بين أبنية مدمرة جزئيا وأخرى سويت بالأرض، استأنف طلاب الكليات الإنسانية في جامعة الموصل دروسهم بعد أن توقفوا عن مزاولتها حين سيطر الجهاديون على مدينتهم، بينما يخوض عدد منهم امتحاناته في قاعات تطايرت نوافذها وانقطعت الكهرباء عنها.
ورغم أعمال التنظيف التي تشهدها كليات الجامعة المترامية على مساحة 251 هكتارا وتتميز بتنوع اختصاصاتها التي كانت تجذب نحو 39 ألف طالب، إلا أن كليات عدة مازالت خارج الخدمة في انتظار إطلاق مشروع إعادة الإعمار، وفق ما يؤكد مسؤولون إداريون.
وعلى مدخل الجامعة الرئيسي، ينتشر عناصر أمن وحراس يتولون التدقيق في هويات الطلاب وتفتيشهم الواحد تلو الآخر. وفي الحرم الجامعي ينهمك عمال في تنظيف الحدائق والشوارع الملتفة حول الكليات وإزالة الدخان الأسود الذي صبغ الجدران.
بعد توقف عن الدراسة لثلاث سنوات تقريبا، تعود الطالبة سناء نافع إلى مقاعد الجامعة لإنهاء امتحانات الفصل الأول في اختصاص اللغة الإنكليزية في كلية التربية.
وتقول العشرينية بحماسة للصحافة الفرنسية قبل دقائق من بدء الامتحانات “لم يمرّ شهر بعد على تحررنا من غرب الموصل حتى عدت فورا إلى الدوام”. وتضيف “أشعر بالراحة رغم كل الدمار الذي أراه. مجرد تنشق الهواء يعني أننا سلمنا وأن الأمور تعود إلى طبيعتها في الموصل”.
وتستعيد الشابة التي ترتدي حجابا أزرق وثوبا أسود طويلا كيف أمضت السنوات الأخيرة. وتوضح “في هذه الفترة لكوننا بنات فقد كنا نلازم البيت. في البدء كانت الكهرباء موجودة وكذلك وسائل الإعلام وكان بإمكاني أن أستعين بالإنترنت لتحميل الكتب وقراءتها. لكن بعد أشهر عدة قطعت عنا شبكة الإنترنت والإعلام، وأمست فترة ظلام، حيث يمكن للإنسان أن يستعين فقط بفكره ومخيلته حتى يتأمل ويشعر بما يجري في العالم”.
وتأمل سناء أن تنهي تحصيلها العلمي لتصبح مدرسة. وترى أن “داعش انبعث من الظلام.. ومن لحقوا به هم من لم يكن لديهم الوعي الكافي”، مشددة على أن “ديننا الإسلامي الحقيقي والتعلم هو ما نحارب به داعش”.
ووضع الجهاديون خلال سيطرتهم على المدينة، يدهم على الجامعة التي تضم 124 مبنى. وأبقوا على بعض الكليات قيد الخدمة فيما أقفلوا البعض الآخر.
وبحسب موظف إداري رفض الإفصاح عن اسمه واستمر في مزاولة عمله خلال سيطرة الجهاديين، فإن “معظم الطلاب الذين ارتادوا الجامعة خلال سيطرة الدواعش كانوا من أقاربهم وأفراد عائلاتهم”. وبعد بدء القوات العراقية في أكتوبر الماضي هجوماً لطرد التنظيم من المدينة، حول الجهاديون الحرم الجامعي إلى مركز عمليات.
وتبدو ملامح الدمار والتخريب واضحة على أبنية عدة، ولا سيما المكتبة المركزية التي أحرقها التنظيم قبل انسحابه. ويقول زيد محيي الدين أحد موظفي الجامعة أثناء التقاطه صورة عبر هاتفه للمبنى الذي يلفه السواد، “قضى داعش على مئات الآلاف من الكتب والموسوعات القيمة والمخطوطات النادرة”، مضيفا “أول مرة رأيت المكتبة على هذه الحالة، وجدت نفسي أبكي من دون أن أشعر”.
ويؤكد المشرف السابق على المكتبة المركزية لجامعة الموصل محمود أبومهند للصحافة الفرنسية “كان هناك ما يقارب مليون ونصف المليون كتاب داخل مكتبة الجامعة، منها كتب يمنع إخراجها لقيمتها النادرة كالمخطوطات والدواوين”.
ورغم الصعوبات اللوجستية والمادية التي تعيق عودة الجامعة إلى سابق عهدها قبل ظهور الجهاديين، يبدي الطلاب تفاءلهم. ويقول أحمد شهاب أحمد (23 عاماً) “وجودنا مع أصدقائي هنا اليوم دليل على إصرارنا وعلى مقاومتنا لهذه الظروف القاهرة، نأمل أن نحقق ما في بالنا رغم كل هذه العراقيل الموجودة في طريقنا”.
وفي هذا الإطار، يقول ماهر (25 عاما) وهو طالب في اختصاص الجغرافيا، سنة ثالثة، “طالما أن هناك دوام، فلا يهم إن كانت الأبنية محروقة أو مدمرة”.
واستؤنفت الدراسة والامتحانات في الاختصاصات الإنسانية فقط، فيما لا تزال الكليات العلمية التي تضم العدد الأكبر من طلاب الجامعة مقفلة بقرار من وزارة التربية بحجة عدم جاهزية المختبرات بعد.
وتخطط إدارة الجامعة لاستئناف الدروس بشكل طبيعي مطلع شهر أكتوبر القادم على أن يتم في الفترة الفاصلة عن هذا الموعد إنهاء الامتحانات وإكمال العام الدراسي الذي توقف عام 2014. ويقول مدير قسم الإعمار والمشاريع في الجامعة أسامة حمدون إن “أعمال التنظيف أنجزت حقيقة في كل الكليات تقريبا بجهود تطوعية من شباب المدينة، سواء أكانوا طلابا في الجامعة أم في مدارس المدينة”، موضحا أنهم “خلال أربعة أشهر رفعوا آلاف الأطنان من الأنقاض ومخلفات الحرب”.
ولحق الدمار الكامل بـ12 مبنى بينها مقر رئاسة الجامعة فيما تتراوح نسبة الدمار بين خمسة و20 في المئة، وفق حمدون.
وتصارع الجهات المختصة في الجامعة الزمن لإعادة الخدمات الرئيسية وتأهيل بعض الأبنية قبل انطلاق العام الدراسي.
وبحسب حمدون الذي يتخذ من بيت جاهز مقرا له، “يشكل عامل الوقت والضائقة المادية التي تؤثر على حركة الإعمار في الجامعة، التحديين الأكبر اللذين نواجههما حالياً”.
ورغم هذا الواقع، يكرر حمدون مثل طلاب وأساتذة وموظفين آخرين، تأكيده على أن “إعادة فتح الجامعة هي رسالة للعالم كله”. ويقول “الموصل مدينة حضارية. لا داعش أو سواه سيكون قادرا على أن يكسر إرادة شعب الموصل في الحياة”.
صحيفة العرب اللندنية