لندن ـ «القدس العربي»: للمرة الثانية وخلال ثلاثة أشهر تتعرض العاصمة البريطانية لندن لهجوم إرهابي نفذه ثلاثة أشخاص قتلتهم الشرطة بعد ثماني دقائق من تلقيها أنباء عن شاحنة صغيرة قامت بدهس المارة على جسر لندن (لندن بريدج).
وقال شهود عيان إن المهاجمين الثلاثة كانوا يحملون سكاكين طويلة اعتدوا بها على الذين خرجوا للاستمتاع بربيع لندن في «بارا ماركت» السوق الشهير قرب الجسر. وبلغت حصيلة قتلى الهجوم عشرة بالإضافة إلى المهاجمين الثلاثة و48 جريحاً وزعوا على المستشفيات القريبة من الحادث. وقتل أحد الضحايا عندما انحرفت الشاحنة الصغيرة على الممر المخصص للمشاة على الجسر.
ويأتي الهجوم والبريطانيون لم يتعافوا بعد من آثار العملية الانتحارية التي نفذها سليمان العبيدي قبل أسبوعين في «مانشستر أرينا» في مدينة مانشستر ثاني المدن البريطانية حيث فجر نفسه في بهو القاعة في نهاية حفلة موسيقية للمغنية الأمريكية أريانا غراندي.
وقتل في الهجوم الذي أعلن تنظيم «الدولة» مسؤوليته عنه 22 شخصاً بينهم أطفال وعشرات الجرحى. وكشفت الشرطة عن لقاء تم بين العبيدي ومسؤولي تنظيم «الدولة» في ليبيا، ذلك أنه نفذه بعد عودته من زيارة عائلته هناك بأيام قليل.
ولا يختلف الهجوم الذي تم ليلة السبت عن هجوم نفذه خالد مسعود على جسر ويستمنستر في 22 آذار/مارس حيث دهس بسيارته 4 من المارة على الجسر الذي يزدحم عادة بالسياح الذين يزورون البرلمان وبيغ بن وعين لندن (لندن آي). وتعاملت الشرطة مع الهجوم باعتباره إرهاباً له علاقة بالجماعات الإسلامية المتشددة مع أن مسعود ربما تصرف بقرار من نفسه. والآن تواجه بريطانيا هجوماً ثالثاً جاء قبل أقل من اسبوع من بدء الانتخابات العامة التي دعت لها رئيسة الوزراء تيريزا مي.
وظلت المحطات التلفزيونية خاصة «بي بي سي» تنقل وقائع ما يجري على الهواء مباشرة وتحدثت لشهود عيان وسط أصوات صافرات الإنذار التي انطلقت من سيارات الشرطة والإسعاف. وطلبت الشرطة من المارة الهروب والاختباء وإسكات هواتفهم حيث بدأت عملية بحث عن المهاجمين.
وتسابقت صحف لندن للتعبير عن الشعور بالرعب من مشهد المذبحة والحصار الذي عاشته العاصمة البريطانية. ففي صحيفة «صنداي تايمز» «مذبحة على جسر لندن بعدما استهدف الإرهابيون المحتفلين»، وكان عنوان صحيفة «أوبزيرفر» «هجوم إرهابي مزودج يضرب لندن عشية الانتخابات».
وجاء عنوان صحيفة «صن» الشعبية «إرهاب على جسر لندن». واختارت صحيفة «ميرور» الشعبية عنوان «لندن في رعب» وجاء عنوان صحيفة «إندبندنت» «ليلة رعب بعدما ضرب هجوم قاس العاصمة»، أما «دايلي نيوز» فجاء عنوانها «لندن تحت الحصار». وتبحث الشرطة عن دوافع المهاجمين إلا أن طبيعته متناسقة مع هجمات مماثلة دعا إليها تنظيم «الدولة» الذي تتراجع حظوظه في العراق وسوريا وسط تكالب بين القوى المحلية والدولية على مناطقه التي كان يسيطر عليها.
ولو ثبت أن له علاقة بهذا الهجوم الأخير فهو تأكيد لمحاولته تأكيد على حضوره أمام اتباعه بضرب القوى المشاركة في الهجوم عليه أو التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي شدد فيه الجهاديون في العامين الماضيين هجماتهم على كل تركيا وفرنسا وألمانيا أصبحت بريطانيا الهدف الرئيسي.
ولم تتعرض هذه لهجمات منذ الهجوم الذي نفذه ناشطوا القاعدة عام 2005 وستواجه السلطات الأمنية أسئلة حول أسباب الحوادث الأخيرة ولماذا قررت الحكومة تخفيض حالة التأهب الأمنية بعدما رفعتها للدرجة القصوى.
وفي العادة ما يدعو تنظيم «الدولة» أتباعه لزيادة الهجمات في شهر رمضان. وفي العام الماضي قتل الآلاف جراء هجماته التي امتدت من بنغلاديش إلى سوريا والعراق وأوروبا والولايات المتحدة. وتؤكد هذه الهجمات على أن خطر التنظيم لن يختفي حتى لو خسر مناطقه التي أعلن عليها «خلافته» قبل 3 أعوام وتتداعى اليوم حصونها في الموصل والرقة.
وطالما لم تحل المشاكل الرئيسية التي أدت لنشوئه فسيظل خطره قائماً. وما يمكن رصده من التنافس الحالي بين القوى التي اتحدت لقتاله يؤشر لعودة قريبة له أو لشكل قريب منه.
تكالب
وفي هذا السياق كتب أندرو تابلر، الزميل في معهد واشنطن مقالة في مجلة «فورين أفيرز» عما سماه التكالب على شرقي سوريا والتي تشهد قوى إيرانية وميليشيات شيعية (الحشد الشعبي) وقوى كردية مدعومة من الولايات المتحدة وأخرى تابعة للجيش السوري الحر وقوات النظام والروس كلهم يحاولون الحصول على حصته من كعكة التنظيم.
ويتحدث تابلر في البداية عن الضربة التي وجهها الطيران الأمريكي لقافلة عسكرية موالية لنظام الاسد رفضت الاستماع لتحذيرات الأمريكيين والتوقف عن التقدم باتجاه قاعدة التنف، قرب الحدود السورية – الأردنية التي يقول إنها مشمولة بالاتفاق الأمريكي- الروسي بشأن تجنب الصدام بينهما.
وجاء هذا بعد أيام من إعلان القاعدة الروسية في حميميم والمستشارون العسكريون أنهم سيدعمون قوات الأسد في محاولاتها الدفع باتجاه الشرق لتنظيف الطريق السريع من دمشق إلى بغداد وبالتالي منع إقامة منطقة عازلة تدعمها الولايات المتحدة في شرقي سوريا. وحدث كل هذا بعد إعلان واشنطن في التاسع من أيار/مايو أنها ستقدم أسلحة نوعية للمقاتلين الأكراد الذي تشير إليهم بقوات سوريا الديمقراطية ومساعدتهم في استعادة الرقة، وهو قرار أغضب تركيا.
ويعلق تابلر قائلاً إن الأفعال التي يقوم بها كل طرف تغلف عادة بغلاف محاربة تنظيم «الدولة» ولكنها في الحقيقة تعبير عن الخطوة المقبلة حيث يراقب كل طرف نقاط ضعف الآخر. ويتوقع والحالة هذه أن يتعرض اتفاق تجنب الصدام لامتحان مع إمكانية حوادث ليس بين القوات الأمريكية وحلفائها ولكن مع الروس والإيرانيين.
وعليه يقترح الكاتب اتفاقاً أمريكياً ـ روسياً على المعايير التي تخفف المواجهة بينهما وتضعهما في الجبهة نفسها ضد تنظيم «الدولة» وضد الطموحات الإيرانية لبناء ممر من طهران عبر العراق إلى البحر المتوسط.
ولا يتوقع حدوث هذا طالما ظل النظام السوري متماسكاً. ويقول إن قرار النظام الدفع باتجاه قاعدة التنف لم يأت عبثًا فالرسائل الخارجة من قاعدة حميميم تشير إلى تعاون روسي- إيراني.
برقية
وحسب ما جاء في برقية « ستشهد المرة المقبلة تعاوناً على أعلى المستويات بين القوات العراقية والقوى الداعمة لها وبدعم من الخبراء العسكريين الإيرانيين وبتعاون من الطيران الروسي من أجل دعم قوات النظام السوري.
وبالإضافة لتأمين الطريق السريع بين دمشق وبغداد ستقوم الحملة العسكرية بالتسابق مع المعارضة المسلحة التي تخطط لإقامة منطقة عازلة قرب مرتفعات الجولان والحدود الأردنية ـ العراقية وبدعم أمريكي مباشر».
ويعتقد تابلر أن التعاون الروسي ـ الإيراني حفزه تحركان مهمان، الأول الضربة العسكرية الأمريكية لقاعدة الشعيرات في نيسان/إبريل بسبب استخدام النظام السلاح الكيميائي في خان شيخون، قرب إدلب. أما الثاني فهو قرار تقديم الدعم العسكري للمقاتلين الأكراد.
ويعكس التطوران انخراطاً أمريكياً أوسع في الشأن السوري. وتعتبر الخطة الأمريكية امتدادًا للخطة التي تم تصميمها في ظل إدارة باراك أوباما وقامت على تقديم الدعم لمقاتلي وحدات حماية الشعب التي تعتبر الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي وهو الفرع السوري الكردي لحزب العمال الكردستاني، بي كا كا، الجماعة الإنفصالية التركية والمصنفة إرهابية لدى وزارة الخارجية الأمريكية وتركيا والاتحاد الأوروبي.
ومن أجل التغلب على هذه المشكلة قامت واشنطن بإنشاء مظلة «قوات سوريا الديمقراطية» حول قوات حماية الشعب لنيل دعم العرب الذين يشكلون غالبية السكان في شرق سوريا ووادي الفرات معقل تنظيم «الدولة».
ومن الناحية العسكرية أثبتت الخطة نجاحاً عسكرياً حيث انحسر وجود الجهاديين إلى الرقة ومناطق في دير الزور أما من الناحية السياسية فالأكراد هم من يتسيدون «قوات سوريا الديمقراطية» مع وجود بعض الفصائل العربية التي انضمت إليها، وهي إما من العرب المسيحيين وأقليات أخرى وإما من القبائل البدوية.
ونظرًا لعدم قبول العرب لسيطرة كردية على مناطقهم بعد طرد الجهاديين فالنظام يرى فرصة له هناك ويمكن أن يقدم نفسه كبديل عن قوات سوريا الديمقراطية. وهو ما فهمته كل من روسيا وإيران اللتين عززتا من دعمهما للميليشيا الجديدة «الفيلق الخامس ـ اقتحام» والدفع من حلب ومنبج في شمال ووسط سوريا إلى الشرق والجنوب على طول الضفة الغربية للفرات باتجاه الرقة. وخطة كهذه مفيدة للنظام ولكنها تمثل لروسيا خطوة لإحباط الخطط الأمريكية.
ضعف
ورغم طموح الخطة الروسية ـ الإيرانية إلا أنها لا تأخذ بعين الاعتبار مظاهر الضعف التي يعاني منها جيش النظام وعدم قدرته على التوسع بدون خسارة مناطق. فمنذ ظهور الفيلق الخامس وعندما بدأ يوسع عملياته خسر النظام مناطق في حماة وكاد أن يخسر المدينة نفسها. ولهذا اعتمد في حملاته لطرد المعارضة على الغاز الكيميائي. وفي ظل التدخل الأمريكي فلن يتمكن النظام من استخدام غاز السارين وبدعم إيراني- روسي. وبسبب ضعف قوات النظام اقترحت موسكو مناطق لتجميد النزاع بضمانة منها وإيران وتركيا وبالتالي القبول بتقسيم سوريا الفعلي.
وبالنسبة للولايات المتحدة تظل المنطقة في جنوب غرب سوريا والتي تضم درعا ومرتفعات الجولان منطقة صالحة لتجميد النزاع، خاصة أن المعارضة فيها معتدلة ويمكن التحكم بها على خلاف الفصائل الأخرى. وعليه فاتفاق لتجميد النزاع مع روسيا يمنح الولايات المتحدة فرصة لحماية الأردن وإسرائيل من الجهاديين ونظام بشار الأسد.
وقد تصبح منطقة لانطلاق العمليات ضد تنظيم «الدولة» في وادي الفرات. ويمكن أن يقدم العرب في الجنوب وبدعم من الأردن بديلاً أو مساعداً لقوات سوريا الديمراطية.
ويشير تابلر إلى ملمح آخر للتعاون الروسي ـ الإيراني وهو مساعدة طهران على بناء ممرها البري عبر العراق وسوريا إلى لبنان بحيث يمكنها من خلاله نقل شحنات الأسلحة لحليفها حزب الله. وخطة كهذه ستدفع الدول الداعمة للمعارضة مثل الأردن ودول الخليج لزيادة دعمها وبالتالي تصعيداً في النزاع. كما لن تقف إدارة دونالد ترامب مكتوفة الأيدي إزاء التوسع الإيراني في سوريا. وفي النهاية يعتمد التعاون الروسي ـ الإيراني على قدرة جيش النظام الإحتفاظ بالإراضي في ظل نقص القدرات البشرية.
ومن هنا فأفضل خيار أمام واشنطن هو ترك النظام يتوسع في منطقة الفرات وحتى لو تقدم باتجاه دير الزور، في وقت تقوم فيه بتعزيز القوات التي تدعمها في الجنوب باتجاه البوكمال على الحدود العراقية.
وسيكون لدى واشنطن الخيارات في جنوب سوريا لحماية حلفائها في الأردن وإسرائيل وإحباط محاولات إيران السيطرة على الطريق السريع بين دمشق وبغداد وربما وجدت في دعم العرب السنة بديلاً عن قوات سوريا الديمقراطية.
حرب التخوم
وفي مقاربة مشابهة لمايكل يونغ، مدير التحرير في مركز كارنيغي عن المعركة قال إنها معركة على «التخوم» في شرقي سوريا حيث كشفت التطورات الأخيرة هناك أننا على أبواب مرحلة جديدة في المعركة على البلاد. ويرى يونغ أن منطقة شرقي سوريا ظلت مهمة لآل الأسد لقربها من العراق وتركيا ونظراً لوجود أقلية كردية كبيرة فيها.
وتترقب كل الأطراف الخارجية نتائج المعركة على الرقة حيث ستتجه أنظارها بعد ذلك إلى دير الزور والميادين والبوكمال. ولهذا يهتم الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس بالسيطرة على المنطقة نظراً للثروة النفطية في دير الزور وللأهمية الرمزية لحدث كهذا فهو يمثل للأسد محاولة لإعادة بناء سوريا ما قبل 2011.
أما إيران فترى في المنطقة جزءًا من استراتيجية الردع حول إسرائيل وتأكيداً لنفوذها في الشرق الأوسط. ويشير يونغ إلى التطورات في التنف وتلقي جماعات معارضة تسليحاً من الأمريكيين كجزء مما تراه واشنطن المشاركة في الحملة ضد تنظيم «الدولة» والأهم من هذا هو مراقبة نشاطات إيران في جنوب ـ شرق سوريا. وتقوم الولايات المتحدة بتدريب شبان من دير الزور للعب دور في العمليات المقبلة ضد تنظيم «الدولة». ومع ذلك تكشف النشاطات الأمريكية انها تريد أن تلعب دوراً مهماً في نهايات النزاع. ولهذا السبب بدت روسيا قلقة من الوضع حول التنف. واستهدف الطيران الروسي في 31 أيار/مايو قوات المعارضة التي كانت تتقدم نحو حاجز ظاظا، شمال غرب الطريق السريع، دمشق- بغداد.
ويعلق يونغ أن تصريحات إدارة ترامب حول تحجيم الدور الإيراني في سوريا ظلت عامة، وتعزز الأحداث في جنوب ـ شرق سوريا هذا الموقف.
ولأن التحالفات التي تديرها إيران هناك متعددة فالكفة على الأرجح لا تميل لصالح أمريكا. مع أن واشنطن في خضم سباقها المحموم واللعبة الكبرى مع طهران تريد ان يكون لها الفضل في استعادة دير الزور لا بواسطة النظام السوري أو حلفائه الإيرانيين.
نسخة أكثر تطرفاً
والمهم في نهايات الحرب على التنظيم ليس السيطرة على مناطقه لكن ماذا سيحدث بعد؟ فالتكالب الحالي يشي بأن الدروس السابقة لا يريد «المنتصرون» تعلمها.
ففي مقال دانيال أر دي بتريس في مجلة «ناشيونال إنترست» قال فيه إن مدينة الموصل ستعود للحكومة العراقية، هذا أمر نعرفه وما لا نعرفه كيف ستتصرف هذه بعدما يتم طرد التنظيم من المراكز العراقية؟» ونحن لسنا بحاجة لأية تذكيرات أن واحداً من الأسباب القليلة التي سمحت لتنظيم «الدولة» باجتياح العراق كان بسبب معاملة القوات الأمنية العراقية السكان السنة باحتقار وتشكك جعلت أهل الموصل وتكريت والأنبار يحتفلون بهزيمتها كبداية لفجر جديد». وقال «لو لم يظهر القادة العراقيون من داخل الانقسام الطائفي القيادة وبدأوا بالنظر للتعاون والحوار وشمل الجميع واللامركزية السياسية كأرصدة لا تهديدات فربما شاهدنا في المستقبل منظمة أكثر تطرفاً من تنظيم «الدولة» تعود للمدن والمراكز نفسها وترتكب الفظائع نفسها، باستثناء ان القيادة العراقية لن تجد في هذه الحالة الجيش الأمريكي يعد المقاتلات من أجل منع انهيار الحكومة العراقية».
القدس العربي