يتابع المراقبون مجريات تقدم قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من واشنطن، في معركة الرقة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، وعينهم على إدلب التي يعتبر الخبراء أن أرضها ستكون جبهة المعركة الأعنف والمواجهة الأشدّ.
تتركز في إدلب مختلف القوات المؤثرة في الصراع السوري وعدد كبير من فصائل المعارضة المسلحة. وتنتشر تخمينات حول إمكانية قيام النظام السوري مدعوما بروسيا وإيران باجتياح المحافظة وتوجيه ضربة عسكرية قاصمة لها، خاصة بحجة الحرب ضدّ الإرهاب.
ويعتقد الخبير العسكري إبراهيم الجباوي أن هناك توقعات بذلك، ويصرح لـ”العرب” قائلا “لا شك أن اختيار إدلب كمكان استقطاب للمهجّرين والذين تعتبرهم روسيا وإيران والنظام إرهابيين الهدف منه هو أولا وفق التفاهمات الروسية الأميركية محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، وبالتالي سيتم شن حرب على إدلب التي باتت تأوي الإرهاب من وجهة نظر النظام وحلفائه”.
لكن من الناحية العملية، يستبعد الجباوي أن تسمح الولايات المتحدة وحلفاؤها بأي هجمات من قبل النظام وحلفائه، فهناك تقاسم لمناطق محاربة الإرهاب وتقاسم لمناطق النفوذ. ومثلما تعدّ الرقة منطقة نفوذ أميركية لا يسمح فيها للنظام وروسيا المشاركة في محاربة الإرهاب، فإن إدلب يمكن أن تكون أيضا منطقة محظورة على النظام ومتروكة ضمن مناطق نفوذ تركيا. ويرى الجباوي أنه لا تتوفر القوة لدى النظام لشن مثل تلك الهجمات إلا إذا ساندته الميليشيات الطائفية بدعم روسي كامل.
ويشير إبراهيم الجباوي إلى أنه من الناحية النظرية “يمكن لإيران أن تزود النظام بالعدد البشري الذي يساعده على فتح مثل تلك المعركة المزدوجة ولكن هذا أيضا يتطلب إفراغ النظام لباقي الجبهات في سوريا، وهذا ما لا يكون في صالح النظام إلا إذا اعتمد فقط على الميليشيات الجديدة بدعم روسي وإيراني كامل”.
ويشير الباحث السياسي السوري أحمد رياض غنام إلى أن المبررات لاقتحام إدلب متوفرة لدى النظام. ويقول لـ”العرب” مبينا “قدم تنظيم النصرة والقوى المتحالفة معه كل مبررات قصف إدلب. وما لم تتم تصفية هذا التنظيم فإن مدينة إدلب ستتحول إلى منطقة صراع دائم واقتتال داخلي ينهك كافة القوى ويحولها إلى بؤرة توتر دائم سيسهل في المستقبل اجتياحها”.
بيئة مضطربة
يعتبر الموقع الجغرافي لمحافظة إدلب عنصرا مؤثرا على مدى حدوث معركة كبرى هناك ولا سيما أنها قريبة جدا من الساحل السوري، أهم معاقل النظام، وبالتالي فإن فتح معركة إدلب يعني أيضا فتح معركة الساحل، مما يعني عودة التصعيد من الطرفين بشكل قد يخل بتوازن القوى على الطرفين وربما تنقلب الأمور ضد النظام في حال فتحت معركة الساحل التي لطالما بقيت ساكنة.
ويعتقد المحلل السياسي السوري مؤيد أسكيف أن ما تعرضت له محافظة إدلب على مدار سنوات الحرب جعلتها بيئة مضطربة. ويقول لـ”العرب” إن “إدلب كانت مسرحا لعمليات النظام العسكرية والمنافسات الإقليمية ونالت نصيب الأسد من المجازر في كل مدنها وقراها منذ بدايات الثورة السورية وذلك بسبب طبيعة إدلب وموقعها الجغرافي وتركيبتها الديموغرافية ومحاذاتها للحدود التركية وباعتبارها نقطة وصل أساسية بين الساحل وحلب المدينة المركزية في سوريا”.
ويرى أسكيف أن إدلب لها خصوصيتها الجغرافية من وجهة نظر إقليمية أيضا، حيث “يمكن أن تشكل حاجزا في وجه أي تمدد كردي إلى المتوسط من جهة، وحاجزا بين علويي سوريا وتركيا من جهة أخرى”. وتقف تركيا على جبهة إدلب مصممة على تعويض إقصائها من معركة الرقة، التي يقودها أساسا الأكراد الذين عارضت أنقرة تسليح واشنطن لهم.
ويرى أسكيف أن الاقتتال الجاري بين الفصائل المختلفة وخصوصا تنظيم القاعدة، ممثلا في هيئة تحرير الشام، يعطي المزيد من القوة للنظام للسيطرة مجددا على المحافظة. ويعتقد أن “المحافظة الكثيفة سكانيا بالأساس والمتشظية من كل النواحي صارت هدفا سهلا للنظام إذا ما قرر إعادة السيطرة عليها”.
ويرى الجباوي أنه إذا ما استمر الاقتتال الجاري في إدلب بين التطرف والاعتدال فهذا من شأنه أن يجعل النظام وحلفاءه أكثر طمعا بزيادة مساحة سوريا المفيدة المزعومة وأكثر تشجيعا لهم بشن هجوم كبير على مناطق الريف الإدلبي الجنوبي.
ويقول “إذا لم تكن هناك تفاهمات أميركية روسية على حل الأزمة السورية فإنني اعتقد أن شرارة الحرب قد تنطلق من جديد ولا ننسى أن تركيا لن تسمح بإقامة دويلة متطرفة بمحاذاة حدودها أما في حال تمت تلك التفاهمات فإن سيناريو الضربة يتلاشى كثيرا”.
ويرى الجباوي أنه لا يمكن الاستهانة أو التقليل من قوة فتح الشام في إدلب “بالتأكيد أن حركة فتح الشام (النصرة سابقا) هي المتحكم حاليا في الشأن الأدلبي وما يدل على ذلك شنها الهجمات بين الحين والآخر ضد القوى الثورية المعتدلة هناك لإنهاكها وتأمين نفسها من أيّ مقاومة”.
تدخل تركيا
دخلت إدلب ضمن اتفاقية مناطق تخفيف التصعيد التي وقعت عليها روسيا وتركيا وإيران في آستانة. وقد سجلت تحركات للجيش التركي في محافظة إدلب. ورصد مركز إدلب الإعلامي دخول جرافات تابعة للجيش التركي إلى الأراضي السورية من جهة إدلب.
أنقرة إلى جانب الدوحة لها كلمتها النافذة عند الفصائل الإسلامية وهي قادرة على التحكم بزمام الأمور من خلال حجم الدعم المقدم لهم
ويبدي المعارض السوري زكوان بعاج قلقه من أن تحاول تركيا ضم محافظة إدلب. ويضيف لـ”العرب” موضحا “في حال بدء تقسيم سوريا وظهور الدولة الكردية، فإنه ليس من المستبعد أن تحتفظ تركيا بمحافظة إدلب تحت وصايتها وحمايتها، حيث لن يسمح موقع إدلب الجغرافي بوصول الدولة الكردية إلى شواطئ البحر المتوسط، بالطبع التوافقات الدولية هي سيدة الموقف وخاصة مع الإدارة الأميركية”.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن هذه الرقعة الشاسعة على طول الحدود الجنوبية لتركيا يمكن أن تصبح في المرحلة المقبلة التحدي الأقسى والأكثر دموية. وبالنظر إلى تركيبة الفصائل المتواجدة في المحافظة لا يتوقع الخبراء أن تحقق قوات النظام، إن حصل تصعيد، تقدما، فأغلب الفصائل المعارضة المتواجدة في تلك المنطقة قريبة من تركيا.
ويرى الجباوي أن أنقرة إلى جانب الدوحة لها كلمتها النافذة عند الفصائل الإسلامية. ويعتقد الجباوي أن تركيا قادرة على التحكم بزمام الأمور من خلال كلمتها النافذة وحجم الدعم المقدم إلى تلك الفصائل. ويوضح لـ”العرب” قائلا “كلنا كان يلاحظ ذلك في معارك حلب الأخيرة، فحينما تسمح تركيا وتدعم كانت تلك الفصائل تحدث خرقا في الطوق المفروض على حلب وحينما تتفاهم مع روسيا كانت توعز إلى تلك الفصائل بالانسحاب ما مكن النظام وحلفاءه من السيطرة على حلب”.
ويؤيد هذه الرؤية أحمد غنام الذي يرى أنه مع حسم أمر المناطق الآمنة المتفق عليها بين روسيا وتركيا فإن “القوى المدعومة بشكل كبير من أنقرة قادرة على تغيير الواقع الإدلبي، خاصة وأن كلمة تركيا مسموعة لدى العديد من الفصائل الإسلامية”. و”ستبقى إدلب منطقة نفوذ تركية نتيجة التقارب الجغرافي والاجتماعي والعقدي”.
في المقابل، يرى أسكيف أنه لا يمكن التكهن بمدى قدرة تركيا على ضبط الأوضاع هناك وهذا مرتبط بمدى التوافق الأميركي التركي والروسي التركي وستظل المحافظة عرضة للمنافسات الدولية. ويذهب المعارض السوري زكوان بعاج في ذات الطريق مشيرا إلى أنه عمليا لا يلاحظ تطورا في العلاقات الأميركية التركية على الأرض في سوريا.
ويقول لـ”العرب” مؤكدا “بالطبع العلاقات الأميركية التركية نظريا أفضل مما كانت عليه سابقا في عهد إدارة الرئيس أوباما، إلا أننا لم نلاحظ تغييرا واضحا ميدانيا في سوريا، حيث يستمر الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية في تحرير الرقة ومناطق مختلفة في الوقت الذي رفضت فيه القوات التركية المشاركة في تحرير الرقة إلى جانب قوات «قسد»”.
أما رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق والمحلل السياسي سمير النشار فيرى أنه لم يعد مسلّما أن مصير إدلب سيكون بيد تركيا، وذلك بعد عودة الدور الأميركي لمسرح الأزمة السورية بقوة بعد حادثة ضرب خان شيخون بالكيمياوي. ويضيف أن هذا “قد جعل النظام يشعر أنه مراقَب دوليا، وربما تراجع عن هدفه الأكبر وهو توجيه ضربة كبرى لإدلب”.