أنقرة – يبدو أن مهمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوحيدة، ومنذ استلامه الرئاسة، هي جلب المزيد من الأعداء لتركيا في محيطها الإسلامي والأوروبي، ومراكمة الأزمات في نقض تام لنظرية “صفر مشاكل” التي ابتدعها حليفه السابق أحمد داود أوغلو.
والمفارقة أن أردوغان الذي يغرق الأتراك في الأزمات ويراكم مشاكل الاقتصاد التركي، يسعى لعرض نفسه وسيطا في الأزمة القطرية مع الدول الأربع المقاطعة لها، وفي وساطة فاشلة مسبقا بسبب انحيازه الكامل لقطر. وكان لأنقرة دور أساسي في تعميق الخلاف بين الدوحة وجيرانها عبر إرسال قوات تركية إلى قطر.
وقال متابعون للشأن التركي إن الأزمة الحادة التي تسببت بها تصريحات عدائية لأردوغان منذ ما قبل إجراء الاستفتاء في أبريل الماضي دفعت ألمانيا، كما روسيا من قبلها، إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية حادة ضد تركيا.
وأعلنت برلين أنها ستعيد النظر في تسليم أسلحة ألمانية إلى تركيا، وتوقفت محطات تلفزيونية ألمانية عن بثّ إعلانات تركية، في ترجمة ملموسة للتدهور الحالي في العلاقات بين البلدين.
وصرّح فيليب جورنيتز المتحدث باسم وزارة الاقتصاد المسؤولة عن هذا الملف بأن “إعادة النظر في العلاقات” مع تركيا التي أرادتها برلين بسبب الخلاف بين البلدين حول احترام حقوق الإنسان، “تشمل كل المجالات، من ضمنها سياسة تصدير الأسلحة”.
وأكد كلام جورنيتز بشكل جزئي المعلومات التي نشرتها صحيفة “بيلد” الألمانية عن أن الحكومة “جمدت كل عمليات تسليم الأسلحة الجارية أو المقررة إلى تركيا”.
وزادت برلين من تحذيراتها للمواطنين الألمان إزاء المخاطر التي قد يتعرضون لها في حال سفرهم إلى تركيا، ما قد يضعف الإيرادات السياحية التركية، كما هددت ألمانيا بوقف تسهيل الاستثمارات في تركيا والصادرات التركية.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الألماني دفع الرئيس التركي برئيس الوزراء بن علي يلدريم إلى التهدئة والاعتذار المقنّع وحث برلين على مراجعة موقفها.
ودعا يلدريم ألمانيا، إلى “التصرف بتأن واللجوء إلى الحوار وعدم إلحاق الضرر بالعلاقات مع بلاده”.
وقال يلدريم في تصريحات صحافية “لا تزال تركيا ترى ألمانيا شريكا استراتيجيا، وإن “الشركات الألمانية في تركيا حتى لو كان أصحابها ألمانيين، هي بالنسبة لنا شركات تركية ولا توجد أي إجراءات ضدها”.
وأشار المتابعون إلى أن التصعيد الذي رافق تصريحات أردوغان وخاصة الأوصاف المسيئة التي أطلقها ضد الألمان، لم تترك مجالا أمام برلين للحفاظ على هدوئها، لافتين إلى أن الرئيس التركي يريد تكرار الأسلوب الذي حل به الأزمة مع ألمانيا، من خلال الاعتذار، معتبرين أن الأمر لم يعد ممكنا خاصة أن شخصيات ألمانية بارزة باتت تنظر إلى أنقرة كخصم وتطرح أسئلة قوية حول تهديدها الأمن القومي للبلاد.
وكشفت هيئة حماية الدستور الألمانية (الاستخبارات الداخلية) أنها تنظر إلى تركيا باعتبارها خصما بسبب أنشطتها داخل ألمانيا.
وقال رئيس الهيئة هانز جيورج ماسن، خلال أحد المؤتمرات في برلين “لم نعد ننظر بصفتنا جهازا استخباراتيا إلى تركيا منذ محاولة الانقلاب العسكري في الصيف الماضي والتغييرات في السياسة الداخلية التركية على أنها شريك فقط، بل أيضا كخصم في ضوء عمليات التأثير التي تمارسها في ألمانيا”.
وإلى الآن لا يزال الرئيس التركي يطلق تصريحات متعالية بشأن الخلاف مع ألمانيا يعقد بالتأكيد مهمة رئيس الوزراء والمسؤولين الآخرين الذين يحاولون تطويق نتائجها الوخيمة على اقتصاد تركيا وأمنها.
وبدل أن ينكب على حل الأزمة مع ألمانيا، ينحصر تفكير أردوغان في وساطة قد تقود إلى إنقاذ حليفه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من مقاطعة محكمة تتولاها ضده كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين.
وقال الرئيس التركي الجمعة إن بلاده ستبذل أقصى ما في وسعها لحل المشاكل بين “الأشقاء في منطقة الخليج” بينما يستعد لزيارة السعودية والكويت وقطر الأحد والاثنين في زيارة لا يتوقع متابعون لشؤون الخليج أن تحقق أي اختراق في الأزمة بسبب انحياز أنقرة بشكل نهائي للدوحة.
ولفت المتابعون إلى خطاب أردوغان الذي يغازل السعودية ويهاجم بقية الدول الأربع لم يعد يفيد في إقناع الرياض بالسماح بالوساطة التركية، خاصة بعد تتالي وصول قوات تركية للدوحة، وهي الورقة التي زادت من التعنت القطري.
العرب اللندنية