بعد ان نجح في اعادة تنظيم الجيش العراقي بسرعة قياسية اثر هزيمته وتداعيه المفاجىء في الموصل ومحافظة نينوى قبل ثلاث سنوات، تمكن رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي الذي جيء به للإنقاذ والإصلاح وتحقيق أول هدف رئيسي كبير، وهو تحرير الموصل وغالبية المناطق العراقية وانهاء تنظيم داعش التي كان قد اعلنها البغدادي قبل ثلاث سنوات، غداة تسلم العبادي وتقلده لمنصب رئاسة الوزراء وللقيادة العليا للقوات المسلّحة. ففي الثامن آب/أغسطس الحالي طرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في المؤتمر الصحفي رؤيته لمستقبل العراق التي شملت جميع مفاصل الدولة من سياسية “داخلية وخارجية “وعسكرية واقتصادية وأمنية واجتماعية.
أن رؤية العبادي لما بعد الانتصار والتحرير هي مجموعة خطوات تتلخص في سبع نقاط مترابطة لا تتقدم إحداها عن الأخرى أو تنفصل عنها، ولا بد أن تسير معاً في ظل حوار جدي ومصالحة مجتمعية تطوي بهما صفحة الإرهاب وما خلفه من دمار وتهجير وجرائم ضد الإنسانية». مدخل هذه الرؤية تتمثل في إعادة الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية عبر ما أسماه إعادة الاستقرار وتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم ومشاركتهم في بناء وإعمار ما دمره داعش، ورعاية عوائل الشهداء والجرحى والمقاتلين الذين ضحوا بدمائهم دفاعاً عن الوطن، وكذلك المتضررين من الإرهاب وتأهيل المجتمع لمحو مخلفات داعش وثقافة العنف والكراهية، وتحشيد كل الجهود الوطنية من أجل تحقيق هذه الأهداف الوطنية والإنسانية».
والالتزام باحترام الآخر والتعايش السلمي مع جميع الشركاء في الوطن، المختلفين دينياً ومذهبياً وفكرياً واحترام مقدساتهم، وحماية الأقليات وقدسية دور العبادة لجميع الأديان والمذاهب، وهذا يمثل أساساً للمصالحة المجتمعية». وعدم السماح بعودة الحالات والمظاهر الشاذة التي كانت سائدة في العراق في مرحلة ما قبل احتلال داعش للمدن، وهي حالة التحريض والتوتر والتخندق الطائفي والقومي البغيض على حساب المصالح العليا للبلاد، وهذا ما أسهم في تمكين داعش من إسقاط المدن والمحافظات.
لذلك يوجب الالتزام بالخطاب الذي يكرس روح المواطنة ويحث على الوحدة والتعاون وعدم السماح لداعش وأي تنظيم إرهابي وإجرامي بالعودة من جديد والتغطية عليه في المدن المحررة أو السماح بنمو خلايا إرهابية جديدة»، موضحاً أن «النقطة الرابعة تتمثل في أهمية إقامة علاقات حسن جوار مبنية على المصالح المشتركة مع دول الجوار والإقليم، والعمل بإرادتنا الوطنية وقرارنا العراقي المستقل وعدم رهن إرادتنا ومواقفنا بالخارج في ما يخص قضايانا ومصلحتنا الوطنية.
وحصر السلاح في يد الدولة وإلغاء المظاهر المسلحة بشكل نهائي، واحترام أحكام القضاء وسيادة القانون في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، والتي تمثل النقطة الخامسة في رؤيتنا لما بعد التحرير والانتصار». وأشار إلى أن «النقطة السادسة تتمثل في الاستمرار بكل قوة وعزيمة وبتعاون الجميع بمحاربة الفساد بجميع أشكاله وصوره لأنه أكبر حاضنة للإرهاب والجريمة. وإبعاد مؤسسات ودوائر الدولة عن التدخلات السياسية والمحاصصة وعدم الاستئثار بمواقع المسؤولية والوظائف العامة من أجل تحقيق العدالة».
هذه الرؤية أن سمح لها بالتنفيذ فهي قادرة على إعادة بناء العراق في كافة المجالات، العراق الذي وصل إلى مصاف الدولة الفاشلة. فيحدر العبادي مع التغيير الحقيقي المنشود سواء على الصعيد الداخلي والخارجي فعلى المستوى الأول يسعى العبادي إخراج العراق من نفقه المظلم من خلال إعادة اللحمة الوطنية وترسيخ سياسة التعايش بين المكونات الإجتماعية فيه رافضًا النهج الطائفي في ممارسة الحكم في العراق ومحاربًا للفساد وحصر السلاح بيد الدولة بموجب القانون مع منع الخروج عنه أو المس بأمن الدولة. فحيدر العبادي مع “المصالحة المجتمعية” برأيه هي أشمل من المصالحة الوطنية المطلوبة بدورها بين الاحزاب والطوائف، فالمصالحة المجتمعية تدخل الى داخل كل بيت عراقي حاول فيها الارهاب والفكر التكفيري ان يحرف العقائد ويثير الاحقاد داخل كل عائلة وعشيرة عراقية.
وعلى المستوى الخارجي فهو مع سياسة الانفتاح والتقارب العراقي العربي، وضد سياسة المحاور والاستقطاب. وإقامة علاقات جيدة مع المحيط الإقليمي والدولي على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية. فخارجيا، يتطلع رئيس الوزراء حيدر العبادي في مرحلة ما بعد الانتصار على داعش، حسب متابعون للشأن العراقي، الى ان يكون العراق ساحة لقاء بين المتخاصمين الدوليين والاقليميين لا ساحة صراع بينهم، وقد تجلى ذلك في الزيارة التي قام بها الى السعودية وايران والكويت الشهر الماضي، والتي كان عنوانها “التعاون للقضاء على داعش”، وكان قبل ذلك بشهور قد زار الولايات المتحدة الأمريكية والتقى رئيسها دونالد ترامب، وكانت الزيارة مثمرة وتم الاعتراف باخراج العراق من دول الحظر الامريكي بالسفر، وتركزت حينها الزيارة حول خطة ترامب لدحر داعش ودور العراق فيها، والتي علم العبادي انها لا تختلف عن خطة سلفه أوباما، وبالتالي عدم وجود اي تغيير في السياسية الامريكية تجاه العراق وهي ترتكز على العمل من اجل تقليل التأثير الايراني على بغداد، كما انتهجت ذلك الادارة السابقة.
إن العبادي هو أفضل من يطرح مسألة التوافق والإصلاح والتغيير، بصفته مطلع على كل الأمور في البلاد. أن ما طرحه العبادي في مؤتمره الصحفي هو أقرب للواقع العراقي،فإن تحققت رؤيته بالعراق، فأنت أمام رجل دولة في عراق ما بعد داعش.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية