. إنه، بطبيعة الحال، الخلق أحادي الجانب لحقائق على الأرض، في شكل كولونيالية إسرائيلية عبر إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية –وهو شيء آخر لم يذكره ترامب أثناء ظهوره مع عباس أخيراً- هو الذي ربما يكون قد جعل حل الدولتين خارج الإمكان.
كان للاجتماع مع عباس، لأسباب مشابهة، قيمة عفا عليها الزمن. نعم، يجب على الرئيس الأميركي التحدث مع عباس في أي محاولة جادة لإحراز تقدم نحو حل الصراع. لكن عباس تجاوز كونه “في أفضل أحواله”. وقد تجاوزت التطورات دوره في القيادة الفلسطينية، تماماً مثلما تتجاوز أي صناع سلام مستقبليين يستند فهمهم للمشكلة على حيث كانت الأمور قبل عقدين من الزمان.
كان عباس في منصبه لأعوام عدة أكثر مما كان يفترض أن تكون ولايته الرئاسية. وبهذا المعنى، فإن استمراره في المكوث من دون تحقيق ميزة إعادة انتخابه يشكل تعارضاً مع فكرة الحكم الديمقراطي للفلسطينيين. وقد فقد الرئيس الكثير من دعم المواطنين الفلسطينيين، في انعكاس لفشله في إحراز أي تقدم على صعيد رفع ثقل الاحتلال الإسرائيلي عن كاهل شعبه.
لا يعني قول هذا الطعن في شخص عباس وأهدافه أو حسن نواياه. إنه بالأحرى تداعٍ للوضع الغريب المفروض على الكيان الغريب المعروف بالسلطة الفلسطينية، التي كان يفترض أن تكون هيئة انتقالية عندما بأسست في التسعينيات بموجب اتفاقيات أوسلو. لكن الانتقال إلى السيادة الفلسطينية لم يتحقق أبداً، ولذلك أصبح العديد من الفلسطينيين يرون في السلطة مديراً مساعداً للاحتلال الإسرائيلي.
مستقبل أكثر إشراقاً؟
إذا كان للشعب الفلسطيني أن يشهد مستقبلاً أكثر إشراقاً، فإنه ربما يحتاج الوصول إليه عبر اتخاذ طريق مختلف. وربما نشاهد لمحة عن ذلك الطريق في الإضراب الحالي عن الطعام الذي ينفذه الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية. ويجري هذا الإضراب تحت قيادة مروان البرغوثي، الذي يرى فيه العديد من الفلسطينيين منذ وقت طويل قائداً مؤتمناً وكاريزمياً أكثر من عباس أو أي مسؤول آخر في السلطة الفلسطينية.
كان البرغوثي يوصف بأنه مانديلا فلسطين؛ ولكن، لأنه لا يبدو أن هناك أي “دي كلارك” إسرائيلي بين أولئك في السلطة في إسرائيل، فإن وضع البرغوثي باعتباره القائد الأكثر صدقية في دولة فلسطينية مستقبلية هو السبب الذي يدفع الإسرائيليين المعارضين لخلق مثل هذه الدولة إلى الإبقاء عليه مسجوناً.
يجيء إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية عن الطعام احتجاجاً على الأوضاع في السجون، لكنه يشكل مثالاً للاحتجاج السلمي غير العنيف على الظروف المزرية التي تفرضها السيطرة الإسرائيلية على كل الفلسطينيين. ويثير ذلك احتمال تشكيل بديل رئيسي عن الضغط من أجل حل الدولتين: نضال من أجل حقوق متساوية للجميع في إطار دولة واحدة تضم كل الأراضي من البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى نهر الأردن شرقاً.
إعلان حماس
حول موضوع قيادة بديلة للسلطة الفلسطينية، يجب على المرء أن يذكر حماس التي تحاول إدارة الشؤون في قطاع غزة كما تحاول السلطة عمل نفس الشيء في أجزاء من الضفة الغربية. وترفض إسرائيل أي تعامل مع حماس (باستثناء المفاوضات الخاصة بتبادلات الأسرى)، بينما تصف حماس بالإرهاب وتشتكي من عدم اعترافها بإسرائيل صراحة.
الإبقاء على الوضع البائس لغزة كسجن مفتوح يضم نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني، بينما يتم الإبقاء عليها منعزلة عن باقي فلسطين، يساعد الحكومة الإسرائيلية في التغلب على المشكلة المتعلقة بكيفية التمسك بكل الأراضي الأخرى التي تريد المحافظة عليها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن من دون أن تواجه، لبعض الوقت على الأقل، احتمال وجود أقلية يهودية في دولة ذات أغلبية عربية.
إعلان حماس الأخير عن وثيقة تخفف فيها من حدة بعض مواقفها الرسمية، لا يقول لنا الكثير مما هو جديد في الحقيقة، لأن قيادة المجموعة قد أوضحت أصلاً أنها تسعى إلى تأسيس سلطة سياسية في دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وأنها راغبة تماماً في العيش إلى جانب، والتوصل إلى هدنة مفتوحة مع، دولة إسرائيل.
إذا كانت مواثيق التأسيس والافتقار إلى الاعتراف الصريح يهمان فعلاً، فلا يجب أن تتسبب مواقف حماس في أي مشاكل أخرى مقارنة مع خطاب الليكود، الحزب المسيطر في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، والذي يرفض صراحة روح مفهوم الدولة الفلسطينية، ويعلن بقوة عن نيته التمسك بكل “أرض إسرائيل” ويرفض منظمة التحرير الفلسطينية -الطرف الفلسطيني المفاوض في أوسلو- ويصفها بأنها “تنظيم قتلة”. وإذا أخذ المرء مقولة “الإرهابي ذات مرة هو إرهابي دائماً”، فيجب عندها أن لا تكون لنا أي صلة الإرهابيين السابقين مناحيم بيغن وإسحق شامير، حتى بعد أن توليا رئاسة الوزراء في إسرائيل.
انتقال سلمي؟
بالنسبة لذلك التساؤل حول ما إذا كان حل الدولتين ما يزال مجدياً، ربما لا يجب علينا التفكير في دولة واحدة أو دولتين كخيارين منفصلين كلية. فالعمل من أجل الأول قد يكون مطلوباً لإنقاذ الثاني، وإليكم السبب. إذا قدر لإضراب السجناء عن الطعام أن يلقي بظلاله على حملة سلمية أوسع كثيراً وأكثر استمرارية من أجل الحقوق السياسية والمدنية لكل العرب الفلسطينيين تحت السيطرة الإسرائيلية، فسيكون هذا تطوراً محبطاً لأعضاء اليمين الإسرائيلي -ليس فقط لأن معظمهم لا يريد العيش في دولة مختلطة كهذه (مع غزة أو بدونها).
سوف تلقي الحملة في حد ذاتها بهم إلى خارج حالة التوازن. ولا يمكن للاحتجاج السلمي أن يقابل بالرفض كإرهاب. وستكون كل مسببات نزع الاستقرار والتهديد المزعوم المنسوبة لدولة فلسطينية أطروحات غير ذات صلة، لأن دولة فلسطينية منفصلة لن تكون هي ما يتم السعي إليه ظاهرياً.
سوف يتجسد الدور المناسب لعباس والسلطة الفلسطينية في الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية، وتسليم مفاتيح المنطقة أمن الضفة الغربية إلى إسرائيل مجدداً، وإعلان ما هو واضح وجلي: لا شيء يجري تحقيقه من وراء استمرار السلطة الفلسطينية كخادمة للاحتلال. وسوف تواجه إسرائيل، أمام مواطنيها وأمام المجموعة الدولية بشكل أكثر إحراجاً من السابق، بالسؤال عما إذا كانت تريد الديمقراطية أم نظام الفصل العنصري.
قد يكون هذا الاحتمال مزعجاً بما فيه الكفاية حتى بالنسبة لليمينيين الإسرائيليين الذين يطمعون في الأرض لكي يعدلوا من طموحاتهم في الأرض والتحول إلى الجدية في التفاوض حول حل الدولتين -قبل أن يصل مشروع الاستيطان إلى نقطة يوافق معها كل المراقبين الموضوعيين على أن وضع حل الدولتين أصبح مستحيلاً تماماً.
على الأقل، يبدو هذا سيناريو متفائلاً. وثمة سيناريو أكثر تشاؤماً حتى لو قدر لحملة حقوق مدنية سلمية ضخمة أن تمضي قدماً، والذي يتمثل في إقدام القيادة الإسرائيلية على العودة إلى غرائزها للبقاء عبر اعتناق مبدأ العيش بالسيف، وإيجاد طرق لاستخدام أدوات العنف لديها لقلب عربة الموسيقى السلمية. ولأن رواقية فكرة “اللاشعب” أزلية، فسيكون هناك عنف كرد من الجانب الآخر، وسنعود عندها إلى جولة أخرى من الدورة المميتة نفسها التي استمرت عقوداً. ربما يكون السيناريو المتشائم هو الأكثر ترجيحاً طالما ظلت السلطة في إسرائيل في أيدٍ مشابهة للأيدي التي تمسك بالسطة راهناً، وطالما استمرت السياسة الأميركية في توفير الغطاء للسلوك الإسرائيلي الذي يتفادى الأسئلة القاسية عن الديمقراطية والتفرقة العنصرية. والمطلوب مواجهة ذلك الملمح من السياسة الأميركية، وعدم التعويل على وجهات النظر المتضخمة الخاصة بقدرة المرء على صنع صفقة، إذا أراد صانعو السلام المستقبليون أن يحظوا بفرصة في النجاح.
بول بيلار
صحيفة الغد