شذى خليل*
اختتم امس في مدينة سان بطرسبورغ الروسية أعمال منتدى “بطرسبورغ الاقتصادي الدولي 2017″، الذي انعقد هذا العام في نسخته الـ 21 تحت شعار “البحث عن توازن جديد في الاقتصاد العالمي .
ويعد المنتدى الذي استمر ثلاثة ايام ساحة عالمية رائدة للقاءات بين رجال الأعمال ومناقشة القضايا الاقتصادية الرئيسة في العالم.
وشارك في المنتدى نخبة من السياسيين والاقتصاديين ورجال الاعمال من مختلف أنحاء العالم، ومنهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير النفط العراقي جبار لعيبي، ووكيل وزارة النفط معتصم اكرم حيث كان هناك اهتماما كبيرا بالوفد العراقي ، حيث التقى لعيبي بنائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة الروسي .
وعلى هامش المنتدى شدد وزير النفط العراقي جبار لعيبي على ان الخصخصة التدريجية لمحطات الوقود وغيرها من مرافق البنية التحتية لتسويق النفط ستسهم في تحسين الأداء في قطاع الطاقة ، مؤكدا انها خطوة ملحة ومهمة لتحسين الأداء، ومن المفيد الاشارة هنا فمنذ تسلم وزارة النفط للخبير النفطي المستقل جبار لعيبي ، شهدت تقدما ملموسا وواضحا في ادائها، الامر الذي انعكس بشكل ايجابي على الاقتصاد العراقي.
وفيما يخص استقلال اقليم كوردستان وتأثيره على اسعار النفط ، أكد لعيبي، أن استقلاله، هو خطوة سياسية، ولن تكون لها تأثير كبير على اسعار النفط.، واضاف: ” ان العراق قد يحاول مرة أخرى الخروج من اتفاق تقليص النفط لدول “أوبك” وخارجها.
ان العراق له ثقل استراتيجي وحيوي في المنطقة الاقتصادية، ورغم الاوضاع والتحديات التي يعيشها بمواجهة الارهاب، الا ان حضوره مهم وفعال.
ومن المشاركين ايضا في المنتدى ، رئيس وزراء اقليم كوردستان نيجيرفان بارازاني، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والمستشار النمساوي كريستيان كيرن، وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، إلى جانب شخصيات سياسية واقتصادية عالمية هامة أخرى
ومن أهم الاتفاقيات الموقعة اتفاقية مع إقليم كردستان العراق الذي ترأسه نيجيرفان البارزاني لاستكشاف وتطوير خمسة حقول، وحزمة من اتفاقيات مع الاقليم في مجال النفط مع شركة “روس نفط ، وفي مجالات الخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية وتجارة موارد الطاقة، وهنا سؤال يطرح نفسة هل العقود في اقليم كوردستان ، ام في كركوك ، ام في المناطق المتنازع عليها، اذ لم يتم التوضيح ؟
وقال المتحدث الرسمي باسم شركة “روس نفط” ميخائيل ليونتيف إن الشركة الروسية أبرمت العقود مع اقليم كوردستان في مجالات التنقيب والخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية وتجارة موارد الطاقة، لمدة 20 عاما.
واوضحت “روس نفط” ” كبرى شركات النفط الروسية في إدارة وتطوير خط أنبوب تصدير النفط الرئيس، الذي يمتد من كردستان إلى تركيا في بيان لها أن قدرة هذا الأنبوب تبلغ حاليا 700 ألف برميل يوميا، لكنها لم تكشف عن قيمة أو كميات النفط التي ستستورد بموجب العقود، والتي من المقرر زيادتها إلى أكثر من مليون برميل بحلول أواخر العام الحالي.
وأضافت الشركة ان العقود المبرمة تتضمن الشروط الأساسية للتعاون في إنشاء مؤسسة مشتركة لتنفيذ عقد طويل المدى في مجال البنية التحتية في كردستان العراق.
ويعد إقليم كردستان سوقا واعدة للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة، بحسب مسؤول “روس نفط”، إذ يمتلك الإقليم احتياطيات تقدر بـ 45 مليار برميل من النفط، و5,7 تريليون متر مكعب من الغاز، وجاءت تلك الاتفاقيات استكمالا لمذكرات تفاهم وقعت بين الجانبين في فبراير/ شباط 2016 , على هامش مؤتمر “أسبوع البترول الدولي” في لندن.
وعلى هامش المنتدى بحث وزير الطاقة السعودي خالد الفالح مع نظيره الروسي ألكسندر نوفاك زيادة التعاون بين البلدين اللذين ، ولاسيما التكنولوجي منها، واتفاقا على تمديد خفض الإنتاج لمدة 9 أشهر إضافية حتى مارس/آذار 2018.
يذكر ان الدول المنتجة من داخل “أوبك” وخارجها مثل روسيا اتفقت بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2016 على تقليص الإنتاج بمقدار 1,8 مليون برميل يوميا لامتصاص تخمة المعروض ومعالجة تدهور الأسعار.
واكدت شركة “غازبروم نفط” الروسية مشاركتها في مشاريع طاقة بالمملكة، وإنشاء مراكز أبحاث مشتركة لتطوير وإدخال التقنيات المتقدمة في مجال النفط والغاز، منها مشروع لصناعة معدات نفطية لاستخدامها، إضافة لبيعها في أسواق أخرى.
من المشاركات المهمة في المنتدى المشاركة الهندية، مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا كضيف شرف ، والذي اكد أن الاهتمام تركز على العلاقات الاقتصادية خلال مباحثاته مع بوتين و مدراء الشركات الكبرى في الدولتين.
وتضمن المنتدى الاقتصادي 108 فعالية في مختلف المجالات، منها الجلسة العامة، وجلسات الحوار، بالإضافة إلى فعالية “المائدة المستديرة” والمناظرات التلفزيونية. وبحث المنتدى اعماله في اربعة اتجاهات رئيسة وهي: ديناميكية الاقتصاد العالمي، وخطة العمل الراهنة للاقتصاد الروسي، والتكنولوجيا الحديثة، والعامل البشري كأساس للتنمية، ومؤشرات تجاوز حالة الركود، وسبل تعزيز هذه الديناميكية وتقييم التحديات والمخاطر المرتبطة بإدخال تكنولوجيات جديدة”.
ويعد المنتدى الاقتصادي حدثا دوليا فريدا من نوعه في عالم الاقتصاد، إذ ناقش المشاركون خلاله القضايا الرئيسية الاقتصادية، التي تواجه روسيا والعالم بأسره، ويعد منصة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد الروسي.
ويرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن التغيرات الواسعة التي يشهدها العالم حاليا تتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ تدابير لتحسين بنية الحوكمة الدولية، وتنسيق الخطوات لتوزيع منافع العولمة على جميع القطاعات، مشيرا الى ان توصيات المنتدى الاقتصادي ستسهم في تنمية التعاون الدولي، وتنفيذ المشاريع ذات المنفعة المتبادلة.
وسلط المنتدى في جلساته الضوء على قضايا منظمة شنغهاي للتعاون، وتكتل دول “بريكس” (روسيا، الهند، البرازيل، الصين، جنوب أفريقيا)، إضافة لمواضيع منتدى “فالداي”، وللمرة الأولى تنظم على هامش المنتدى دورة لمهرجان الشباب والطلبة العالمي.
وركز المنتدى على الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير التعاون من لشبونة إلى فلاديفوستوك، وعقد مؤتمرين: لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) أحدهما يتطرق للتعاون بين روسيا وبلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والآخر يسلط الضوء على نشاط السيدات في قطاع الأعمال بأوروبا والدول العربية، إلى جانب فعاليات رياضية مثل مباريات كرة القدم وكرة السلة والتنس والشطرنج والبلياردو والجولف، وثقافية تشمل عروض مسرحية وحفلات موسيقية ومعارض.
ويعكس برنامج المنتدى لعام 2017، بحسب مستشار الرئيس الروسي والسكرتير التنفيذي للجنة المنظمة للمنتدى أنطون كوبياكوف، الاتجاهات الاقتصادية الراهنة في روسيا والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي حاليا، كما وبحث المشاركون آفاق التنمية المستدامة للنظام الاقتصادي العالمي.
وتضمن برنامج منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي جلسة لدول “البريكس” وجلسة لدول “مجموعة العشرين” التي خصصت للاستثمار والتجارة العالمية، بالإضافة الى لقاءات مهمة .
ووفقا لكوبياكوف، فقد تمت دراسة مواضيع المنتدى 2017 بحرفية وفقا للتوجهات الاقتصادية الحديثة، وأضاف “أن الاختلالات الاقتصادية في روسيا والعالم في السنوات الأخيرة بحاجة إلى توازن جديد، لذلك رؤساء الدول والحكومات ومدراء الشركات الكبرى وكبار الخبراء الدوليين المشاركين في أعمال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، ركزوا على كيفية بلورة التوازن في الاقتصاد العالمي
ويرجع تاريخ المنتدى الاقتصادي ، في روسيا الى عام 1997، تحت اسم منتدى “بطرسبورغ الاقتصادي الدولي” ، ومنذ عام 2006 يشارك فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل سنوي،
ويسمى بـ”منتدى دافوس الروسي”، بسبب حجمه ومستوى المشاركين في فعالياته، من سياسيين واقتصاديين على مستوى العالم.
ووقعت روسيا خلال أعمال المنتدى في العام الماضي 332 اتفاقية وصفقة بقيمة 1,024 تريليون روبل أي ما يعادل نحو 15,5 مليار دولار، مما يدل على ضخامة حجم المشاريع واهميتها.
وفي الدورة الماضية للمنتدى اكد بوتين الترابط الوثيق بين الاقتصاد والسياسة ، وان روسيا لا تسعى الى حرب باردة مع الغرب ، واعتبر العقوبات الاقتصادية على روسيا سلاحا ذا حدين، واوصى رجال الاعمال الأوربيين التطلع مع روسيا لاستعادة الثقة في العلاقات الاوربية الروسية ، واعاد التعاون بين الجانبين.
واوضح بوتين حينها حجم الكساد المالي في روسيا ، الذي يؤدي الى هبوط حاد بأسعار النفط ،و بعد انضمام الصين الى الشركات الاوربية الاسيوية ، لتكون اكثر فاعلية وحيوية عليها من ذي قبل، ويطمح بوتين ان تتحول تلك الشراكة الى شراكة كبرى ، مشيرا الى ان اقامة الصين شراكة اقتصادية تجارية شاملة مع اوربا بمشاركة دول الاتحاد الاقتصادي وروسيا ، ستؤثر على علاقات التعاون مع روسيا .
وبين محافظ مدينة سان بطرسبورغ غيورغي بولتافتشينكو ان رجال أعمال من الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية يظهرون اهتماما بالمنتدى، كما أن المنتدى سيشهد عودة الحوار بين قطاعي أعمالالبلدين بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب العقوبات الغربية ضد روسيا.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعلن أن الاقتصاد الروسي دخل مرحلة نمو جديدة، بالتزامن مع زيادة الاستثمارات في البلاد.
واشار الى أن الاقتصاد ينمو للربع الثالث على التوالي، وفي شهر أبريل نما الناتج المحلي الإجمالي بحسب التقديرات الأولية بنسبة 1.4%، ويترافق ذلك مع ارتفاع مبيعات السيارات وزيادة القروض السكنية، وهذه المؤشرات دليل مهم الى انتعاش الاقتصاد الروسي، وزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، وأن الخبراء والمستثمرين يلاحظون كفاءة عالية للسياسة الاقتصادية الروسية.
واوضح بوتين أن نمو الاستثمارات تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الروسي في الربع الأول من العام الحالي نحو 7 مليارات دولار، وهو أفضل مؤشر خلال السنوات الثلاث الماضية، وشكلت بذلك نسبة نمو الاستثمارات في الربع الأول 2.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأضاف بوتين ان روسيا منفتحة لتنفيذ المشاريع والتعاون في قضايا تنمية الاقتصاد العالمي، وتوحيد الجهود لضمان نمو مستدام للاقتصاد العالمي ومواجهة التحديات الدولية للتغلب على اختلال التوازن الحالي، والحد من الفقر، ووضع قواعد عادلة للتجارة والمنافسة.
واضاف الوزير الروسي نوفاك، إن العالم يراقب أنشطة روسيا في مجال الطاقة، ويبدي اهتماما للتعاون معها في مجال النفط والغاز، وأن الطاقة احتلت حيزا واسعا من أعمال المنتدى، فمشاركة 20 وزيرا من دول مختلفة تؤكد أهمية المنتدى على الساحة الدولية، مشددا على “مستقبل النفط والغاز”.
وأكد نوفاك أن جميع المشاركين اتفقوا على أن حقبة موارد الطاقة التقليدية ستستمر لعدة عقود، والطلب على موارد الطاقة سيبلغ ذروته في الفترة بين 2040 و2050.
وبين انه رغم تطوير مصادر طاقة متجددة، إلا أنها لا تغطي الطلب المتنامي على الطاقة في العالم، وستبلغ حصة هذه الموارد في العام 2040 نحو 80% من قطاع الطاقة العالمي، مقابل 10% لمصادر الطاقة المتجددة.
واشار نوفاك الى ان روسيا تنفذ عدة مشروعات استراتيجية في الوقت الراهن، أهمها مشروع نقل الغاز الروسي عبر قاع بحر البلطيق إلى أوروبا “السيل الشمالي 2″، ومشروع نقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر قاع البحر الأسود “السيل التركي”، ومشروع “يامال” الهادف إلى تطوير حقل جنوب تامبي بشبه جزيرة يامال في أقصى شمال روسيا، والذي تقدر احتياطاته من الغاز الطبيعي بنحو 1,3 ترليون متر مكعب، كما يتضمن مشروع “يامال” بناء مصنع للغاز الطبيعي المسال بقوة إنتاجية تبلغ 16,5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية