تخطط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتوسيع تدخل الولايات المتحدة في ليبيا بحجة تواجد العديد من الجماعات الإرهابية وسط مخاوف من تزايد النفوذ الروسي في البلاد وقناعات بين العديد من مساعدي ترامب وأعضاء الحزب الجمهوري ان إدارة الرئيس السابق بارك اوباما قد تخلت عن ليبيا دون تحقيق إنجاز يذكر بعد الإطاحة بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي.
ويعتقد قادة من الجيش الأمريكي، وفقا لمنصات إعلامية وسياسية قريبة من البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، ان تنظيم «الدولة الإسلامية» يحاول تجميع صفوفه في أماكن متفرقة من البلاد على الرغم من ان الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة دفعت عناصر التنظيم إلى الخروج من سرت التي كانت تعد أكبر معقل له خارج سوريا والعراق. وقصف الجيش الأمريكي بالفعل، تجمعات للتنظيم خارج المدينة، وحذر من الوجود المتزايد لروسيا في البلاد.
ومن المتوقع ان تبدأ إدارة ترامب في تنفيذ سياستها الجديدة التوسعية في ليبيا خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وهي سياسة تهدف إلى تعزيز الأهداف الأمريكية الحالية المتمثلة في دعم المصالحة بين الفصائل المتنافسة في المناطق الشرقية والغربية من البلاد، ومن المرجح ان تؤدي هذه السياسة اإلى اعادة فتح السفارة الأمريكية وتأسيس الوجود الدبلوماسي في طرابلس وإقامة جهود جديدة لتبادل المعلومات الاستخبارية مع دور متزايد للقوات الأمريكية الخاصة، حيث سيتم ارسال ما يصل إلى خمسين جنديا إلى ليبيا على أساس دوري للمشاركة في عمليات استخبارية وتدريبية.
وقال محللون أمريكيون ان ترامب قد تراجع بالفعل عن سياسته القديمة التي كانت تتمحور حول عدم وجود أي دور للولايات المتحدة في ليبيا خارج نطاق مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد ان تزايدت التحذيرات من انخراط روسيا في الشأن الليبي لدرجة توجه العديد من المسؤوليين الليبيين إلى موسكو للمساعدة في العثور على حل للأزمة في البلاد علما بان موسكو فقدت مليارات الدولارات من الاستثمارات في ليبيا، وهي تحاول الوصول إلى ميناء بنغازي.
وكشف مسؤولون من إدارة ترامب ان واشنطن تخطط أيضا، لزيادة تواجدها في مدينة بنغازي التي شهدت هجمات دموية في عام 2012 أسفرت عن مقتل أربعة أمريكيين، اضافة إلى إعادة انشاء مركز تنسيق بين القوات الأمريكية والسلطات الليبية لتسهيل تبادل المعلومات الاستخبارية. واتفق العديد من المسؤولين على ان إدارة ترامب قررت مضاعفة الدور التدريبي والاستشاري للقوات الليبية.
وعادت التساؤلات حول الدور الأمريكي في المستقبل القريب بشأن ليبيا بعد شن القوات الأمريكية المزيد من الغارات الجوية ضد أهداف لتنظيم «الدولة» بطريقة ملفتة للنظر بعد آخر سلسلة من الغارات الجوية التي أمر بها الرئيس السابق باراك اوباما في الأسبوع الأخير من عمله كرئيس للولايات المتحدة.
ولخصت تقارير نشرها موقع مجلس الاطلسي التحركات الأمريكية الأخيرة بالقول ان ترامب يخطط لزيادة التدخل الأمريكي في ليبيا على أعتاب الهزيمة التي يمر بها تنظيم «الدولة» بعد مرحلة من التردد بسبب ادراك متأخر في الإدارة على الأهمية الحاسمة لليبيا للأمن القومي الأمريكي، فقد أصبح من الواضح ان الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل التهديد الأمني الذي تفرضه ليبيا على حلفاء الولايات المتحدة في جنوب البحر المتوسط، حيث تواجه أوروبا ثلاثة تهديدات رئيسية ناشئة من ليبيا هي، الهجرة غير الرئيسية والنشاط الإجرامي في شبكات الاتجار بالبشر عبر الحدود في افريقيا والإرهاب، ووفقا لهذه التقارير فان التنظيمات الإرهابية حاولت الاستفادة من الشبكات الإجرامية.
وطالبت ايطاليا مرارا المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، الارتقاء بحل الصراع في ليبيا باعتباره أولوية من أولويات الاستقرار الدولي. وكانت ايطاليا من أول الدول مما يفسر الاهتمام الأمريكي بعقد لقاءات مع الجانب الايطالي لمناقشة الشأن الليبي، حيث أكد اجتماع عقد مؤخرا بين وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزير الدفاع الايطالي روبرتا بينوتي على التعاون الأمريكي الايطالي في مجال الإرهاب وأزمة المهاجرين وبالتالي حل الأزمة الليبية.
وحاول المشرعون الأمريكيون مرارا وضع ليبيا على «شاشة رادار» إدارة ترامب، خاصة بعد تصريحات أحد كبار الضباط بان روسيا تنافس الولايات المتحدة من أجل احداث تأثير في البلاد. إذ قال الجنرال توماس فالدهاوسر، قائد القيادة الأمريكية في افريقيا أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا العام، ان روسيا تحاول ممارسة نفوذ على القرار النهائي لحكومة متنفذة في ليبيا، وأضاف ان التدخل الروسي في ليبيا يمثل مصدرا للقلق بالنسبة للجيش الأمريكي.
وطالب مشرعون من بينهم السناتور جون ماكين من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون منذ الأيام الأولى لتوليه المنصب ان يلتفت جيدا إلى الشأن الليبي، حيث سادت مشاعر من القلق في واشنطن من ان روسيا قد تحاول الاتصال مع العديد من مجموعات المعارضة الليبية كما هو الحال في سوريا، ولم يعلق تيلرسون كثيرا على تفاصيل السياسة الأمريكية تجاه طرابلس، وما إذا كان سيتبع سياسة الرئيس السابق باراك اوباما لدعم الحكومة الوطنية إذ حافظت وزارة الخارجية حتى الآن، في البيانات الصحافية، على خط إدارة اوباما نفسه، وقد ساهم الأمر التنفيذي لترامب بحظر السفر من دول عربية وأسلامية إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك ليبيا في تعطيل بعض الجهود المتشابكة مع السياسة الأمريكية في البلاد.
السياسة الأمريكية الجديدة تجاه ليبيبا ستواجه الكثير من التحديات، وأولها حرب الوكالة الجارية في البلاد بين أطراف دولية وإقليمية، والولايات المتحدة بحاجة إلى اقناع مصر والإمارات العربية لوقف دعمها للجنرال خليفة حفترودفع جميع الأطراف إلى الحضور إلى طاولة المفاوضات بقيادة الأمم المتحدة وبنوايا حسنة كما ان هناك حاجة إلى معالجة الاخفاقات الأمريكية والأوروبية المتتالية في تدريب القوات المحلية.
رائد صالحة
صحيفة القدس العربي