الأفكار الرئيسية:
• في الذكرى الخمسين لحرب الأيام الستة، ثمة رئيس أميركي يسعى للتوسط لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
• بينما يظل الدور الأميركي مهماً، فإن إنجاز اتفاق إسرائيلي-فلسطيني يعتمد أكثر على قادتهما المعنيين.
التحليل:
ثمة بعض المفارقة في أن يتزامن التزام دونالد ترامب بالتوصل إلى عقد صفقة نهائية تنهي الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين مع الذكرى الخمسين لحرب العام 1967 بين العرب وإسرائيل، وهي مناسبة تؤشر بشكل قاتم أيضاً على نصف قرن من الجهود الدبلوماسية الأميركية الفاشلة لعمل الشيء نفسه.
يوم 5 حزيران (يونيو) من ذلك العام، ورداً على تصاعد التوترات مع سورية (في غمرة معلومات سوفياتية مضللة بأن إسرائيل كانت تعد العدة لتوجيه ضربة)، ونشر مصر واسع النطاق لقوات في شبه جزيرة سيناء وإغلاقها مضائق تيران، شنت إسرائيل ما أصبحت تعرف بحرب الأيام الستة. وفي حملة استمرت 132 ساعة، استطاع الإسرائيليون هزيمة القوات العسكرية العربية والاستيلاء على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء. ولم يتم حل القضايا التي أثارتها تلك الحرب. ولا يعني هذا القول بأن الدبلوماسية الأميركية ليست مهمة بشكل حاسم في تحويل الحلبة العربية-الإسرائيلية بعد العام 1967.
كان هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركية في حينه) قد فاوض على اتفاقية للفصل بين إسرائيل وسورية، والتي جعلت تلك الحدود هي الأهدأ على خط المواجهة. كما توسط جيمي كارتر في معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية. ولعب بيل كلينتون دوراً داعماً مهماً في مساعدة الإسرائيليين والأردنيين على عمل الشيء نفسه في العام 1994.
ولكن، عندما يتعلق الأمر بالسلام الإسرائيلي-الفلسطيني، لم تستطع أميركا حتى مجرد الاقتراب. ولأنني لعبت دوراً صغيراً جداً في هذا المشروع الضخم للعديد من الأعوام، فقد طورت بعض وجهات النظر القوية التي تفسر لماذا لم تتمكن أميركا -اللاعب الخارجي الأكثر أهمية في هذه الدراما- من التوصل إلى اتفاق ينهي النزاع.
وفيما يلي أبرز وجهات نظري الخمس. وقد يريد الرئيس ترامب وفريقه أن يأخذوا بعض الملاحظات، لأن من شبه المؤكد أن هذه التحديات المزعجة نفسها ستقف في طريقهم أيضاً.
هذه ليست مجرد صفقة عقارية
يجعل السلام الإسرائيلي-الفلسطيني من عملية صنع السلام بين إسرائيل والمصريين والأردنيين أشبه بنزهة في متنزه. فقد كانت هذه اتفاقيات بين دول راسخة لها حكومات قوية، والتي دارت بشكل أساسي حول الأمن وتعديل الحدود؛ وليست بين دولة متأسسة وبين حركة وطنية منقسمة وغير عاملة تسعى إلى أن تصبح دولة في منطقة مضطربة وغير مستقرة.
ثم هناك التعقيد المتمثل في أنهما قريبتين من بعضهما جداً. وعلى عكس الأردن، ومصر وإسرائيل، لدى الفلسطينيين والإسرائيليين مشكلة قرب فعلية. وفي هذا الصدد، أتذكر، كجزء من المفاوضات المؤقتة، زحفي في العام 1997 على يدي وركبتي لأقيس عرض الشارع في الخليل، بينما ينظر المستوطنون الإسرائيليون الغاضبون والفلسطينيون، وأنا أفكر بيني وبين نفسي بأن هذا لا يمكن أن يعمل.
وعلى عكس معاهدتي السلام الأخريين، فإن التوصل إلى الصفقة النهائية لا يعني فقط مجرد التعامل مع الأراضي، وإنما التعامل مع قضايا معقدة بشكل مؤلم تتعلق بالهوية -القدس واللاجئون الفلسطينيون والاعتراف بإسرائيل كدولة قومية لليهود.
ليست هذه مسائل تتعلق بالعام 1967 وحسب -إنها تعود إلى العام 1948، وهي تأسيسية في الروايات الدينية والسياسية لكلا الشعبين وديانتيهما. ولك أن تلقي بمسألة المستوطنات ونحو 500.000 إسرائيلي يعيشون على أرض يطالب بها الجانبان، وسوف سترى لماذا يحتاج ترامب إلى دراسة الوضع أكثر بعض الشيء. إن هذه المشكلة أصعب بكثير، وليست أسهل، مما يعتقد معظم الناس.
إنك تحتاج إلى قادة
من دون استثناء، حدثت الانفراجات الجادة في المفاوضات العربية-الإسرائيلية بعد العام 1967 بسبب وجود قادة كانوا سادة على سياساتهم وأيديولوجياتهم أكثر من كونهم أسرى لها.
من المؤكد أن عاهل الأردن الملك الراحل الحسين والرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن وإسحق رابين لم يكونوا مفوضوين بالكامل أبداً. وقد دفع السادات ورابين حياتيهما بسبب صنعهما السلام. لكنهما كانا مصممين على استغلال الفرص أو الاستجابة إليها، وبذلك تجاوما القيود الضيقة والعمل الشاق للنزاع. ولم يكن أي منهم معارضاً للحرب؛ كانوا كلهم رجالاً صلبين وصقريين متحولين. ولكن لم يعد يوجد لدينا مثل هؤلاء القادة اليوم في أي مكان في المنطقة -وبالتأكيد ليس في إسرائيل ولا في فلسطين.
يفتقر كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الرؤية، وهما معاديان للمغامرة ومقيدان بسياستيهما وأكثر اهتماماً بالحفاظ على منصبيهما من تعريضهما للخطر من أجل تغيير الوضع القائم. ويحتاج ترامب لأن يفهم أن الوسيط صاحب الإرادة والماهر هو شيء حاسم، لكن الأكثر أهمية هم الشركاء الراغبون في اتخاذ قرارات تسمح للطرف الثالث بسد الفجوات. وحول القضايا المحورية، لي عباس ولا نتنياهو حتى قريبين من ذلك.
الملكية الحقيقية أيضاً
كل انفراج حدث بعد العام 1967 -حتى المفاوضات التي لم تثمر، مثل أوسلو والمباحثات الإسرائيلية السورية- كان يتطلب المثابرة ووجود عنصري الألم والكسب على حد سواءلإعطاء القادة حصة في محاولة التقدم للأمام.
للأسف، كانت حرباً وثورة هما اللذان أفضيا إلى معاهدتي السلام الإسرائيلية -المصرية والإسرائيلية- الأردنية على حد سواء. فبهجومه في تشرين الأول (أكتوبر) 1973، عرف السادات أنه إذا كان يريد أن يستعيد سيناء، فإن عليه أن يأتي إلى طاولة المفاوضات كمنتصر، لا كمهزوم. وكانت الانتفاضة الأولى هي التي خلقت عملية أوسلو وسمحت للملك الحسين بصنع صفقته الخاصة مع إسرائيل، لأن زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات كان يتفاوض مباشرة مع الإسرائيليين للتوصل إلى صفقته الخاصة.
الحقيقة المدهشة هي أن الانفراجات الأولى حدثت في كل من هذه المفاوضات سراً، من دون معرفة واشنطن. وبينما كنت في عطلة في آب (أغسطس) من العام 1993، أتذكر تماماً أنني تلقيت مكالمة من مركز الشخصيات الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية، والتي تم خلالها استدعائي للحضور إلى واشنطن لأن إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية توصلتا إلى اتفاقية. وكنا نعرف عن قناة أوسلو، وإنما لم نعرف أن الجانبين كانا مستعدين لاتخاذ قرارات قاسية.
هل تستطيع الولايات المتحدة أن تكون وسيطاً نزيهاً؟
في العام 2005 كتبت مقالة في صحيفة “الواشنطن بوست” بعنوان “محامي إسرائيل”، والتي قلت فيها إنه في قمة كامب ديفيد في تموز (يوليو) من العام 2000، انحاز الجانب الأميركي، بمن فيهم أنا، كثيراً جداً إلى جانب إسرائيل في المفاوضات. وفي الحقيقة، استعرت العبارة من مذكرات كيسنجر. وقامت كل الأطراف باختطاف ذلك المقال، وخاصة أولئك الساعون إلى إظهار أن الولايات المتحدة كانت في جيب إسرائيل.
كانت الفكرة الحقيقية التي كنت أطرحها هي أن الولايات المتحدة تستطيع العمل -وغالباً عملت- كوسيط فعال في ظل ظروف معينة، وإنما نادراً كوسيط شريف وغير منحاز.
لقد استطاع كيسنجر التفاوض عل ثلاث اتفاقيات فصل بين إسرائيل ومصر وسورية عبر التراجع عن نسخة مؤيدة لإسرائيل وضرورة الحرب؛ واستطاع كارتر التوسط في إبرام معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عن طريق تلبية احتياجات السادات فقط، شريطة تخلي القادة المصريين عن الفلسطينيين والسوريين وعقد صفقة منفردة، وبذلك عمل لما صب في صالح إسرائيل.
يبقى السؤال المفتوح هو ما إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة عمل نفس الشيء بين إسرائيل والفلسطينيين، على ضوء طبيعة العلاقات الخاصة مع إسرائيل، والسياسة المحلية الأميركية، وحساسية ودرجة صعوبة القضايا. كما أن الطبيعة الخاصة للحركة الوطنية الفلسطينية التي تبدو مثل سفينة نوح، حيث هناك زوج من كل شيء بين حماس وفتح -أجهزة أمنية ودويلات صغيرة ورؤى لما هي فلسطين وأين يجب أن تكون- تشكل صعوبات أيضاً.
المطلوب في الحد الأدنى لمساعدة الذي يقوم بتسهيل الأمور هو وجود رئيس وزراء إسرائيلي راغب وقادر على صنع خطوات كبيرة؛ ورئيس فلسطيني قادر على الاستجابة بالطريقة نفسها.
يتمتع الرئيس ترامب بميزة معينة لأنه جديد على الرئاسة. وهو لذلك لا يمكن التنبؤ به ويعول على تحالف جديد بين إسرائيل والعرب، وخاصة السعوديين. وقد يكون هذا كافياً تماماً لبدء عملية. لكن السؤال يظل قائماً: في اتجاه أي نهاية؟
ما تزال الفجوات حول القضايا المحورية -حدود حزيران (يونيو) 1967 والقدس واللاجئون والترتيبات الأمنية- عميقة؛ وعدم الثقة والشك عميقان؛ وتردد أميركا في استخدام العسل والخل لتحريك الجانبين، وخاصة الإسرائيليين، ما يزال قوياً جداً.
لا تقل غير ممكن أبداً. لكنك تحتاج إلى معجزة في منطقة لم تر الكثير من المعجزات لبعض الوقت. وبعد خمسين عاماً من 1967، ما يزال الطريق إلى الأمام غير أكيد في أفضل الحالات، ربما في انتظار قادة ينبرون لحل مشكلة الأرض الموعودة (كثيراً).
آرون ديفيد ميلر
صحيفة الغد