أصبح المسلمون الأميركيون يواجهون خياراً الآن: التصويت للديمقراطيين، أو التصويت لطرد أنفسهم من الجزيرة. هكذا لخص لي الموضوع هذا الشهر هارون موغول، مؤلف كتاب المذكرات القادم “كيف تكون مسلماً” -وهكذا يشعر أيضاً العديد من نظرائي من الناخبين المسلمين الأميركيين.
وإذن، بعد أن تبنى الجمهوريون برنامجاً متطرفاً معادياً للمهاجرين وللمسلمين، هل أصبح الحزب الديمقراطي هو بيتنا السياسي الوحيد المناسب؟
يقول حسين رشيد، أستاذ الأديان في كلية برنارد: “أنا كمسلم، سأصوت لصالح يسوع المسيح، لكن الجمهوريين لن يسمحوا له بالدخول، والديمقراطيين لا يؤمنون به”. ويتحدث رشيد بمرارة عن خياراته السياسية. ومثله تماماً، لا يستطيع العديد من المسلمين الأميركيين تصور التصويت لممثل فيلم “وحيداً في المنزل 2” الذي هلل للتعصب المعادي للمسلمين على طول الطريق إلى البيت الأبيض. كما أنهم يدعمون أيضاً السياسات التقدمية، مثل الرعاية الصحية بأسعار معقولة والأجور المناسبة للمعيشة. لكنهم في دواخلهم يلتزمون بالقيم التقليدية، ويؤمنون بالله، ويعتقدون أن زواج المثليين خطيئة، على الرغم من أن عدداً متزايداً منهم أصبحوا يدعمون المساواة في الزواج. فهل يمكن أن تمتد الخيمة التقدمية لتشملهم أيضاً؟
يعبر صابر إبراهيم، وهو محام باكستاني أميركي من منطقة خليج سان فرانسيسكو، عن الشك في ذلك. وعلى الرغم من أنه “أغلقتُ أنفي وصوتُّ لصالح هيلاري كلينتون”، فإنه يرى عدائية لدى التقدميين تجاه الحساسيات المحافظة اجتماعياً.
على سبيل المثال، استشهد بخيانة الليبراليين في وقت سابق من هذا العام، عندما أشار تقرير إخباري إلى أن نائب الرئيس، مايك بينس، قال ذات مرة واحدة إنه يتجنب تناول الطعام بمفرده مع النساء اللاتي لسن زوجته -وهو أمر يمارسه بعض الرجال المسلمين أيضاً. لكن السخافة الليبرالية، وفقاً للسيد إبراهيم، تنجم عن عقيدة دوغماتية ضيقة الذهن، والتي تتطلب إجماعاً من كامل الطيف على مجموعة معينة من القيم الثقافية.
بشكل عام، حذ كل شخص تحدثت إليه تقريباً من أن الديمقراطيين لا يمكن أن يأخذوا صوت المسلمين كشيء مسلم به. وعلى الرغم من أن هناك حوالي ثلاثة ملايين منا فقط، فإننا نعيش في ميدان معركة حاسم. (في فلوريدا، ساعد الناخبون المسلمون في دفع جورج بوش إلى النصر في العام 2000).
يعتقد الكثير من المسلمين أن أي احتضان لهم من جانب الحزب الديمقراطي اليوم هو مجرد دعوة شفقة متأخرة أخرى، يقدمها أطفال شعبيون للنزويين والمهوسين، حتى يتمكنوا من الاستمرار في استخدامنا لحل واجباتهم المنزلية، ويتناولوا دجاج التندوري الذي تصنعه أمهاتنا ويستعملونا كهراوة لضرب الجمهوريون.
ما يزال المسلمون، وهم من بين أكثر الطوائف الدينية تنوعاً في أميركا، موجودين في اثنتين من النكهات على ما يبدو: الغاضب التقدمي؛ أو الأصولي الديني الغاضب. ويسألني العديد من الجمهوريين: “لماذا لا تدينين التطرف؟” أو “ماذا تفعلين لمحاربة الدولة الإسلامية؟” كما لو أنني يمكن أن أكشف المتشددين بشكل سحري باستخدام باستخدام حاستي السادسة المتطرفة، كما يعتقدون.
في الدوائر الليبرالية الأميركية، أظل على ما يبدو مسلمة آمنة ومفيدة، إلى أن يعرفوا حقيقة أنني لا أشرب الكحول وآخذ ديني على محمل الجد حقاً. وقد سمعت أشياء من قبيل: “أوه، أنت تصلين؟ اعتقدتُ أنك تقدمية” -وهو تعليق يبدو أنه يفترض أنني أقف ضد حقوق المرأة والديمقراطية والمساواة في الزواج والعطور، فقط لأنني أصوم في شهر رمضان.
خلال الانتخابات التمهيدية للعام 2016، بدا لي أن الديمقراطيين كانوا يصعدون على ظهور المسلمين، بما في ذلك الملتزمين دينياً منهم والتقليديين. وفي إحدى المرات، دعا بيرني ساندرز امرأة شابة ترتدي حجاباً إلى المسرح ووعد بمحاربة “جميع أشكال العنصرية”. وحملت نشرة الديمقراطيين صورة لوالديّ الجندي القتيل الحاصل على وسام النجمة الذهبية، خضر وغزالة خان.
وقد استمر هذا الاحتضان للمسلمين منذ الانتخابات. وعلى سبيل المثال، تلقى حسن منهاج مؤخراً على حفاوة كبيرة في جمعية المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض بعد نقده الشديد للسيد ترامب. ويحتشد التقدميون خلف ليندا صرصور، وهي سيدة أميركية فلسطينية في بروكلين، والتي كانت واحدة من منظمي مسيرة النساء.
قد يبدو هذا مثل موكب حب كومبايا، لكنني لست مقتنعة بأن المسلمين يستطيعون شراء مسحوق البهارات الحلال من دون الشعور ببعض الخوف.
كان قبل تسع سنوات فقط، حين منع العاملون في حملة أوباما في ديترويت امرأتين ترتديان الحجاب من الجلوس خلف المرشح، حتى لا تظهرا في الصور الفوتوغرافية. وقبل شهرين من انتخابات العام 2008، دعيت إلى اجتماع لجمع التبرعات في وادي السيليكون حضره هوارد دين، رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية. وسألته لماذا لم يكن الديمقراطيون يحتضنون الناخبين المسلمين صراحة. فأجاب “لماذا؟ إن الانتخابات لا تبعد سوى شهرين”.
على الرغم من أن هناك جانباً غير سار من مغازلة الديمقراطيين للناخبين المسلمين، فإن الأمر ليس كما لو أن الجمهوريين سيحصلون على تصويتنا مرة أخرى في أي وقت قريب. وذلك يتركنا أمام الخيار: إما الديمقراطيين -أو ليس أياً من الحزبين.
في الفترة الأخيرة، لاحظت داليا مجاهد، مديرة الأبحاث في معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم في واشنطن، أن البيانات تظهر أن العديد من المسلمين لم يكونوا يحبذون السيدة كلينتون ولا السيد ترامب.
وقال الإمام مكرم الأمين، من ولاية مينيسوتا، “إن بعض الليبراليين يمكن أن يظهروا أيضاً كمتطرفين”، مشيراً الى بيل ماهر كمثال على شخص لا يرى أي اختلافات أو “طبقات” في المسلمين الأميركيين. وبصفته مسلماً أميركياً مسلماً، يقول الأمين إنه “لن يخضع لتعريف أولئك الذين يجرون اختبارات عباد الشمس على الناس، ولن يجبروه على اتخاذ قرارات”.
على أي حال، ما يزال كل من التقدميين والمجتمعات المسلمة في حاجة إلى استنطاق فقاعاتهم وأرثوذكسيتهم. ويبدو بعض المسلمين المتلزمين، مثل نظرائهم الجمهوريين والتقدميين، غير مستعدين لفتح خيمتهم، خائفين من أنهم إذا قبلوا الجميع، فإن كل شيء سوف ينهار. وإذا قبلت الطوائف الدينية القيم “التقدمية” -أو حتى وجود مسلمين مثليين، ومسلمين نسويين، وأفراد يتزوجون من خارج ديانتهم- فإن العواقب، كما يتصورون، ستكون أن أبنائهم سيهجرون الدين، وينخرطون في شلل، ويستنشقون الكوكايين على طاولة بار، حيث ترقص نساء مسلمات، بوشم مرسوم على أسفل الظهر، بأحذية الكعب العالي.
من الناحية الأخرى، تقول فوزية ميرزا، وهي رواية قصص عن مثليي الجنس ولدت لأبوين مهاجرين باكستانيين، إن العديد من التقدميين في تجربتها “لم يلتقوا حتى الآن بأي شخص شاذ جنسياً ومسلم”. وتقول إن أسوأ كابوس بالنسبة لهم هو أن المسلمين “سوف يأتون يجعلون بناتهم يرتدين الحجاب”.
أحد الأمور الإيجابية التي خرجت من هذه اللحظة السياسية، هو أن مجتمعاتنا أصبحت مجبرة على مواجهة قضايا مثل العنصرية والتحيز الجنسي والتعصب المعادي للمسلمين، والتي كانت موجودة دائماً، وإنما مخبأة تحت شعارات بلا أسنان تتحدث عن التقدم. والآن، أصبح علينا أن نقوم بالعمل الشاق حقاً لتحقيق ذلك.
وجاهات علي
صحيفة الغد