طهران – قد تكون أسماء معظم شركات التكنولوجيا الإيرانية غير مألوفة بعكس الخدمات التي تقدمها، فتطبيق “سناب” شبيه “أوبر”، و“ديجيكالا” توازي “أمازون” فيما تشبه “بينتابين” خدمة “بوكينغ دوت كوم” لحجوزات السفر.
فقد سمحت العقوبات الأميركية على إيران بحماية قطاع التكنولوجيا وحرمت شركات التكنولوجيا العالمية من دخول السوق الإيرانية وأتاحت تأسيس وانطلاق شركات محلية صغيرة تقلد الشركات العالمية.
ويرى محللون أن وجود إيران خارج رقابة حقوق الملكية الفكرية والمنافسة خلال فترة العقوبات واستمرار ابتعادها عن الاندماج في الاقتصاد العالمي، كانا أحد العوامل في نمو تلك الظاهرة.
وتستخدم الشركات الإيرانية الموازية حتى بعض العبارات الأميركية الخاصة بتلك الأنشطة. لكن يبدو من الصعب اتهام تلك الشركات بنسخ الشركات العالمية، فنقل نموذج شركة أجنبية إلى إيران ليس بالمسألة البسيطة.
وقال أمير علي مهاجر المسؤول عن التشغيل في بينتابين لحجوزات السفر “إنها ليست مسألة نسخ حرفي… تحتاج إلى خبرة محلية يتعين بناؤها من الأسفل إلى الأعلى، وقد تحتاج إلى نموذج عمل مختلف تماما لجعلها تنجح”.
يقع مكتب مهاجر إلى جانب العديد من الشركات الناشئة متسارعة النمو في مكاتب مجموعة “إيران إنترنت” شمال طهران حيث يعرف شباب وشابات الطبقة المتوسطة بولعهم بالمظاهر الغربية، بدءا من ارتداء سراويل الجينز الضيقة وأغطية الرأس التي لا تغطي الشعر كله، وبشرب قهوة الإسبرسو في غرف الاجتماعات الزجاجية.
العقوبات الأميركية على إيران سمحت بحماية قطاع التكنولوجيا وحرمت شركات التكنولوجيا العالمية من دخول السوق الإيرانية
موظفو “بينتابين” لا يبنون موقعا إلكترونيا فحسب بل يقومون بتحويل نشاط صناعة الفنادق بأسرها في إيران.
وقال مهاجر “حتى وقت قريب جدا، كانت ترتيبات السفر تتم خارج الإنترنت وعبر اتصالات هاتفية ورسائل فاكس وطرق تقليدية تنتمي فعلا إلى العقد الماضي”.
ويمضي موظفو الشركة نصف وقت عملهم تقريبا في محاولة إقناع الفنادق بالتخلي عن الحجوزات الخطية والمباشرة في مكننة أعمالهم.
ويؤكد مهاجر الذي أمضى 16 عاما في بريطانيا وكندا، أنه عاد إلى إيران لشعوره بأنها مكان يمكن للتكنولوجيا أن تحدث فيه “تأثيرا ذا أهمية”.
وأضاف أننا “نؤمن حقا بأننا نتجه نحو إعطاء إيران المكانة التي تستحق في سوق السفر العالمي… والمساهمة في إعادة بناء هوية إيرانية تضررت لسوء الحظ بسبب قضايا سياسية”.
ويمكن مشاهدة الأجنحة الضخمة لمعرض “ايليكومب” للتكنولوجيا المقام حاليا في طهران في مختلف أنحاء المدينة بأكشاكها البراقة وخطوطها المضيئة وهي تنمو بسرعة، فقطاع الشركات الناشئة كان يتضمن 80 شركة قبل 3 سنوات، لكن العدد يجاوز 400 شركة حاليا، وهي تنشط في مجال تطبيقات التسليم والتسوق على الإنترنت والألعاب.
غير أن العلامات التجارية العالمية تكاد تكون غائبة تماما جراء العقوبات الأميركية القاسية التي لا تزال مفروضة رغم رفع دول أخرى بعض القيود بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015.
وتوصل بعض الإيرانيين إلى طرق للاستفادة من العقوبات. فإحدى الشركات في “ايليكومب” تقوم بشراء منتجات “أمازون” من الولايات المتحدة وشحنها إلى إيرانيين مقابل مبلغ إضافي زهيد.
400 شركة ناشئة تعمل في إيران حاليا في مجال تطبيقات الإنترنت المتعلقة بالتسوق والألعاب
وقال المتحدث باسم الشركة حميد توكلي إن “الناس يحبون ذلك. هناك الكثير من المنتجات المقلدة في إيران. عندما يشترون عن طريقنا، يحصلون على البضاعة الأصلية”.
غير أن للعزلة نتائج متباينة. فقد أكد منظم المعرض ناصر علي سعدات أن “هناك وجهين للعملة. عندما ترزح تحت العقوبات تكون لديك الفرصة للقيام بالكثير من الأشياء بنفسك… لكنه بشكل عام ليس بالأمر الجيد… لا يمكن أن تعيش وكأنك على جزيرة في هذا العالم”.
ويشاركه الرأي الألماني الإيراني رمتين منزهيـان الذي جاء من برلين في 2014 لتأسيس موقع “باميلو” للتجارة الإلكترونية وتطبيق “سناب” لطلب خدمـة سيـارات الأجرة.
ولا يبدو منزهيان مضطرا للقلق من أن تقوم أمازون وأوبر باستبعاده من السوق. لكنه لا يستطيع أن يأمل بأن تعرضا شراءه بمليارات الدولارات كما يحصل في أماكن أخرى.
وأكد أنه يحتاج إلى قطاع بيع بالمفرق مزدهر لتعزيز خدماته بعد أن “أضعفت العقوبات القدرة الاستهلاكية والشرائية إلى حد كبير. وهذا يضر بكافة المصالح”.
ومع ذلك يرى إمكانات هائلة في الدولة البالغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، مع طبقة متوسطة استهلاكية كبيرة. وقال “إنها ربما الدولة الكبيرة الأخيرة من دون منافسين كبار”.
ويبدو المستثمرون الأجانب مدركين للوضع. فقطاع التكنولوجيا في إيران جذب مئات ملايين الدولارات من شركات مثل الجنوب أفريقية “أم.تي.أن” والألمانية “روكيت” والسويدية “بوميغرانات”.
وليست التكنولوجيا نفسها هي الإنجاز الحقيقي بحسب اسفنديار باتمانقليج مؤسس منتدى أوروبا-إيران، بل تأسيس تلك الشراكات الأجنبية. ويتوقع انتشار تلك الشراكات في مزيد من القطاعات التقليدية مثل قطاع التجزئة.
وقال “المسألة لا تقتصر على الابتكار الرقمي وتأسيس الشبان لمشاريع أعمـال رائـدة، وهو أمر مستجد بعض الشيء في إيران، بل أيضا حول تأثير رأس المال الاستثماري على الاستثمار في إطاره الأوسع”.
وأضاف أن “التكنـولوجيا كانت منطلقا ذكيا، مبالغ أولية صغيرة من رأس المال تمكنك من العمل مع رواد مشـاريع شباب بدلا من أعمال تديرها عائلات عريقة”. وأضاف “بالطبع، تبقى العديد من التحديات لكنها من صنع الناس ويمكن حلها من قبل الناس”.
العرب اللندنية