باريس – نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التوصل إلى مصالحة بين الطرفين الرئيسيين في ليبيا، رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج المدعوم دوليا وقائد الجيش المشير خليفة حفتر الماسك بالوضع على الأرض في الشرق، وأنتجت هذه المصالحة اتفاقا من عشر نقاط على بدء عملية سياسية واسعة يسبقها وقف إطلاق النار في مختلف الأراضي الليبية.
وأعلن الرئيس الفرنسي أن السراج وحفتر توافقا على إجراء انتخابات “في ربيع” 2018.
والتزم رئيس حكومة الوفاق وخصمه قائد الجيش بوقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات في أقرب وقت ممكن، وفق مسودة بيان نشرتها الثلاثاء الرئاسة الفرنسية.
وجاء في مسودة البيان أن السراج وحفتر التزما بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بالسرعة الممكنة.
وقال البيان إن حفتر والسراج اتفقا على أن “نعلن التزامنا بوقف إطلاق النار (…) ونتعهد بالعمل على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن”، قبل أن يلتقيا لاحقا بحضور الرئيس الفرنسي.
وجاء في المسودة أن الحل السياسي هو وحده الكفيل بحل الأزمة، وأن يكون اتفاق الصخيرات الذي تم الاتفاق عليه في 2015 في المغرب بدعم من الأمم المتحدة أساسا للعملية السياسية.
وتقول مصادر فرنسية إن باريس معنية مباشرة بالمسألة الليبية بسبب مسؤولية فرنسا في إسقاط النظام السابق كما مسؤوليتها في عدم إطلاق عملية سياسية تؤمن استقرار البلاد بعد زوال نظام معمر القذافي، وبسبب سعيها والأوروبيين جميعا إلى إقفال الملف الليبي الذي يصدر الهجرة والإرهاب إلى القارة الأوروبية.
وتعتبر أوساط قريبة من الإليزيه أن التسوية الليبية هي من أولويات الرئيس ماكرون في سياسة فرنسا الخارجية لا سيما المتعلقة بالعلاقة مع دول البحر الأبيض المتوسط.
وتضيف هذه الأوساط أن الجهود الفرنسية في تأمين مصالحة بين حفتر والسراج تأتي لتستكمل جهودا عربية قامت بها الإمارات من خلال استضافتها الرجلين قبل ذلك.
وتؤكد هذه الأوساط أن الملف الليبي كان جزءا من مداولات الاجتماع الأخير في باريس بين ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصا أن موسكو تعتبر من الدول الداعمة لحفتر وهي تقترب في هذا الصدد من الرؤية المصرية لعلاج الأزمة في ليبيا.
وتسعى أوساط الرئاسة الفرنسية إلى عدم التعجل في إطلاق أحكام متفائلة حول جهود باريس وتعتبر أن ما صدر عن اجتماع حفتر- السراج مدخل مهم لإطلاق عملية سياسية شاملة لفرض استقرار سياسي وأمني على البلاد برعاية إقليمية ودولية.
ساندرو غوزي: على فرنسا ألا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها في ليبيا
وتنقل صحيفة لوموند الفرنسية عن أوساط في الإليزيه أن “الهدف هو تسهيل تفاهمات سياسية ووقف أي عمليات عسكرية لا تكون موجهة لمكافحة الإرهاب”، مشددة على “الانخراط الشخصي” للرئيس الفرنسي في إيجاد تسوية للوضع الليبي.
وقلّل متابعون للشأن الليبي من سقف التفاؤل تجاه هذا الاتفاق في ضوء فشل اتفاقيات ولقاءات سابقة بين السراج وحفتر، أو بين قيادات ليبية من مناطق وقبائل مختلفة، في التوصل إلى حلول سرعان ما يتم التراجع عنها وتبادل الاتهامات بإفشالها والعودة إلى المواجهات.
وأشار المتابعون إلى أن الاتفاق لن يستمر طويلا إذا لم يحسم أمر تحالف الضرورة القائم حاليا بين السراج وجماعات إسلامية مختلفة، وخاصة جماعة الإخوان الليبية التي تتخفى وراء حكومة الوفاق لتمرير أجندتها في السيطرة على الغرب الليبي، وتعطيل التقارب بين رئيس حكومة الوفاق وقائد الجيش.
ولا يقدر السراج لوحده على المبادرة بفك الارتباط مع الإسلاميين المتحكمين بالعاصمة طرابلس. ويعتقد مراقبون أن مهمة فرنسا كراعية للمصالحة أن تضغط عليه لتعديل رأيه، وعليها أيضا أن تتحرك لإقناع دول مثل الجزائر وإيطاليا المتحمستين للعب ورقة الإسلاميين في أي اتفاق لضمان مصالحهما.
ويرى المراقبون أن الحد من سيطرة الإسلاميين على الأجهزة الأمنية الموالية للسراج، ومن ثمة على قرار رئيس حكومة الوفاق، يحتاج إلى تحرك فرنسي باتجاه الدول الداعمة لهم ماليا وعسكريا مثل تركيا وقطر التي لا يزال القرار الفرنسي تجاه رعايتها للمتشددين مرتبكا برغم الدلائل التي قدمت لوزير الخارجية جان إيف لودريان خلال جولته الخليجية.
ويحتاج السراج إلى أن يتخلى عن حساسيته المفرطة تجاه خصمه القوي حفتر، وأن يقدم ضمانات إضافية للاتفاق الذي ترعاه فرنسا خاصة أن صندوق الاقتراع هو من سيحسم من هو الأحق بكرسي الرئاسة. كما أن حفتر مدعو إلى إعطاء الفرصة كاملة للحوار السياسي على أمل التوصل إلى وفاق أوسع بين مختلف الفرقاء، وإرجاء ورقة الخيار العسكري إلى مرحلة انسداد الأفق.
ولم ينجح السراج الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي في بسط سلطته على البلاد بالكامل بعد أكثر من عام من انتقال حكومة الوفاق إلى طرابلس في حين يحظى حفتر بدعم برلمان طبرق المنتخب، وبدعم المعسكر العربي الداعم لخيار أولوية الحرب على الإرهاب.
وقال ماتيا توالدو المتخصص بشؤون ليبيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن “توازن القوى على الأرض بات يميل لصالح حفتر. لقد نجح في تأمين العديد من القواعد في جنوب البلاد وسيطر على قاعدة الجفرة الاستراتيجية في الوسط وقد يتجه غربا إلى سرت في الأسابيع المقبلة”.
وأثارت المبادرة الفرنسية على ما يبدو بعض الانزعاج لدى إيطاليا، وخصوصا أنها تدفع الثمن الأكبر في ملف المهاجرين الذين يصلون يوميا بالمئات إليها انطلاقا من السواحل الليبية.
وقال وزير الدولة الإيطالي للشؤون الأوروبية ساندرو غوزي “على فرنسا ألا تكرر في ليبيا الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي”، واصفا التدخل الدولي الذي دفع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في اتجاهه لعام 2011 بأنه كان “كارثيا”.
ونبه غوزي في مقابلة مع صحيفة لاريبوبليكا نشرت الاثنين إلى أن “التزام ماكرون في الأزمة يجب أن يكون جامعا ويستند إلى علاقة خاصة مع إيطاليا”.
العرب اللندنية