دمشق – أبدت تركيا حذرا في التعاطي مع المزاج الأميركي الحالي الميال إلى التهدئة معها، وهو ما ترجمه اتخاذ واشنطن جملة من الخطوات مؤخرا، من قبيل إعطاء أنقرة لائحة بالأسلحة الأميركية المقدمة إلى وحدات حماية الشعب الكردي، والتعهد الأميركي باستعادة تلك الأسلحة بعد انتهاء معركة الرقة.
وأظهر وزير الدفاع التركي فكري أشيق الجمعة ترحيبا باهتا بالخطوات الأميركية، محذرا في الآن نفسه من أن بلاده سترد على أي محاولات تنطوي على تهديد من قبل وحدات حماية الشعب الكردي لأمنها.
وتعتبر الوحدات، الذراع العسكرية للاتحاد الديمقراطي الكردي، العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يخوض معركة حاسمة اليوم في مدينة الرقة (شمال شرق سوريا) لطرد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتلقى الوحدات الكردية دعما كبيرا من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الأمر الذي تسبب في بلوغ العلاقات الأميركية التركية درجة كبيرة من الفتور.
وهناك قناعة تركية سائدة بأن وحدات حماية الشعب هي امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي يقود حملة للانفصال في جنوب شرق تركيا.
نواف خليل: واشنطن تسمع أنقرة ما تريد لكنها تفعل في النهاية ما يخدم مصالحها
وترى أنقرة أن تمكين الوحدات في شمال سوريا سيعني بالضرورة تهيئة الظروف لتحقيق الحلم الكردي بالانفصال وتشكيل دولتهم العتيدة.
وقال أشيق لتلفزيون “إن.تي.في” إن الرسالة التي تلقاها من نظيره الأميركي جيمس ماتيس المتعلقة بالأسلحة التي أعطتها الولايات المتحدة للوحدات “خطوة إيجابية” لكن “التنفيذ ضروري”.
وسبق وأن صرح مسؤولون أتراك بأن الإمدادات للوحدات انتهى بها الحال في الماضي إلى أيدي حزب العمال الكردستاني ووصفوا أي سلاح يمنح لها بأنه تهديد لأمن تركيا. وحذر أشيق من الرد على أي عمل للوحدات الكردية.
وقال “سيتم الرد على أي خطوة لوحدات حماية الشعب تجاه تركيا على الفور”. وأضاف “يتم بالفعل تقييم التهديدات التي قد تظهر بعد عملية الرقة. سنتخذ خطوات من شأنها تأمين الحدود بالكامل… ومن حق تركيا القضاء على التهديدات الإرهابية على حدودها”.
وبدأت معركة استعادة الرقة قبل أسبوعين لتزيد الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية الذي يواجه هزيمة في الموصل معقله الرئيسي في العراق.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الأربعاء إن تركيا أرسلت تعزيزات باتجاه مناطق إلى الجنوب من مدينة أعزاز الخاضعة لسيطرة مقاتلين من المعارضة السورية تدعمهم أنقرة.
وتسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على مناطق إلى الجنوب من أعزاز السورية.
وفي أغسطس من العام الماضي بدأت تركيا هجوما في شمال سوريا وأرسلت دبابات وأسلحة عبر الحدود لدعم مقاتلي المعارضة السورية الذين يقاتلون الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب.
هذا الهجوم انتهى دون تحقيق أنقرة لأي من أهدافها وعلى رأسها تحجيم النفوذ الكردي على حدودها الممتدة مع سوريا، بسبب ضغوط أميركية وروسية، واضطرت أنقرة إلى الإعلان عن نهاية العملية التي أطلقت عليها “درع الفرات” في مارس الماضي، إلا أنها أبدت نية في استئنافها في حال حاولت الوحدات الكردية ضرب أمنها.
المساعي التركية لاستهداف الأكراد لم تتوقف، ففي أبريل قامت القوات التركية بقصف مواقع للأكراد في الحسكة في أقصى شمال سوريا، في محاولة جديدة لجس نبض الولايات المتحدة، التي سارعت إلى التنديد بالعملية، مقدمة على نشر قوات لها على الحدود السورية التركية.
فكري أشيق: سيتم الرد على أي خطوة لوحدات حماية الشعب تجاه تركيا على الفور
أنقرة استلمت الرسالة، فخيرت الركون إلى التهدئة في انتظار المتغيرات على الساحة السورية، التي قد تضطر الولايات المتحدة إلى العودة إليها وهو ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين مغادرته واشنطن بعد لقاء عاصف مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في 16 مايو الماضي، “سيأتون إلينا لأنهم سيحتاجوننا”، في إشارة إلى الأميركيين.
ويرى مراقبون أن تصريح أردوغان كان في محله لجهة سعي واشنطن اليوم إلى ترطيب الأجواء مع تركيا.
ويربط المراقبون هذا التغير الأميركي المسجل تجاه أنقرة والذي وصفوه بـ”التكتيكي”، برغبة واشنطن في تخفيف وطأة التقارب التركي الروسي، والذي بلغ أشواطا متقدمة ترجمته بداية العمل على الأرض لتنفيذ اتفاق تخفيف التصعيد الموقع في أستانة 4.
وكشف إبراهيم قالين المتحدث باسم الرئيس التركي مؤخرا أن أنقرة وموسكو قد تنشران قوات تابعة لهما في ريف إدلب (شمال غرب) تنفيذا لمذكرة مناطق تخفيف التوتر، فيما ستكون معظم القوات في محيط دمشق روسية وإيرانية.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تسجيل موقع مؤثر لها في هذا الاتفاق عبر تولي مهمة الإشراف الكامل على الجنوب السوري، وذكر قالين “يجري حاليا العمل على آلية خاصة بريف درعا جنوب سوريا تعتمد على قوات أميركية وأردنية”.
ويرى خبراء أن هذه التفاهمات الجارية، تدفع واشنطن نحو السعي إلى تحسين علاقتها مع أنقرة ولكن دون أن يعني ذلك التخلي عن الحليف الأساسي وحدات حماية الشعب التي تقتطع مساحات واسعة لها في شمال سوريا وشرقها (تسيطر على أكثر من 20 بالمئة من مساحة سوريا).
وقال مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل لـ“العرب” أعتقد أن “الأمر لا يتعدى المغازلة لأن الواقع على الأرض يشي بعكس ما تتمناه الحكومة التركية التي لم تلب الإدارة الأميركية السابقة والحالية أيا من مطالبها المتعلقة بالعلاقة مع الأكراد”.
وأوضح أن “الولايات المتحدة تسمع تركيا ما تريد لكنها تفعل في النهاية ما يخدم مصالحها، وهذا لا يعني أن الأكراد إذا صحت تصريحات أشيق سيكونون سعداء في ظل اشتداد حملة الرقة ومحاولات النظام السوري من جهة وتركيا من جهة أخرى ضربهم”.
العرب اللندنية