عندما التفت قوات من «الحشد الشعبي» الموالي لإيران وميليشيات تابعة لها عند نقطة على الحدود العراقية السورية مطلع الأسبوع الماضي، كانت طهران تُعد للخطوات التالية في خطتها لفتح طريق بري يربطها بالبحر المتوسط، ومن أهم الأهداف التالية التي تتضمنها هذه الخطة محاولة الوصول إلى معبر التنف الاستراتيجي في منطقة المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني، والسيطرة على مدينة البوكمال ثاني أكبر مدن محافظة دير الزور، والخاضعة لتنظيم «داعش» الآن، وتكمن أهمية التنف والبوكمال في أن السيطرة عليهما تتيح طريقاً ممهدة بين المحافظات «الشيعية» جنوب العراق والبادية السورية، ومنها إلى تدمر ثم محيط دمشق، وصولاً إلى القلمون الغربي والحدود اللبنانية.
ويتطلب ذلك أن تسبق الميليشيات التابع لإيران فصائل سورية معارضة يُدرِّبها خبراء أميركيون وبريطانيون إلى خوض المعركة الفاصلة ضد «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في محافظة دير الزور.
لكن معركة التنف والبوكمال صعبة بالنسبة للميليشيات الإيرانية، وربما يتعذر خوضها إذا صمدت مذكرة التفاهم الأولية التي اتفقت واشنطن وموسكو عليها الأربعاء الماضي، وتضمنت عدم وجود ميليشيات غير سورية بعمق 30 كم من حدود الأردن، وكانت هذه المذكرة نتيجة لإصرار واشنطن على «الخطوط الحُمر» التي رسمتها في منطقة التنف ومحيطها، وسعت إلى تأكيدها فعلياً عبر عدة عمليات عسكرية أثارت جدلاً واسعاً في الأسابيع الأخيرة. كانت الأولى في 18 مايو عندما قصفت طائرات التحالف الدولي قافلة حاولت التقدم نحو معبر التنف وأوقعت خسائر في صفوفها، وأعقب ذلك في 29 من الشهر نفسه إلقاء منشورات على تجمعات لقوات سورية نظامية وميليشيات تابعة لإيران لمطالبتها بالتراجع إلى منطقة حاجز ظاظا (على بعد 75 كم من معبر التنف) التي سبق أن أبلغت واشنطن موسكو ضرورة توقف هذه الميليشيات والقوات عندها، وجاءت العملية الثانية في 6 يونيو حيث قصفت طائرات أميركية ميليشيات إيرانية وقوات نظامية لم تستجب للتحذيرات. أما العملية الثالثة فكانت في 9 يونيو عشية الاختراق الذي حققته ميليشيات تابعة لإيران، وأسفرت عن إسقاط طائرة «درون» من دون طيار تابعة لقوات النظام السوري، كما أسقطت مقاتلة أميركيةٌ طائرةً سوريةً من طراز «إس -يو 22» في 18 يونيو رداً على قصفها لمقاتلين أكراد تدعمهم واشنطن، وبعدها بيومين (20 يونيو) تم إسقاط طائرة «درون» أخرى إيرانية الصنع أطلقتها قوات موالية للنظام، كما نشر الأميركيون راجمات الصواريخ المتطورة «هيمارس» في قاعدة التنف العسكرية.
وتمسكت الولايات المتحدة في الاتصالات التي أجريت مع روسيا بمنع مرابطة ميليشيات تابعة لإيران في المنطقة الممتدة من القنيطرة في الجولان إلى درعا وريف السويداء وصولاً إلى معبر التنف، مع إمكان أن يكون لنظام الأسد وجود رمزي في معبر نصيب مع الأردن.
لذا فالأرجح أن معركة إيران لتأمين طريق إلى البحر المتوسط ستكون أكثر صعوبة على الجانب السوري للحدود، منها على الجانب العراقي الذي تسيطر قوات «الحشد الشعبي» على منطقة واسعة منه تتيح لها التحرك بسهولة بين نينوى والحسكة.
والأرجح أن تسعى إيران، في حالة صمود التفاهم الأميركي الروسي القلق، لتسريع العمل الذي بدأته شركاتها لشق طريق التفافية وراء الموصل إلى الحدود لربطها بالطريق إلى دمشق، بعد أن نجح تكتيك ميليشياتها عندما التفت على المنطقة التي تعتبرها واشنطن ضمن «الخطوط الحمر»، ووصلت إلى الحدود. ورغم صعوبة هذا المسار وكلفته المرتفعة، فقد لا يكون أمام طهران غيره حال إصرار واشنطن على منع أي وجود لميلشياتها في المنطقة التي يمر عبرها المسار الأفضل للطريق بالنسبة لإيران إلى البحر المتوسط.
وربما تكون الأسابيع المقبلة حاسمة بشأن أحد أهم الأهداف الاستراتيجية لإيران، مثلما ستمثل اختباراً بالغ الأهمية لالتزام السياسة الأميركية بتقليص نفوذ طهران في المنطقة، ولذا ستتجه الأنظار خلالها إلى جنوب سوريا، وبالأخص المنطقة الممتدة من ريف دمشق إلى التنف، ومن محور ريف السويداء الشرقي جنوباً إلى أطراف دير الزور شرقاً، فضلاً عن درعا التي قد تصبح معركتها الأكثر عنفاً منذ معركة حلب، بسبب أهميتها للنظام السوري الذي يتطلع إلى استعادة أكبر جزء ممكن من المناطق الجنوبية، ولإيران التي تعتبر السيطرة عليها جزءاً مهماً في خطتها لتأمين طريقها إلى البحر المتوسط.
وحيد عبدالمجيد
صحيفة الاحاد