رأى خبراء في الشؤون العسكرية الاستراتيجية أن قيام القوات السورية بفتح جبهة جديدة في شرق البلاد هدفه الحيلولة دون تمكن فصائل المعارضة القريبة من واشنطن من السيطرة على الحدود السورية العراقية.
واعتبر هؤلاء الخبراء أن نظام دمشق، الذي لطالما تحدث عن “سوريا المفيدة” الواقعة غرب البلاد، بدأ يتحسس حاجته الملحة إلى السيطرة على مناطق في الشرق بغية الحفاظ على ممر التواصل مع إيران من خلال العراق، وأن حزب الله في لبنان سيكون حريصا على تأمين هذا الممر بغية حماية طرق التواصل بين لبنان وإيران.
وقالت مصادر المعارضة الاثنين إن الجيش السوري مدعوما بفصائل تدعمها إيران، نقل قوات إلى منطقة صحراوية قرب حدوده مع العراق والأردن وذلك في الوقت الذي تعزز فيه قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة السيطرة على منطقة انسحب منها مقاتلو تنظيم داعش في الآونة الأخيرة.
وأضافت المصادر أن معلومات المخابرات المتوافرة لديهم أظهرت تحرك المئات من الجنود السوريين وفصائل شيعية مدعومة من إيران بدبابات ومعدات ثقيلة للسيطرة على بلدة السبع بيار النائية الواقعة قرب الطريق الاستراتيجي الرئيسي بين دمشق وبغداد الأسبوع الماضي.
واعتبر مراقبون غربيون أن فتح معركة الشرق يعني أن دمشق المدعومة من طهران تريد التدخل للتأثير على الخرائط التي ترسم في البلاد.
ورأى هؤلاء المراقبون أن إثارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحافي الأخير لمسألة دير الزور واعتبارها أولوية على تحرير الرقة، أعطت الإشارات الأولى لعزم دمشق وحلفائها على تغيير خططهم وتحويل قواتهم في الاتجاه الذي يتيح حماية الممرات العسكرية الإيرانية في سوريا.
وتؤكد هذه الأوساط أن التحرك الإيراني السوري باتجاه الحدود الشرقية الذي يتواكب مع حشود للميليشيات الرديفة باتجاه الحدود الغربية للعراق يمثل خطة إيرانية شاملة لضمان سيطرة القوات الموالية لإيران على الحدود بين البلدين.
ويرى رئيس تحرير جريدة “الوطن” السورية القريبة من السلطات وضاح عبدربه أن الهدنة الناتجة عن اتفاق “مناطق خفض التصعيد” الأخير “سيسمح لجزء من الجيش السوري بالانتشار نحو الشرق باتجاه مواقع سيطرة تنظيم داعش وتحديدا الحدود العراقية ودير الزور”، مضيفا أن هدف العمليات العسكرية المقبلة سيكون “ردع الولايات المتحدة والقوات التي تدعمها من أن تبسط سيطرتها الكاملة على شرق البلاد”.
ويؤكد مسؤول سوري أن الجيش يتقدم على ثلاثة محاور: الأول ينطلق من ريف دمشق بهدف فتح طريق مواز لطريق دمشق بغداد القديم باتجاه معبر التنف على الحدود العراقية. وينطلق المحور الثاني من ريف تدمر الشرقي في حمص (وسط) باتجاه مدينة السخنة الاستراتيجية، لإطلاق عملياته نحو دير الزور، أما المحور الثالث فينطلق من أثريا في حماة (وسط) باتجاه دير الزور أيضا.
ويرى الباحث الفرنسي المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش أنه “بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في معقله في الرقة، تعتزم واشنطن مواصلة عملياتها حتى البوكمال” الحدودية مع العراق.
وفي حال تمت السيطرة على الرقة، حسب بالانش، “من الأفضل للجيش السوري المضي قدما شرقا”، مضيفا أنه “إذا أراد الرئيس السوري بشار الأسد الحفاظ على سوريا موحدة، فهو يحتاج إلى ما يعرف بسوريا (غير المفيدة) أيضا”.
ويتساءل بعض المراقبين عما إذا كانت دمشق تتحرك وفق تفاهم روسي أميركي في هذا الشأن، أم أنها بصدد اختبار رد الفعل الأميركي، لا سيما أن قوات المعارضة التي تقدمت من الجنوب وسيطرت على مساحات شاسعة من البادية السورية كان تنظيم داعش يسيطر عليها، تعمل تحت رعاية أميركية، بما يعكس اهتماما أميركيا بالسيطرة على هذه المناطق، وربما يعكس اهتماما بالإمساك بالحدود السورية العراقية من الجانبين.
وذكر مراقبون للشؤون السورية أن الخطة السورية دونها الكثير من الصعوبات إلا إذا كان هناك تفاهم دولي بشأنها، علما أن ما تسرب من اللقاءات الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في واشنطن، سواء مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون أو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يشي بأي تفاهم من هذا النوع.
وتعتقد أوساط سياسية لبنانية أن إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تسليم مواقع قوات الحزب على الحدود السورية اللبنانية، هدفه نقل قوات من الحزب لتنضم إلى قوات تابعة لإيران في معركة الحدود الشرقية السورية خدمة لخطط طهران الراهنة في هذا الشأن.
وكانت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية قد كشفت في أكتوبر الماضي عن خطة إيرانية يشرف على تنفيذها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط عبر شق ممر من غرب الموصل في الشمال العراقي يرتبط بمناطق يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا وصولا إلى لبنان.
بيد أن تغير الخرائط الميدانية، على ما يبدو، دفع دمشق وطهران إلى التعجيل في التلويح بخيار الشرق للسيطرة على الشريان الحدودي ما بين إيران وسوريا.