تستمر العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الامنية العراقية وتشكيلات مكافحة الارهاب والرد السريع والشرطة الاتحادية وبدعم واسناد من قوات التحالف الدولي في مركز مدينة الموصل بمحافظة نينوى في محاولة منها للدخول الى المدينة القديمة وأحياءها السكنية الشعبية وأسواقها التجارية وبناياتها التراثية التي سعت قوات الشرطة الاتحادية ومنذ عدة أشهر لتحقيق أهدافها الميدانية في الوصول الى الجامع النوري القديم ولم تتمكن من تحقيق مبتغاها لأسباب عديدة تمثلت بصعوبة النفاذ الى هذه المناطق لشدة الكثافة السكانية وطبيعة المباني والدور السكنية المتلاصقة والازقة الضيقة وانعدام امكانية السيطرة الميدانية ومعالجة جميع أنواع الدفاعات التي يقوم بها عناصر داعش من حيث الاعداد النفسي والميداني المبني على أساس وضع الخطط الكفيلة بمواجهة القوات المندفعة داخل المدينة واتخاذ جميع أشكال التحصينات وايجاد المعوقات ووضع الكتل الخرسانية ونصب الكمائن واندفاع الانغماسين بالسيارات والدراجات النارية المفخخة واعداد المقاتلين القناصين وتوزيعهم على أسطح البنايات العالية .
ان جميع هذه الاجراءات والممارسات الدفاعية كانت هي الاساس في عملية تأخير اندفاع القوات الامنية والعسكرية العراقية تجاه تحقيق أهدافها العسكرية والسيطرة على أحياء (الشفاء والزنجيلي ) في بداية شهر رمضان المبارك ولحد الآن ، ويمكن لنا أن نحدد أهم ملامح الفترة التي أعقبت اعداد الخطط والاستشارات الميدانية من قبل قيادة التحالف بالنقاط التالية :
1- تعرض مركز مدينة الموصل وأحياء (الزنجيلي -الشفاء) الى قصف مكثف يوميا من قبل طيران التحالف الدولي وطيران الجيش العراقي واستخدام الاسلحة والمدفعية الثقيلة والراجمات واطلاق صواريخ كراند نحو المباني والدور السكنية داخل المدينة القديمة مما أدى الى وقوع ضحايا جسيمة بالسكان المحليين المدنيين واصابة العديد منهم .
2- جاء تصريح قائد طيران الجيش العراقي واقراره بتنفيذ أكثر من (ستة الآف) طلعة جوية على مدينة الموصل منذ بدء العمليات العسكرية فيها ليؤكد بدلالة واضحة المعالم والبيان عن طبيعة وحجم الخسائر التي طالت المدينة وأهلها وتحطيم البنى التحتية لها من حيث الآعمار والبناء فيها .
3- ترافق هذه العمليات وتنفيذ الخطط الاستراتيجية والميدانية ما حصل في المحور الغربي من محافظة نينوى من انتهاكات واسعة بحق المدنيين المتواجدين في أقضية ونواحي (الحضر-القيروان-العدنانية-القحطانية-بادوش-حميدات-البعاج) وما صاحبها من عمليات تهجير وتطهير عرقي تمثل بتهجير أكثر من (80) ألف شخص من مناطق غرب المحافظة وهؤلاء الاعداد تم اجلائهم من مناطق القتال الى مناطق أخرى منذ انطلاق عمليات المحور الغربي .
4- الحقيقة الاساسية التي برزت خلال هذا الشهر هي افتقار القوات العسكرية والامنية العراقية الى التدريب الميداني المتطور الخاص بقتال المدن ومحاصرة العدو والقيام بعمليات نوعية داخل المدينة وحرب العصابات ، ويستثنى من هذا مقاتلي مكافحة الاهاب الذين تميزوا بخاصية الاندفاع نحو تحقيق الاهداف الميدانية المرسومة لهم ولهذا صدرت التوجيهات بمشاركتهم في الدخول لمركز المدينة القديمة بعد الانتهاء من المواجهات في محلتي (الشفاء-الزنجيلي ) واكمال عمليات التطهير والاندفاع نحو الداخل.
5- شهدت الاشهر الماضية وخاصة في مناطق الساحل الايمن نزوح العديد من أهالي المدينة بسبب استمرار القصف المدفعي والجوي والمواجهات بين مقاتلي داعش والقوات العسكرية وفي مناطق متداخلة وقريبة مما أدى الى ارتفاع عدد النازحين الى (785) ألف نسمة ،عوضا عن التدمير الذي لحق بالمدينة وبمنشأتها ومراكزها العلمية والتعليمية والمالية والاقتصادية وسقوط أكثر من (18) ألف مواطن مدني استشهدوا نتيجة هذه العمليات مع جرح (37) ألف نسمة وهدم (14) ألف وحدة سكنية .
6- قيام عناصر داعش بالتعرض على السكان المدنيين من أهالي مدينة الموصل وخاصة في محلة الزنجيلي عند محاولتهم الخروج من دورهم باتجاه القوات الامنية المتواجدة في أحياء (الربيع- النجار ) مما أوقع العديد منهم في نيران مقاتلي داعش وأدى الى استشهاد (300) شخص في مجزرة مروعة أرتكبت بالقرب من معمل المشروبات الغازية ،وشكل هذا الحادث عاملا اضافيا الى طبيعة الحياة اليومية والمعاناة المستمرة التي يعيشها أبناء المدينة بسبب أطالة أمد القتال وحصار داعش لهم .
7- شن مقاتلي داعش هجوما مباغتا وسريعا قبل 4أيام على مواقع القوات الامنية في حي الشفاء واستطاع من تحقيق بعض الاهداف في استعادة بعض الاماكن والمقرات ومنها تحديد المجمع الطبي ولمعالجة هذا الاخفاق قام طيران التحالف الدولي باستخدام مادة (الفسفور الابيض) في ايقاف زحف وتقدم مقاتلي داعش وأدى الى افشال الهجوم وقتل العديد من المهاجمين ولكنه أصاب المواطنين العزل من اصحاب الدور السكنية فأوقع فيهم أكثر من (250) ضحية نتيجة القصف الجوي والمدفعي واستخدام مادة الفسفور الابيض .
8-لا يزال التحدي الاكبر الذي يواجه القوات الامنية والعسكرية العراقية في الموصل هو وجود عدد كبير من المدنيين في مناطق ضيقة تعج بالبيوت الصغيرة والمفتوحة على بعضها وهذا يشكل عائقا ميدانيا كبيرا في تحقيق الاهداف الميدانية للقوات المندفعة .
فهل تتمكن القوات الامنية والعسكرية وبكافة صنوفها من انهاء معاناة أبناء المدينة أم تزيد من محنتهم بعد انعدام الماء والكهرباء وشحة المواد الغذائية والطبية وانهاء المواجهات العسكرية في مساحة اصبحت لا تتعدى 5 كم مربع هذا ما سنلمسه في الايام القادمة .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية