أدلى جون ألين، اللواء المتقاعد الذي خدم في سلاح مشاة البحرية، والذي يتولى حاليا مهمة التنسيق في الحملة ضد تنظيم داعش، بشهادة إيجابية أمام الكونغرس خلال الأسبوع الماضي. لقد قال إن تنظيم داعش خسر «نصف قياداته في العراق، وآلاف المقاتلين الأشدّاء»، بفضل الهجمات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. و«قطع الرأس» هو المصطلح الذي يستخدم في وصف استراتيجية قتل قادة الجماعات الإرهابية. وتبنت الولايات المتحدة هذا النهج في مواجهة تنظيم القاعدة، ووصل إلى ذروته في قتل أسامة بن لادن عام 2011. وافترض الكثير من المحللين الأميركيين أن هذه الطريقة قد أجدت نفعا، واستند الرئيس أوباما إلى هذا الطرح في حملته الانتخابية عام 2012.
مع ذلك يأتي صوت حذر متشكك في جدوى وفعالية استهداف كبار القادة من جنى غوردن، الأستاذة المساعدة في كلية «سام نان» للشؤون الدولية بمعهد جورجيا للتكنولوجيا. وعبّرت عن انتقادها للمرة الأولى في مقال نشر في دورية «سيكيوريتي ستاديز» عام 2009 بعنوان «عندما تتدحرج الرؤوس: تقييم فعالية قطع رؤوس القيادات». وكتبت غوردن بصراحة: «قطع الرؤوس ليس استراتيجية فعّالة في مكافحة الإرهاب». وقالت إن قتل كبار القادة «لا يزيد من احتمال انهيار التنظيم»، وأضافت أنه «من المرجح أن يأتي قطع الرؤوس بنتائج عكسية في التنظيمات الدينية والانفصالية الأكبر، والأقدم». وتعد استماتة تنظيم القاعدة، البادية في أتباعه وأفرعه مثل تنظيم داعش، رسالة تحذير من أن صعوبة القضاء على جماعة إرهابية مثل صعوبة القضاء على مرض السرطان.
وظهر تنظيم داعش من رماد تنظيم القاعدة في العراق، الذي لم تنجح جهود القوات الأميركية في تقويضه خلال عامي 2007 و2008. وتم قتل أبو مصعب الزرقاوي، زعيم التنظيم، لكن يبدو أن تجسده مرة أخرى في أبو بكر البغدادي «خليفة» تنظيم داعش، يحتوي على سموم أكثر. وبتحليل 298 حالة منذ عام 1945 حتى 2004، اكتشفت غوردن أن قتل زعيم تنظيم أدى إلى انهيار التنظيم في 30 في المائة من الحالات فقط، حيث كانت نسبة التنظيمات الدينية التي انهارت بعد مقتل قادتها أقل من 5 في المائة. إجمالا كانت التنظيمات أكثر عرضة للانهيار في حال بقاء القادة على قيد الحياة.
ودعمت بعض دراسات الحالة هذا الطرح القائم على إحصاءات، حيث أشارت غوردن على سبيل المثال إلى أن إسرائيل تقتل كبار قادة حركة حماس من منتصف التسعينات ولم يؤثر هذا على قدرة الحركة. وأضافت: «لم تكن حركة حماس فقط هي القادرة على الاستمرار في القيام بنشاطها في مواجهة الهجمات المتكررة على قياداتها، وازدادت الحركة قوة مع استمرار الانتفاضة». وكان تنظيم قوات كولومبيا المسلحة الثورية الإرهابي يتسم بالقدر نفسه من العناد والمثابرة.
وقامت غوردن بتحديث تقييمها المخالف للتيار السائد خلال العام الماضي في مقال بعنوان «مهاجمة القائد انحراف عن الهدف» نشر في دورية «إنترناشيونال سيكيوريتي». وركزت في المقال على حملة قطع رؤوس استمرت لعقد من الزمان ضد تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة. وخلصت إلى أن الولايات المتحدة نفذت 109 هجمات جوية على قيادة تنظيم القاعدة بين عامي 2001 و2011، ومع ذلك ارتفع عدد الهجمات التي نفذها التنظيم وأفرعه «بشكل مطرد» على مدى ذلك العقد. ومع ضعف قوة الهجمات التي يشنها قلب تنظيم القاعدة، ازدادت قوة الهجمات التي ينفذها أتباعه. وحذرت في دراسة عام 2014 قائلة: «لم يشعر تنظيم القاعدة بأي مهانة». وكان الدرس المستخلص هو «حتى إذا ضعفت التنظيمات بعد مقتل قادتها أو القبض عليهم، تبقى التنظيمات، وتعيد تنظيم صفوفها، وتستمر في تنفيذ الهجمات».
بالنظر إلى حدود استراتيجية قطع الرؤوس، ما هي أفضل سياسة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في التعامل مع تنظيم داعش؟ أفضل تحليل قرأته كان في مقال غريام وود، نشر في العدد الحالي لـ«أتلانتيك» بعنوان «ما الذي يريده تنظيم داعش بالتحديد؟». وأوضح أن انتشار التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الأرض في العراق وسوريا، هو نتاج قبول قوي حظيت به «جماعة دينية ذات معتقدات تم التفكير فيها جيدا» لدى مسلمين لا يشعرون بالانتماء. باستخدام الإنترنت في التجنيد، والقيادة، والسيطرة، أصبح تنظيم داعش نشيطا ومثابرا، ومع سقوط قادته في المعركة، كان يحل محلهم قادة جدد. ويبدو أن صور قطع الرؤوس، والتعذيب، التي لا تعد من الممارسات السائدة بين المسلمين، قد أثارت اهتمام مجموعة متحمسة من المسلحين الشباب وكانت مصدر إلهام لهم. ومع إغلاق حسابات تدعم التطرف العنيف على موقع «تويتر» ومواقع تواصل اجتماعي أخرى، تظهر حسابات جديدة. وبدا الفخر والتباهي في رسالة نشرتها مجموعة إعلامية داعمة لتنظيم داعش مؤخرا حيث كان مفادها: «سوف تقودك الحرب الافتراضية على الإنترنت إلى حروب حقيقية على الأرض».
نحن أمام معركة قد تمتد لسنوات طويلة، ليس فقط ضد قادة تنظيم داعش، ولكن أيضا ضد آلاف من أتباعه سواء في العالم الافتراضي أو الحقيقي. ويرى وود أن التنظيم يتمتع بحيوية كبيرة إلى حد سيجعله في النهاية يقضي على ذاته. ومن المرجح أن يدمر تنظيم داعش نفسه، إذا تم احتواؤه بشكل صحيح ومناسب. فلا توجد دولة حليفة له، وآيديولوجيته تضمن أن يظل الأمر كذلك. وربما ترى الولايات المتحدة أن قتل قادة تنظيم داعش ضروري، لكنه لن يكون كافيا.
ديفيد اغناتيوس
الشرق الاوسط