تقسيم سوريا.. ما بين النفط والغاز والسلام

تقسيم سوريا.. ما بين النفط والغاز والسلام

حلت الذكرى 101 لاتفاق سايكس بيكو، وفي ضوء الحرب الأهلية السورية التي لا تتوقف، حان الوقت أن نسأل: كيف يمكن تسوية تلك الحرب؟

شكّل اتفاق سايكس بيكو المجالين البريطاني والفرنسي للنفوذ في الشرق الأوسط رسميًا، وأفسح المجال للانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان، والذي استمر بين عامي 1923 و1946. عام 1936، قدم علي سليمان الأسد، جد الرئيس السوري بشار الأسد وغيره من العلويين، التماسًا للرئيس الفرنسي ليون بلوم في محاولة للبقاء تحت الحماية الفرنسية: “تنبع جذور روح الكراهية والتعصب في قلب العرب المسلمين تجاه كل ما هو غير مسلم، وتغذيها إلى الأبد روح الدين الإسلامي. ليس هناك أمل في أن يتغير الوضع. إذا ألغيت الولاية، فالأقليات في سوريا ستتعرض لخطر الموت والإبادة”.

جاءت أفكار الأسد في الوقت المناسب، في ضوء اقتراح من جمشيد وكارول تشوكسي من جامعة إنديانا من أجل “خطة تقسيم محايدة” لسوريا. من شأن الاقتراح أن يُكمل وقف إطلاق النار، مع التقسيم على أسس عرقية (مع ما يصاحبه من عمليات نقل السكان)، ولا دور لروسيا وإيران وتركيا الذين تصرفوا كمحاربين.

معظم العرب السنة سيحصلون على المحافظات في الوسط والشمال، والأكراد سيأخذون الشمال الشرقي، والعلويون والشيعة سيحافظون على المقاطعات الساحلية المتوسطة، والمسيحيون، والدروز، واليهود من الجنوب الغربي والجنوب، والإيزيديون سيحصلون على جيب على الحدود السورية العراقية.

يعترف الاقتراح بأن الطوائف السورية المتعددة لم تكن “مترابطة بالعلمانية والتسامح”، وأن القتال الذي لا يقف منذ عام 2011 زاد حدة الطائفية العرقية. تضمن المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي مقياسًا لأمن الأقليات من المسيحيين واليهود والدروز والإيزيديين، الذين تعاونوا مع نظام الأسد للحماية، والذين يريدون الهروب من العقاب السُني.

على المجتمع الدولي أن ينظر بجدية في مقترح لإقامة دول عرقية مستقلة أو مناطق مستقلة، وأن يغتنم هذه الفرصة؛ لتجنب تكرار الطابع الطائفي للدستور العراقي، الذي أشار العراقيون إلى أنهم لم يصيغوه. هذا يتعارض مع الغرب، التي “تحتفل بالتنوع”، لكنها كانت تتعامل، دون جدوى في كثير من الأحيان، مع سلالات اشترتها الهجرة غير المنضبطة من أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

هناك أربعة عوامل من شأنها أن تمنع المفاوضين من ترتيب الحكم الذاتي العرقي، وهم النفط، الغاز الطبيعي في منطقة حوض المشرق العربي، واثنين من المقترحات المتنافسة لخطوط أنابيب الغاز الطبيعي التي تعبر سوريا، ممر النقل الإيراني عبر سوريا، حيث تحتاج إيران إلى دعم نظام الأسد وحليفه اللبناني حزب الله، واللاجئين السوريين والمشردين داخليًا.

1- تشير تقديرات المسح الجيولوجي الأمريكية أن هناك مواردًا محتملة يمكن استردادها من “1.7 بليون برميل من النفط و122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي” في منطقة حوض المشرق، وهي خارج إسرائيل، قطاع غزة، لبنان، وسوريا . تطور إسرائيل حقولها وأصبحت مصدرًا للطاقة. من المحتمل أن يحصل لبنان على مكافأة مماثلة، ومرر تشريعًا يحكم التنقيب عن النفط والغاز، إلا أن التنمية تعطلت، حيث يتنازع لبنان واسرائيل على مساحة تبلغ 300 متر مربع تطالب كلتا الدولتين ضمهما لمناطقهما الاقتصادية الخالصة.

لن يكون آمنًا تطوير البترول في مياه غزة، حتى يُبرم الإسرائيليون والعرب اتفاق سلام، ويتبنى الفلسطينيون إجراءات شفافية صارمة بسبب فساد السلطة الفلسطينية. لدى سوريا احتياطيات نفطية محدودة في محافظة دير الزور الشرقية، التي كانت مُنتجة قبل الحرب الأهلية. استفاد نظام الأسد وداعش من تهريب النفط إلى تركيا.

من المرجح أن تطالب المناطق العرقية ذاتية الحكم بحصة من عائدات النفط والغاز من الحقول البحرية في المقاطعتين اللتين يسيطر عليهما العلويون والشيعة، قبل أن يوافقوا على وقف إطلاق النار والتقسيم. قد يكون الحل هو تشكيل شركة تشغيل تتسم بالشفافية، كأساس لميثاقها المؤسسي أو تمنحها هيكل حوكمة تسترشد به مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية.

سيكون من المهم تتبع الأموال؛ لأنها ستكون ضرورية لإعادة الإعمار، التي تقدر تكلفتها بما لا يقل عن 180 بليون دولار. لدى روسيا وإيران ما يكفي من المال لتعطيل سوريا، لكن ليس لإعادة بناءها. تركز الولايات المتحدة على المخاوف الداخلية. إذا لم تتدخل أمريكا، فلن تفعل أوروبا أبدًا.

تريد تركيا قطعة من الكعكة، لكن لا أحد سيحشد جهود إعادة حكم الباشا السلطوي. لدى دول الخليج النقد، لكنها تفتقر إلى مهارات إدارة العقود للإشراف على إعادة البناء. قد ترغب الصين في إدراج سوريا في حزام واحد مع شبكة النقل البري، لكن فقط إذا حصلت على ضمانات الأمن والموارد الطبيعية.

2- سيكون تنافس خطوط أنابيب الغاز الطبيعي التي تعبر سوريا أمرًا حيويًا. عام 2009، اقترحت قطر على سوريا توجيه خط أنابيب الغاز الطبيعي، الذي يبلغ طوله 1500 ميل، إلى أوروبا عبر محافظة حلب السورية. كانت قطر ترغب في أنبوب لنقل الغاز إلى أوروبا، حيث اقتصرت وسائل نقل الغاز على ناقلة الغاز الطبيعي، ومعظمها إلى آسيا، مع شحنات محدودة إلى أوروبا، أو خط أنابيب دولفين إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

رفضت سوريا عرض قطر. عام 2011، وافقت سوريا وإيران والعراق على بناء خط أنابيب لربط حقل غاز بارس الجنوبي بجنوب إيران إلى أوروبا. سيتدفق خط الأنابيب من عسلوية وإيران إلى أوروبا، عبر إيران وسوريا ولبنان، مع سوريا كمركز للتجميع والإنتاج.

ماتت المشاريع، لكن النعي لم يُنشر. الخطر السياسي يكاد يكون سيئًا، حيث سيتعين التفاوض على عمليات نقل خطوط الأنابيب مع مجموعات وطنية مؤقتة، وربما حكومة سورية باقية مع قدرتها المؤسسية المتبقية.

لكن المشاريع ليست عديمة الفائدة، بل لديها فائدة سياسية. يمكن لمقدميها – إيران وقطر – التلاعب بالقتال، والحفاظ على أحلام السياسيين وأرباب الحرب في العبور على قيد الحياة بقولهم “عندما يحين الوقت”.

3- الممر السوري الإيراني. قامت إيران ببناء ممر عبر سوريا لدعم نظام الأسد وحليفه اللبناني حزب الله. كان الطريق في الأصل يعبر الحدود السورية التركية، قبل أن يتجه جنوبًا إلى حمص واللاذقية. ردًا على بناء القوات الأمريكية في الشمال الشرقي، حوّلت إيران الطريق على بعد 140 ميل إلى الجنوب، معظمها عبر محافظتي حمص ودير الزور، التي ستسيطر عليها السُنة في التقسيم الذي تُجرى دراسته.

بموجب تقسيم خسارة الممر عبر الأراضي السُنية، سيكون نكسة استراتيجية لطهران، حيث سيتعين عليها الاعتماد على شحنات المحيطات، التي تم اعتراض العديد منها، والشحنات الجوية، وهي مُكلفة وتحد من حجم البضائع. بالإضافة إلى ذلك، فزيادة استخدام الخطوط الجوية الإيرانية لدعم الأسد وحزب الله سيعرضهم لعقوبات غربية متزايدة – وقد يُجمد الصفقات مع بوينج وأيرباص – في الوقت الذي تحاول فيه إيران الاندماج مع الاقتصاد العالمي.

4 – المسألة الأخيرة هي اللاجئون السوريون والمشردون داخليًا. هناك ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ سوري مُسجل في تركيا، لبنان، الأردن والعراق. لدى تركيا أكبر مجموعة من اللاجئين، بما يقرب من ثلاثة ملايين، لكن لديها أيضا أكثر الاقتصادات نموًا وقدرة على استضافتهم، في الوقت الراهن. تستضيف الأردن أكثر من 650 ألف لاجئ، فيما تستضيف لبنان أكثر من مليون، أي أكثر من 20٪ من السكان الأصليين البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة.

يستضيف العراق أكثر من 200 ألف لاجئ، وجميعهم في المناطق التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان. هناك ستة ملايين نازح داخليًا، العديد منهم بسبب العمليات القتالية. قد تؤدي زيادة النشاط العسكري من قِبل الولايات المتحدة، والتشريد القسري المزعوم للمدنيين من قِبل الوكلاء الأمريكيين، إلى زرع بذور المشاكل في المستقبل.

الأردن ولبنان أقل قدرة ماليًا على استضافة اللاجئين إلى أجل غير مسمى، ولديهما أضعف أعمال التوازن العرقي، ويفتقران إلى المال اللازم لدرأ الخلافات، لذا ينبغي أن تكون الأولوية إعادة السوريين من الأردن ولبنان. لكن إعادتهم إلى أين؟ قد يكون الإغراء الوحيد حصة من عائدات النفط والغاز، المخصصة للدول العرقية المستقلة أو المناطق المستقلة. بالنظر إلى ذلك، لن تهتم لبنان والأردن بالتأخيرات أو الأعذار.

القائمة السابقة ليست شاملة. فالمشاكل المحتملة الأخرى هي:

– وضع مرتفعات الجولان. إذا سقطت سوريا، هل ستضم إسرائيل الجولان وتحصل عليها؟

– استيعاب الدول العرقية / المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي من قِبل الدول المجاورة. لن تحب تركيا مقاطعة كردية سورية شبه مستقلة. في العراق، هل ستؤدي كردستان عراقية كبرى إلى مطالبة الأكراد بنصيب أكبر من النفط والمقاعد في مجلس النواب؟

– تتحكم روسيا بمجريات الأمور، وستجعل الأمر صعبًا، على الأرض وفي مجلس الأمن الدولي، ما لم تؤمن قواعد بحرية وجوية في “الكيان العلوي”، فيما يشارك بطلها الوطني غازبروم وروسنيفت في تطوير حوض الشام.

كلمة “لم يسبق لها مثيل” ألقيت حول الكثير في سوريا. قد يكون الوقت قد حان لتطبيق هذا التفكير على تقسيم سوريا. سيكون الإعداد الافتراضي للمجتمع الدولي هو محاولة تصحيح سوريا القديمة معًا في حدود معترف بها دوليًا، لكن هذا العمل لصالح البيروقراطيين ووكالات المعونة ومقاوليهم. ستمنح خطة التقسيم المحايدة لسوريا كل جماعة إثنية أو طائفية منطقة تحت سيطرتها.

هل يجب رتق سوريا معًا؟ ربما، لكن هذا سؤال للسوريين ولن يتم تقديم الجواب في هذه الدورة السياسية. إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية الأمريكية استغرق 12 عامًا، من 1865 إلى 1877، وكان ذلك لقتال بين الناس من نفس المجموعة العرقية والدين، الذين لم يكونوا مصممين على إبادة بعضهم البعض. في سوريا، سيتخذ الأحفاد القرار النهائي بشأن الوحدة.

التقرير