تمكنت قوات الحشد الشعبي من السيطرة على مدينة البعاج الواقعة غرب الموصل على الحدود العراقية السورية، لتفتح بذلك طريقا تربطها بالميليشيات الشيعية المقاتلة في سوريا تحت راية إيران التي تعتقد أنها قاب قوسين من تحقيق حلمها بإقامة طريق بري يمتد من طهران عبر العراق وسوريا وصولا إلى لبنان.
وتعد منطقتا القيروان والبعاج الواقعتان في محافظة نينوى من المواقع التي تربط المحافظة مع الحدود السورية والتي يتخذها الجهاديون منافذ للتواصل مع آخرين في سوريا. وبالتوازي مع الجبهة العراقية تعمل إيران على تحريك أذرعها في الجبهة السورية في ظل تصعيد أميركي لقطع الطريق أماما التحام الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في العراق مع الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في سوريا.
وساعدت إيران في تدريب وإلحاق الآلاف من المقاتلين الشيعة من العراق وأفغانستان وباكستان بالصراع السوري. ومن المتوقع أن تقاتل تلك الميليشيات إلى جانب قوات الأسد ضد تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور القريبة من الحدود السورية العراقية.
وكشف الصحافي البريطاني مارتن شولوف أن مدينة البعاج هي نقطة وضع الأساس لخطة إيرانية لتأمين مسالك برية تمر بالعراق وسوريا لتصل إلى لبنان مدعمة نفوذها على أراض غزاها وكلاؤها. ورصد شولوف في تقرير من مدينة البعاج نشرته صحيفة الغادريان البريطانية أن الميليشيات المدعومة من إيران لم تضيّع الوقت لتدعي حيازتها لمكان لم تكن له أهمية تذكر في التاريخ المعاصر للعراق، لكنه مقبل على أن يكون محوريا في الأيام القادمة.
ويضيف أنه في الطريق المؤدية إلى المدينة كان القائد المساعد لوحدات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، يحيّي قواته المنتصرة التي سيطرت خلال الأسابيع الماضية على رقعة جديدة من النفوذ تمتد من الموصل إلى الحدود السورية. ويرصد أنه على طول الطريق السريعة من القيارة إلى جنوب الموصل كانت تصطف الحفارات وآلات أشغال الطرقات والجرافات التي سيلتحق بعضها بالوحدات ذات الغالبية الشيعية في المعركة وهي تدحر صفوف داعش المنسحبة إلى داخل سوريا.
البعاج تعتبر نقطة أساسية لخطة إيرانية لتأمين الطرق البرية عبر العراق وسوريا إلى لبنان مما يعزز نفوذ طهران
وستستعمل آلات أخرى قريبا لدعم ما تبقى من شبكة طرقات لا تكاد تصلح للعبور وعندما يتم إصلاحها وتوسيعها ستكوّن طريقا حيوية إلى الحدود وما بعدها، وتمثل البعاج نقطة وسيطة في هذه الطريق. وقال عضو رفيع في الحشد الشعبي “لن نغادر البعاج. ستكون قاعدتنا الأساسية في هذه المنطقة”.
ويعتبر مارتن شولوف أن تحويل البعاج من ملاذ لقادة داعش لا يمكن الدخول إليه إلى نقطة مركزية لجهود إيران لتغيير الديناميات الإقليمية يحدث بسرعة، فيما العالم يركز على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية دون أن يتدارك الخطأ الذي ارتكبه بتركيزه على داعش وتجاهل ما تمثله الميليشيات التي ترعاها إيران من خطر يرقى إلى مستوى إرهاب داعش.
ويُحمّل الدبلوماسي السوري بسام برابندي المقيم في واشنطن الإدارة الأميركية السابقة مسؤولية التمدد الإيراني في سوريا دون رقيب، فقد دعم الإيرانيون استخدام القوة ضد الشعب السوري ووعدوا بإرسال الخبراء، وكلما ضعف النظام عسكريا كلما أرسل الإيرانيون قوات إضافية لملء الفراغ.
ويقول برابندي لـ”العرب” “في إحدى الفترات اعتقد الأميركيون أن تواجد القوات الإيرانية مفيد في سوريا لإنهاء النزاع العسكري بسرعة والتعجيل في العملية السياسية، ولم تسمع أميركا لمخاوف السوريين أو دول المنطقة من التوسع الإيراني بسبب الاتفاق النووي”.
ويعتقد برابندي أن إدارة أوباما أوصلت المنطقة إلى مكان يصعب فيه قلب الوقائع والأحداث على الأرض والمتمثلة في الاحتلال الإيراني لسوريا والإدارة الحالية في مأزق، فمن ناحية تريد الانتصار على داعش بسرعة ومن ناحية أخرى تريد التخلص من إيران التي تشارك قواتها والميليشيات التابعة لها في الحرب وتفاقم الطائفية.
إدارة أوباما أوصلت المنطقة إلى مكان يصعب فيه قلب الوقائع والأحداث على الأرض والمتمثلة في الاحتلال الإيراني لسوريا والإدارة الحالية في مأزق
خروج عن القانون
حسب التقديرات يوجد في سوريا ما بين 1500 و3000 ضابط من الحرس الثوري الإيراني يعملون أساسا كمستشارين مسؤولين عن الخدمات اللوجستية وجمع المعلومات الاستخباراتية والتدريب. وتمتثل القوات الشيعية الإقليمية بشكل مباشر لأوامر طهران بما أنها من صنع إيران وجُعلت أولا وقبل كل شيء لخدمة السياسة الإيرانية في المنطقة. وحسب ضابط من الحرس الثوري الإيراني فقد كوّن الحرس الثوري ودرّب 42 لواء و138 كتيبة أُرسلت كلها للدفاع عن نظام الأسد.
وترى الكاتبة السورية مرح البقاعي أن اعتماد إيران على ميليشيات هو شكل من أشكال الخروج عن القانون. وتقول البقاعي لـ”العرب” إن “الميليشيات تحمل في تسميتها صفة الخروج عن القانون لأنها ببساطة عبارة عن تنظيمات مقاتلة لا تنتمي إلى جيش نظامي، وغالبا ما تكون ممولة من جهات معيّنة لتنفيذ غايات هي بدورها تكون خارج شرعة القانون العام ومنظومة الأمن والسيادة للدول التي تتدخل فيها. هذا الأمر ينطبق على الميليشيات الطائفية التي جندتها إيران لفرض نفوذها عبر أذرعها العسكرية التي تنشر الفوضى والتبعيات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط بهدف بسط نفوذها والسيطرة على مقدراته”.
وتضيف البقاعي “عملت إيران على إخفاء دورها في تغذية الإرهاب عبر التغلغل في النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، وبعد ذلك استتبعت هذا التسميم الاجتماعي بحشد طائفي من الميليشيات التي توافقها العقيدة وتجتمع معها على قمع السوريين بالتعاون مع نظام الأسد الذي شرّع دخولها ليبقى على كرسي الحكم”.
وحسب دراسة صدرت عن معهد “تراك برشيا” هناك على الأقل خمسة كيانات لتوفير القوة البشرية لخدمة الأجندة الإيرانية في سوريا هي:
* حزب الله، التنظيم العسكري الشيعي اللبناني المدعوم من إيران
* ألوية فاطميون الأفغانية
* لواء زينبيون الباكستاني
* لواء صعدة التابع للحوثيين اليمنيين
* الميليشيات الشيعية العراقية، ومنها “حركة النجباء“
وتتلقى كل هذه الوحدات العسكرية أوامرها من الحرس الثوري الإيراني، وتخضع رواتبهم ومعداتهم وتدريبهم للإشراف والتحكم الإيراني بشكل تام. ويتولى فيلق القدس التابع للحرس الثوري بقيادة قاسم السليماني عملية التنسيق بينها.
إيران عملت على إخفاء دورها في تغذية الإرهاب عبر التغلغل في النسيج الاجتماعي والسياسي السوري
ويقول الباحث الإيراني فيصل مرمضي لـ”العرب” إن “إيران عملت على اللعب على البعد الطائفي لتجييش المقاتلين الشيعة من كل مكان في العالم والزج بهم في الحرب الطاحنة في سوريا بالنيابة عنها كوسيلة للتخفي عن دورها في المراحل الأولى”. ويعتبر مرمضي أن الميليشيات الطائفية لا تقل إرهابا عن داعش وأمثاله.
ويضيف “لقد ارتكبت فضائح من الجرائم بحق العراقيين في الموصل والرمادي والفلوجة وتكريت وباقي المناطق، وهذا كله موثق أيضا في سوريا وتصريحات قادة هذه الميليشيات موجودة وهي تهدد علنا بحرب طائفية ضد العرب السنة في العراق وسوريا واليمن”.
ويحذر العقيد أديب عليوي من أن دور إيران في الإرهاب لا يتوقف عند دعمها لميليشيات طائفية بل يعتبر أن لها دورا مباشرا في دعم القاعدة. ويقول عليوي لـ”العرب” “لو عدنا قليلا إلى الدستور الذي وضعه الخميني لوجدنا أن العقيدة الخمينية مبنية على تصدير الثورة والإرهاب وإذا دققنا في مراحل بناء القاعدة لوجدنا أن إيران كانت المنصة الرئيسية التي ينطلق منها تنظيم القاعدة، وإيران هي الحاضنة لقادة التنظيم بما في ذلك الرموز مثل بن لادن والظواهري وغيرهما”.
ويحمل الباحث السوري محمود الحمزة المجتمع الدولي مسؤولية تفشي الميليشيات الطائفية والإرهابية في سوريا. ويتساءل في تصريح لـ”العرب” “كيف يمكن للإدارة الأميركية ألا تضع اسم حزب الله والحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب وهما يمارسان الإرهاب بعينه ضد الشعبين السوري والعراقي”.
التقدم نحو دير الزور
في بداية مايو الماضي أخبر قادة وحدات الحشد الشعبي زعماءهم الكبار بأن رواقا بريّا سيمنح إيران خط إمدادات عبر العراق وسوريا وصولا إلى لبنان جرى تحويله جنوب سنجار على بعد 25 ميلا إلى الشمال. وكان مخططا أن تكون البعاج المحور الرئيس ومن هناك كان الطريق سيشق إلى سوريا عبر مدينة دير الزور ومدينة الميادين اللتين مازالتا تحت سيطرة داعش.
وتحتشد قوات مدعومة من إيران بقيادة سليماني على طرفي الحدود بالقرب من الطريق السيارة الرابطة بين دمشق وبغداد مما أدى إلى ثلاث مواجهات على الأقل مع القوات الأميركية ووكلائها من المعارضة السورية بالقرب من معبر التنف في جنوب سوريا.
الباحث السوري محمود الحمزة يحمل المجتمع الدولي مسؤولية تفشي الميليشيات الطائفية والإرهابية في سوريا
وتشير صحيفة الغارديان إلى أن الطريق السريعة تمثل نقطة تركيز الجهود لتأمين طريق قابلة للحياة، فيما يؤكد مسؤولون كبار في الحشد الشعبي أنه يجري استكشاف أروقة محتملة أخرى بما أن انهيار داعش سيغير بسرعة أرض المعركة حول الحدود. ويعتبرون الخيار الأفضل حاليا هو مسلك عبر دير الزور والميادين وتدمر ثم نحو دمشق.
ويصف مارتن شولوف تحرك القوات حول المنطقة الحدودية بأنه بمثابة لعبة شطرنج محيّرة بين عدة لاعبين، وتتقدم فيها الميليشيات المدعومة من إيران في اتجاه العراق من الغرب، وتحرك نفس القيادة الإيرانية الميليشيات العراقية في اتجاههم من الشرق. ومنذ أيام التقت القوتان عند نقطة في الخارطة تقع بين التنف ودير الزور، وهو ما يمثل لحظة مفصلية في الحرب السورية والحرب ضد داعش، وإنجازا ولو جزئيا على الأقل لمخططات إيران لتأمين قوس من النفوذ.
وبتشكل مجالات السيطرة عبر أرض المعركة أصبح أبومهدي المهندس متفائلا حول ما سيحدث لاحقا، فيما تحذر مرح البقاعي من أن إيران عبر هذه الميليشيات الطائفية تسعى إلى فرض نفوذ لها طويل الأمد في المنطقة وهي تتطلع ليطال هذا النفوذ عنان المتوسط؛ فيما يذهب خبراء إلى الربط بين هذه التطورات والضربة التي وجهتها إيران شرق سوريا في عملية هي الأولى من نوعها. فقد أقدم الحرس الثوري الإيراني على إطلاق صواريخ أرض-أرض من غربي إيران على شرقي سوريا، مستهدفا قواعد لجماعات متشددة تحمّلها إيران مسؤولية هجمات في طهران قتل فيها 18 شخصا. وسقطت الصواريخ الإيرانية في منطقة دير الزور.
صحيفة العرب اللندنية