عندما عاد عمر إلى البيت بعد 40 يوماً قضاها في معسكر تدريب يديره “داعش”، كان من الواضح أن شيئاً ما قد انكسر فيه. فبعد أن كان ذات مرة صبياً هادئاً ومعجباً بمسلسلات “سبونج بوب” الكرتونية، أصبح عمر، 12 عاماً، ولداً عدوانياً. ,طلب من أمه الكف عن وضع الماكياج، ورفض السلام على صديقاتها الإناث، وأصبح يغضب عندما تحاول أن تساعده في الاستحمام. “قال لي أن هذه الأشياء ممنوعة في الإسلام. لقد غسلوا دماغه”.
مات عمر بعد وقت قصير من آخر زيارة له للمنزل. ولأن “داعش” دربه ليكون واحداً من جنودها الانغماسيين -قوات الصدمة التي يتم إرسالها إلى القتال بالبنادق الهجومية والسترات الانتحارية- قُتل عمر قبل ستة أشهر وهو يقاتل قوات الحكومة السورية في مدينة دير الزور الشرقية، ليس بعيداً عن بلدته. وسمح “داعش” لوالدته بخمس عشرة دقيقة تقضيها مع جثة ابنها قبل دفنه في قبر مُنعِت -كامرأة- من زيارته.
تفاقم غضب أمينة بسبب علاقتها بالرجل الذي تحمله المسؤولية عن موت ابنها. والآن، وقد أصبحت لاجئة في تركيا، تقول إن زوجها، الذي أصبح متيماً بأيديولوجية “داعش” بعد وقت قصير من اجتياح المجموعة لمنطقتهم، هو الذي شجع عمر على الانضمام إلى المتطرفين. وتقول والدموع تنهمر من عينيها: “قال لي إنني يجب أن أكون سعيدة عندما مات عمر. كان الأمر كما لو أن أحداً انتزع روحي”.
جند الجهاديون المتطرفون الآلاف من الأطفال في العراق وسورية. ومثل عمر، تم إرسال الكثيرين منهم إلى الجبهة ليموتوا. ويعمل آخرون كجواسيس، وصانعي قنابل، وطهاة أو حراس سجن. وفي الحالات المتطرفة، قام الأطفال بإعدام السجناء، واحتزوا رقابهم بالسكاكين أو أطلقوا النار عليهم في الرأس. وتم تعريض آلاف أخرى من الأطفال لأيديولوجية المجموعة المشوهة في المدارس التي يرعاها “داعش”.
يصوِّر الجهاديون الأطفال على أنهم مستقبل “خلافتهم”، الذين سيكفلون بقاءها على قيد الحياة. ومع ذلك، أصبح الجهاديون يرسلون الأطفال إلى الموت الآن أكثر من أي وقت مضى. فبضغط من العمليات البرية التي تدعمها الولايات المتحدة، شرعت مناطق “داعش” في العراق وسورية في التقلص. ومن أجل تعويض الحصيلة المتصاعدة من القتلى في صفوف الكبار، يقوم المتشددون بتجنيد المزيد من الأطفال. وفي شهر كانون الثاني (يناير) وحده، فجر 51 ولداً أنفسهم في الموصل. وسوف يموت آخرون كثيرون منهم في المعركة التي بدأت تواً من أجل مدينة الرقة السورية. ومع تعرضهم للضغط في ميدان المعارك، تغلبت المصلحة العسكرية على أحلام رعاية الجيل القادم من المحاربين المقدسين.
مع ذلك، سوف يتمكن العديد من الأطفال من البقاء بعد الخلافة، وسوف يشكلون خطراً أمنياً لوقت طويل بعد فنائها. وتشعر أجهزة الاستخبارات الغربية بالقلق: ربما يجد الأولاد الذين تم تعليمهم صناعة القنابل والذين يكرهون الغرب أن من الأسهل عليهم من الكبار الانسلال عبر الحدود أو تخطي أجهزة الأمن. وفي العراق، ما تزال الحكومة غير مجهزة لللتعامل مع تسريح وإعادة تأهيل الآلاف من الجنود الأطفال المدربين الذين تشوهت عقولهم بأيديولوجية عنيفة. وفي فوضى سورية، ربما يشكل “أشبال الخلافة” السابقون مجندين سهلين للمجموعات الجهادية الأخرى الكثيرة في البلد.
والسؤال هو: كيفَ التعامل مع الخطر القادم؟ أحد الاحتمالات القاتمة هو قتل أكبر عدد ممكن من الجنود الأطفال في ميدان المعركة، وسجن البقية. ومع ذلك، تقول خبرة التاريخ أن ذلك سيحوِّل السجون إلى أرض خصبة لتكاثر الجيل القادم من المتشددين. وثمة مسبقاً نحو 2.000 صبي يقبعون في سجون العراق، متهمين بالعمل مع “داعش”. وتتسم مراكز الاعتقال هذه بسوء التجهيز للتعامل مع الصغار المتطرفين. وبعيداً عن تلقي عناية متخصصة، يقول الأطفال المعتقلون الذين قابلتهم مجموعات حقوق الإنسان إن قوات الأمن العراقية قامت بتعذيبهم. وبتعرض هؤلاء الأطفال للإيذاء والهجران، سوف ينشأون وهم يكرهون الدولة.
سيكون الخيار الأفضل بكثير هو إعادة تأهيل الجنود الأطفال الذين ينجون من المعارك. وبإعادة تعليمهم وتوفير عمل لهم، سيكون هؤلاء الأطفال أقل احتمالاً لإعادة الانضمام إلى المجموعات المسلحة، وجذب أقرانهم إلى التطرف أو إنشاء جماعاتهم المتمردة الخاصة. وعلى سبيل المثال، تلقى برنامج الأمم المتحدة لإعادة التأهيل في سيراليون الكثير من الإطراء. لكن ما يبدو جيداً في النظرية سوف يكون صعباً في الممارسة. سوف يعود الكثير من الأطفال إلى مجتمعات يحتقرهم أفرادها بسبب انضمامهم إلى مجموعة شقت طريقها في مدنهم وقراهم بالذبح والنهب. ويقول قائد للثوار قاتل ضد “داعش” في سورية: “هؤلاء الأولاد ليسوا ضحايا. لقد قتلوا أقاربنا وأصدقاءنا. إنهم يستحقون الموت”. وسوف يرفض أولاد آخرون تلقي المساعدة، خوفاً من تعرضهم للاعتقال على أيدي قوات الأمن العراقية أو القتل على يد “داعش” لقاء هروبهم منه.
سوف تجعل الطرق العديدة التي يجند بها “داعش” الأطفال من برامج إعادة التأهيل أصعب على التصميم. فقد تم انتزاع بعض هؤلاء الأطفال من دور الأيتام، أو اختطافهم من طوائف الأقليات. وبتحفيز من أقرانهم، تم إغواء البعض الآخر بالانضمام على أساس وعد المجموعة بالمغامرة والمال والسلطة. كما أرسل بعض الأهل أبناءهم إلى التنظيم في مقابل الطعام والوقود والغاز، وتلقي مبلغ شهري قدره 200 دولار؛ وأرسلهم آخرون، مثل والد عمر، لأنهم آمنوا بأيديولوجية “داعش”.
كان الدور الذي لعبته العائلات في عملية التجنيد مدمراً بشكل خاص. ففي صراعات أخرى، قام آباء الجنود الأطفال بتسهيل تحولهم إلى الحياة المدنية. وفي السلفادور، على سبيل المثال، قال 84 في المائة من الجنود الأطفال السابقين إن عائلاتهم كانت العامل الأكثر أهمية في إعادة إدماجهم، وفقاً لما ذكرته مجلة “بيوميديا”. لكن الكثير من العائلات في العراق وسورية كانت قد شجعت أبناءها في وقت ما على الانضمام إلى المتشددين، بعضهم على أساس اعتقاد مروع بأن موت ابنهم في المعركة يفتح طريقهم هم إلى الجنة.
من المغري رؤية استخدام “داعش” للأطفال كشأن فريد بين المجموعات المتطرفة. ففي تموز (يوليو) 2015، أطلق الجهاديون أول شريط فيديو لطفل يقطع رأس أسير (طيار في سلاح الجو السوري). وفي أوائل العام 2016، أصبح ولد بريطاني عمره 4 سنوات، والذي جلبته أمه إلى سورية، أول طفل أوروبي يتم تصويره في شريط فيديو لعملية إعدام: تم تصويره وهو يضغط زراً لينسف سيارة في داخلها ثلاثة سجناء. وفي شريط فيديو آخر، يتسابق أولاد بين أنقاض قلعة، ويتنافسون على من يستطيع أن يقتل معظم الأسرى. كما تم تصوير آخرين وهم يمسكون رؤوساً مقطوعة، بينما يمتلئ آباؤهم بالفخر وهم يقفون إلى جانبهم.
على الرغم من أن ابتكارية “داعش” في ارتكاب العنف ربما تكون جديدة، فإن درجة الوحشية ليست كذلك. فقد قتل جنود أطفال في مناطق أخرى من العالم آباءهم وأمهاتهم، وقطعوا شفاه الأسرى وبتروا أطرافهم. وليست البربرية هي الشيء الجديد، وإنما الكيفية التي يتم بها توثيق العنف ونشره. وليست الأسباب التي تجعل طفلاً ينضم إلى “داعش” فريدة. ففي صراعات أخرى أيضاً، تم انتشال الجنود الأطفال من أكثر المجتمعات فقراً، وكانوا فريسة سهلة للقادة الدينيين البارعين في تحويل مشاعر الغضب والتهميش والانتقام إلى عنف.
تجري الآن في العراق دراسة الخطط لتوفير التلمذة الصناعية والتدريب المهني للشباب الصغار الذين قاتلوا مع “داعش”. وربما ينتهي المطاف بأشبال الخلافة ذات يوم وهم يقومون بإصلاح وحدات تكييف الهواء، وبقص الشعر، وإصلاح السيارات وأجهزة الهواتف المحمولة. لكن هذا كله ما يزال بعيد المنال. فخلق الوظائف في بلد بمعدلات بطالة مرتفعة بين الشباب ويعاني من الفساد المزمن سوف يتطلب الوقت والمال. وتشرع المدارس في فتح أبوابها في مناطق كانت ذات مرة تحت احتلال “داعش”، لكن تزويدها بالمعلمين الأكفياء الذين يستطيعون التعامل مع قضايا معقدة مثل نزع التطرف والصدمات النفسية من الأطفال سيكون مهمة صعبة. وقد بدأت الحكومات في الغرب بإظهار اهتمام ببرامج إعادة التأهيل. وسوف يعتمد ما إذا كان أشبال اليوم الجهاديون سيتحولون غداً إلى أسود إلى حد كبير على مدى ديمومة هذا الاهتمام.
صحيفة الغد