تفاخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً بأنه يستطيع إغلاق قاعدة جوية حاسمة في إمارة قطر الخليجية الصغيرة، وسوف تصطف “عشرة بلدان” في المنطقة سعياً وراء بناء قاعدة جديدة “وسوف يدفعون تكاليفها.”
بينما قد لا تكون هناك عشرة بلدان، فإن من المؤكد أن هناك أماكن أخرى في الخليج، والتي يمكن أن تكون مقرا رئيسيا للحروب الجوية بقيادة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وسورية بدلا عن المنشأة التي بنتها قطر في العديد. ولكن، يظهر أن لدى البنتاغون في الحقيقة شيء جيد يجري في القاعدة، التي تكلف القوة الجوية الأميركية أقل كلفة ممكنة للصيانة السنوية.
وهناك أيضاً مزية صاحب العقار الذي لا يتدخل في شيء، والخطر القليل من التعرض لهجوم إرهابي، وممر جوي يوفر للطائرات الأميركية رحلة قصيرة للوصول إلى داخل العراق وسورية، ناهيك عن السماح للطيران الأميركي بتغطية منطقة الخليج برمتها خلال دقائق.
لكن سياسات المنطقة مخادعة.
لقد دعم الرئيس حصار السعودية الاقتصادي والدبلوماسي لقطر على الأغلب بسبب علاقة قطر مع طهران، ودعمها لشبكة محطة الجزيرة، وروابطها الحميمة مع حماس ومتشددين آخرين.
حتى الآن، صمد القطريون في وجه العاصفة ورفضوا تقديم تنازلات. ولكن، كلما طال أمد الأزمة، فإنه ربما يصبح من الأكثر صعوبة على القاعدة الاستمرار في العمل بشكل طبيعي.
يقول إيلان غولدنبيرغ، المسؤول السابق في إدارة الرئيس أوباما ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد: “من ناحية، تبقى العديد مهمة جداً. لكنها من الناحية الأخرى لا تعني أن القطريين يتوافرون على الرافعة” لإجبار واشنطن على دعم موقفهم. ويضيف: “من المؤكد أن فقدان القاعدة سيتسبب في صداع لوجستي، وسوف يلحق الضرر على المدى القريب بقدرتنا على إدامة نفس المستوى من العمليات الجوية في المنطقة.”
ثمة عدد من الخيارات في المنطقة، بما فيها قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات العربية المتحدة التي تدعم الحصار السعودي. وتعمل الولايات المتحدة وفرنسا مسبقاً انطلاقاً من هذه القاعدة.
لكن واشنطن وحلفاءها أغرقوا أصلا ما يعادل عَقدين من الزمن من الاستثمارات في هذه المنشأة، وحيث ثمة عشرات الملايين من الدولارات المقرر إنفاقها على منشأة أميركية جديدة في العام المقبل.
في المجموع، سوف ينفق سلاح الجو الأميركي 149 مليون دولار لإدامة 9.000 جندي أميركي في القاعدة هذا العام، وفق القيادة الأميركية الوسطى. ولوضع ذلك في المنظور، عندما يتعلق الأمر بالإنفاق العسكري الأميركي، سوف تخصص البنتاغون 437 مليون دولار للإبقاء على عشرات الفرق العسكرية ناشطة في العام 2017.
بحلول نهاية هذا العام، سوف تنتهي الولايات المتحدة إلى دفع 28 مليون دولار في شكل مشروعات إنشائية في القاعدة، بما في ذلك بناء مستودعات ومرافق للتدريب، وتحديث قاعات الطعام وربط نظام الصرف الصحي للقاعدة بالنظام القطري. ومن المقرر أن تعالج التحديثات أعواماً من الشكوى من الظروف المعيشية في المنشأة. وتبين وثائق الموازنة لعام 2018 تخصيص مبلغ 15 مليون دولار آخر على إنشاءات جديدة.
تشكل البنايات الجديدة اعترافاً بأن الولايات المتحدة تخطط للبقاء بعد 16 عاماً من الحرب في أفغانستان والعراق، بينما تستمر التهديدات الجديدة في الظهور في المنطقة. وقال الناطق العسكري الأميركي الكولونيل داميين بيكارت لمجلة “فورين بوليسي” أن هذه المباني “تمثل انتقالاً من بيئة استكشافية فيها مرافق مؤقتة إلى قاعدة تتوافر على بنية تحتية قادرة على إدامة عمليات طويلة الأمد.”
بينما قال ترامب أن بلداً آخر يمكن أن يدفع تكاليف بناء قاعدة جديدة، فإنه لم يترتب على البنتاغون دفع حتى عشرة سنتات لبناء قاعدة العديد. وكانت الحكومة القطرية قد أسست هذه القاعدة في العام 1996 كبديل للقوات الأميركية بعد الهجوم الإرهابي على أبراج الخبر في السعودية، والذي أسفر في حينه عن مقتل 19 جندياً من سلاح الجو الأميركي وجرح أكثر من 400 آخرين.
مع أن القوة الجوية الأميركية استمرة في استخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية وقرية الإسكان في السعودية طيلة التسعينيات في أعقاب الهجوم، فإن عدداً متنامياً من القيود التي وضعت على نوع العمليات التي تنفذها الولايات المتحدة قادت إلى نقل المزيد من القوات والطائرات إلى العديد، وخاصة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن.
وقال بيكارت: “نحن هنا بناء على طلب القطريين. ونحن نلعب دورا مفيدا على نحو متبادل”.
بسبب الحساسيات القطرية لاستضافة آلاف الجنود الأميركيين، ظل وجود قاعدة العديد في قطر مخفياً بشكل بائس لأول 17 عاماً من هذا الوجود، حيث طلب من الصحفيين عدم كشف اسم وموقع مقرات الحروب الجوية في العراق وأفغانستان.
ولكن، في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2013، زار وزير الدفاع الأميركي في حينه، تشاك هاغل، مركز العمليات الجوية في قطر، وسمح مسؤولو البنتاغون أخيراً للصحفيين المرافقين بالإشارة إلى القاعدة صراحة. وانكشف السر الذي كان يعرفه الجميع وخرج أخيراً إلى العلن.
لكن ثمة مخاوف من الأزمة الدبلوماسية التي شهدت عزل قطر على يد الذين كانوا حلفاءها ذات مرة في المنطقة. وتستمر الولايات المتحدة في تزويد القوات الأميركية هناك بالإمدادات عن طريق الجو، بينما يقول مسؤولون عسكريون أنه لم يطرأ أي تغيير على العمليات. لكن بلداناً خليجية أخرى تبدي امتعاضاً من العمل باعتبار أنه يمثل التفكير الاعتيادي لواشنطن، مما يضع ضغطا على تلك العلاقات في وقت حساس يشهد قتالاً ضد “داعش”، وحيث توسع إيران نفوذها في عموم المنطقة.
وحتى ترامب الذي استخدم كلمات قاسية ضد الحكومة القطرية وعلاقاتها مع إيران وحماس، قال إنه يعتقد بأن القاعدة الأميركية سوف تبقى على الأرجح. ربما!
في الأسبوع الماضي، قال ترامب في مقابلة مع شبكة “سي. إن. إن” الأميركية الإخبارية: “سوف تكون لنا علاقات جيدة مع قطر، ولن نواجه مشكلة مع القاعدة العسكرية. لو تطلب منا الأمر المغادرة، فإننا سنجد 10 بلدان أخرى ترغب في بناء قاعدة أخرى لنا. وستدفع تلك البلدان تكاليف البناء. لقد ولت الأيام التي كنا ندفع فيها .”
كما يحدث في كثير من الأحيان في إدارة ترامب، ظهر بعد أيام لدى أحد الوزراء في الحكومة الأميركية رأي مختلف بعض الشيء. وقال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، للصحفيين في البنتاغون: “ما من حاجة للبحث عن بدائل” لقاعدة قطر، “حالياً، لا يوجد أي تأثير على عملياتنا العسكرية.”
إلى جانب مركز العمليات الجوية المدمجة الضخم، حيث يعمل 1.000 شخص من القوات المتحالفة، تؤوي قاعدة العديد جناح الاستكشاف الجوي 379 –أكبر جناح استكشافي في سلاح الجو. ويتكون الجناح الجوي من أكثر من 100 طائرة تعمل 24 ساعة في اليوم، موفرة مراقبة تغطي المنطقة، بالإضافة إلى عمليات قصف لدعم القوات المدعومة من الولايات المتحدة.
وقال غولدنبيرغ: “أعتقد بأن تصريحات الرئيس حول الموضوع كانت عقلانية تماماً. نحن نريد علاقات جيدة مع قطر. ونريد الحفاظ على القاعدة الجوية. إنها مهمة وقيمة. ولكن إذا حصل دفع من أجل الرحيل، فإن لدينا أيضاً خيارات أخرى أقل مثالية، ولا يجب علينا وضع كل مصالحنا الأخرى رهناً لهذه القاعدة وحدها.”
بول مكليري
صحيفة الغد