في لقاء عباس مع المبعوثين كوشنر وجرينبلات، وهما يهوديان، سعى الرجلان إلى تقديم مطالب «إسرائيلية» على أنها مطالب أمريكية، مثلما كان يفعل سلفهما المبعوث اليهودي السابق دينيس روس أيام بوش الأب والابن وكلينتون، حيث كان يعرض المطالب «الإسرائيلية» على أنها مطالب أمريكية. كوشنر طلب من الرئيس الفلسطيني وقف صرف مخصصات أسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين، بحجة أن ذلك يعتبر تمويلاً للإرهاب، لكن الجانب الفلسطيني رفض مناقشة هذا الأمر، لأنه يمس صلب النضال الفلسطيني، ويلحق الضرر بآلاف الأسر الفقيرة ويخلق أزمة اجتماعية. وطلب الوفد الأمريكي من الجانب الفلسطيني إدانة عملية القدس التي قتلت فيها مجندة وثلاثة شبان فلسطينيين في شهر رمضان، لكن الجانب الفلسطيني كرر موقفه من أن العنف مدان مهما كانت ضحيته، و«إسرائيل» لا تدين أي عنف يرتكب ضد الفلسطينيين.
ونقل أبو مازن الحوار إلى القضايا السياسية، بينما أراد الجانب الأمريكي التركيز على مخصصات الأسرى والجوانب الأمنية فقط، وكرر الجانب الفلسطيني موقفه من قضايا الوضع النهائي بدلاً من الإغراق في تفاصيل أمنية وغيرها، بمعنى آخر، كان الوفد الأمريكي صامتاً سياسياً وثرثاراً في قضايا غير سياسية، ولم يتحدث مطلقاً عن حل الدولتين، بل استمع وقال إنه سينقل ما سمع من «الإسرائيليين» والفلسطينيين إلى الرئيس ترامب الذي إن رأى أن الظروف ملائمة سيطرح أفكاراً حول صفقة السلام، وإلا فإنه سينسحب.
الانسحاب هو هدية تتمناها «إسرائيل» وتهديد مبطن للفلسطينيين، إضافة إلى مساعٍ في الكونجرس تريد المضي قدماً في إقرار قانون يحظر تقديم أي مساعدات للسلطة الفلسطينية، وهو ما يحاول المبعوث جرينبلات منعه دون جدوى، لأنه يدرك أن حرمان السلطة من أي مساعدات مع توقف الدعم العربي وتقليص الدعم الأوروبي، فإن الوضع على الأرض سيتفاقم ويخلق حالة مناهضة للسلام، ويؤدي إلى حال من الفوضى، في وقت يشهد المحيط الحدودي مع الأراضي الفلسطينية حالة من الفوضى المسلحة مع سقوط الحدود، وهذا يمس بالأمن «الإسرائيلي» أولاً.
«الإسرائيليون» من جانبهم لم يعودوا يتحدثون عن حل الدولتين بل عن دولة غزة فقط القائمة في غزة، وطرح أحد المعلقين «الإسرائيليين» وجهة النظر«الإسرائيلية»، كما ستعرض على الأمريكيين، بحيث يتم إلحاق غزة بمصر كونفدرالياً، والضفة أو ما سيتبقى من الضفة، حيث يريد الاحتلال ضم مساحة كبيرة إليه، إلى الأردن ضمن كونفدرالية ثانية معه، وتوطين وتجنيس اللاجئين الفلسطينيين في أماكن سكناهم، وتخفيض عدد العرب في الكيان المحتل منذ عام ،48 بضم سكان المثلث إلى الضفة، بحيث تكون «إسرائيل» دولة لليهود يعترف بها العرب، وتشترط الأفكار «الإسرائيلية» حل حزب الله، وضم الجولان للكيان، والاعتراف بيهودية «إسرائيل» وبالقدس عاصمة له، ونزع سلاح إيران، بمعنى آخر لا تقدّم «إسرائيل» شيئاً ضمن هذه الأفكار التي ستطرحها كأفكار مضادة في حال طرح الإدارة الأمريكية لأي أفكار لا تعجب الحكومة «الإسرائيلية».
«إسرائيل» التي تحاول تشتيت الأنظار عن أي مبادرات أمريكية محتملة حول السلام، تحدثت مطولاً عن السلام الاقتصادي الإقليمي الذي يتيح حل القضية الفلسطينية تلقائياً ضمن تفاهمات مع الدول العربية وليس مع الفلسطينيين، وهي تختلق أزمات تارة مع السلطة وتارة مع غزة أو حزب الله، بهدف البحث عن عقبات تمنع طرح أفكار أمريكية، ووجدت في الجولان أخيراً مبرراً جديداً، حيث اعتبرته جزءاً منها، وأغلقته كمنطقة عسكرية مع وصول رذاذ قذائف إليه من المتقاتلين على الجانب السوري، وكشفت عن أنها تموّل وتسلّح بعض المعارضة في الجولان، ووجدت في اشتداد المعارك في الجولان مبرراً إضافياً لإعادة الحديث عن أنها ستتمسك باحتلاله، نظراً لأهميته الاستراتيجية. وفيما يتعلق بحماس، فإنها أغلقت الباب نهائياً عن أي مواجهة محتملة مع «إسرائيل»، باعتبار تغير الظروف الدولية وفقدانها الاتزان السياسي مع بداية الأزمة مع قطر التي تعتبر داعماً رئيسياً لها. وهي ماضية وفقاً لأفكارها بتصدير الكتل السكانية في الضفة إلى الأردن، بعد ضم أغلب أراضي الضفة إليها، بما فيها الأغوار، بمعنى آخر ما زالت «إسرائيل» تتصرف وفق مشروع شارون القديم ولم تغير سياستها، حيث قال شارون يوماً «سنرسم حدود «إسرائيل» في الضفة وفقاً لاحتياجاتنا، وما تبقى كيان للفلسطينيين، فليسمّوه دولة أو إمبراطورية كيفما شاؤوا، وستبقى الحدود والجسر تحت سلطتنا».
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/6dbe161f-8e8f-4591-873d-4667b5a7d758#sthash.pCmIR7om.dpuf