تسعى القوات الحكومية العراقية إلى شطب “بلاد الرافدين” من مشروع “دولة الخلافة” الذي أعلنه زعيم داعش الإرهابي المعروف بـ”أبوبكر البغدادي”، وذلك من خلال استكمال استعادة مركز مدينة الموصل، المعقل الأبرز للتنظيم في العراق، ومقر قيادته. وشرعت القوات العراقية منذ فجر الأحد في عملية للإطباق على ما تبقى من مواقع داعش الإرهابي في المدينة القديمة من الموصل، لكن التنظيم رد بشراسة، وفجر نحو 20 سيارة مفخخة لعرقلة التقدم العراقي. وعلى الرغم من ذلك فإن معركة “الموصل القديمة”، هي آخر المعارك الكبيرة التي يخوضها تنظيم داعش في العراق، بعدما خسر الحواضر الكبرى التي كان يسيطر عليها، مثل الرمادي وهيت والفلوجة وتكريت. فلم يبق سوى أيام لدحر هذا التنظيم الإرهابي من الموصل، وبهذا الانتصار العظيم الذي ستحققه القوات المسلحة بقيادة قائدها حيدر العبادي، وفي هذا السياق تطرح أسئلة استرجاعية كثيرة لفهم ظاهرة داعش، والإجابة عليها يمهد الطريق لعدم ظهوره مرة أخرى في أرض العراق. ومن هذه الأسئلة:
كيف تم تشكل تنظيم داعش، ولمصلحة من، ولماذا سمح لهذا التنظيم بالسيطرة على محافظات في العراق وسوريا، وسمح له في الانتشار في المغرب العربي، والقيام بعمليات إرهابية في أوروبا وها هو الآن يقاتل طالبان في أفغانستان،لماذا لم تتم مواجهه هذا التنظيم الوحشي منذ البداية؟! صمتت الدول عن مواجهته كما إنها تجاهلت ظروف نشأته، فبعض مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي الذين شكلوا نواته وقياداته حتى من نصّب نفسه “خليفة المسلمين” أطلق سراحهم من السجن أبو غريب. وتم نقلهم بحافلات إلى سوريا دون أن تتعرض الفرقة العسكرية العراقية المتواجدة في أطراف أبو غريب لهم بأي أذى، حتى أن مركز التنسيق الأمريكي العراقي الذي كان المفروض أن يهتم بهذا الحدث، لكنه تجاهله تمامًا وكأن هناك اتفاق أمريكي عراقي على ذلك الإطلاق؟
كيف استطاعت ثلاث فرق عسكرية عراقية تتلاشى أمام مجموعة مقاتلين من تنظيم داعش الإرهابي قليلي العدد والعتاد، من الذي ساهم في هذا التلاشي؟ وما يزيد من الحيرة حزيران عام 2014م، فعلى الرغم من وصول تنظيم داعش الارهابي الموصل وخروج كل القيادات الحكومية العراقية منها، آثرت القنصلية التركية في الموصل البقاء بها وتم احتجازهم من قبله. لكن الغريب على هذا التنظيم الذي يُعرف ببشاعة أساليبه في القتل كقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبه والمسحيين المصريين في ليبيا، وغيرهم الكثير، كان رحيمًا جدًا وكريم جدًا مع أعضاء القنصلية التركية الذين أطلق سراحهم فيما بعد ،فلماذا لم يقم بقتلهم؟!
هل تنظيم داعش تشكل من قبل قوة خفية، وهذه القوة تساعد الجميع، والجميع ساهم بشكل أو بآخر في تعزيز قوة هذا التظيم الظلامي؟ وإذا كان الأمر بخلاف ذلك، فلماذا لا يصار إجراء تحقيق إقليمي ودولي شفاف لتنظيم انتشر في العالم مثل المرض السرطاني؟ يوجد ما بين منطقة بيجي والصينية أكبر مخازن العتاد الثقيل في العراق، وهذه المنطقة منذ عام 2003 وحتى ظهور داعش في العراق كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة، وأصبحت بعد ظهوره خاضعة له، والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا لم يتم نقل هذا العتاد إلى مكان امن.
مما لاشك فيه أن ظهور داعش على مسرح الأحداث السورية والعراقية قدّم خدمة جليلة لأطراف بعينها، وكان ظهوره شر مطلق لأطراف أخرى. فظهور داعش صبّ في مصلحة بقاء بشار الأسد في الحكم إلى يومنا هذا، أما شر داعش فقد تمثل في تشريد أهل السنة في العراق من مناطقهم وحوّلهم إلى نازحين في الداخل العراقي ولاجئين في خارجه، وأصبح ينظر إلى كل عربي ومسلم سُني إرهابي وفق المنظور الغربي. كما ساهم ظهوره في زعزعة الحكم الشيعي في العراق. أمام هذا السرطان الداعشي الذي هدد وحدة العراق سعى أكراد العراق بالانفصال عنه للحفاظ على وجودهم.
من صاحب المصلحة أن يصل الجيش العراقي المعروف ببطولاته الوطنية والقومية إلى ذلك المستوى من الضعف فلا يقدر على المحافظة على التراب العراقي ليصار إلى اصدار فتاوى دينية مفادها قيام الشباب العراقي بالتطوع لمقاتلة تنظيم داعش الارهابي تحت ما يسمى بقوات الحشد الشعبي ويحقق انتصارات عليه ليصبح هذا الحشد المنتصر والجيش العراقي المهزوم.
مما لا شك فيه مثّل مجيء حيدر العبادي إلى حكم العراق في آب/أغسطس عام 2014م، وكقائد عام للقوات المسلحة العراقية، صفحة جديدة في تاريخ رؤساء وزراء العراق المعاصر لما عُرف عنه من وطنية ونبذه للطائفية المقيتة،فهذا الرجل أعاد الاعتبار للمؤسسة العسكرية العراقية، فالجنود والقادة الذين تركوا الموصل في حزيران عام 2014م، هم أنفسهم الآن يقاتلون وببطولة منقطعة النظير ضد داعش في مختلف جبهات العراق وخاصة في جبهة الموصل.
ونظرًا للإنجازات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي التي تحققت في عهد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلحة، أصبح حيدر العبادي يشارك بالمؤتمرات العسكرية والاستخباراتية والأمنية كقائد عسكري يواجه قوة الظلام في القرن الحادي والعشرين. كما أنه وعلى المستوى السياسي يُستقبل من قبل ملوك ورؤساء دول العالم استقبالًا يليق بالعراق كدولة محورية في منطقة الشرق الأوسط.
أن ما ينتظر عراق حيدر العبادي في مرحلة ما بعد داعش وفي عهد حيدر العبادي البناء وإعادة اللحمة الوطنية ومحاربة كل أشكال الفساد ما ظهر منها وما بطن، والاهتمام بوسائل الإعلام ومنها الكتابات الصحفية المهنية التي تتصدى وبقوة للفساد المستشري في العراق. ويدرك العبادي من جهته أن مرحلة ما بعد داعش تتطلب الكثير من المساعي الحقيقية لبناء ما دمرته الصراعات والنزاعات التي عاشها العراق منذ الإحتلال الأميركي للعراق وهو ما لا تقوى عليه حكومته في ظل استمرار ماكنة الفساد في العمل وهو ما سيدفعه إلى الاستعانة بالاستثمارات الخليجية منطلقا من العلاقات الاقتصادية لسد الثغرات السياسية. وقد لا تمانع دول الخليج العربي في تلبية مطالب العبادي من أجل ضخ شيء من القوة في مسعاه من أجل الانفتاح عربيا في مواجهة التشدد الذي تمثله الميليشيات الموالية لإيران وهي تستعد للقفز إلى الحكم.
كل استطلاعات الرأي تشير أن الانتخابات النيابية التي ستجرى في العام القادم ستصب في مصلحة حيدر العبادي وعلى ضوئها سيشكل حكومته، فهل صناديق الاقتراع ستكون مطابقة لاستطلاعات الرأي أم أن القوة الخفية أو الظلامية سيكون لها كلمة أخرى؟.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية