مشروع فصائل دير الزور بالحصول على دعم أمريكي لمواجهة النظام صعب التحقق.. والتوازنات العشائرية حاضرة بقوة

مشروع فصائل دير الزور بالحصول على دعم أمريكي لمواجهة النظام صعب التحقق.. والتوازنات العشائرية حاضرة بقوة

غازي عنتاب – «القدس العربي» : سلسلة من الاجتماعات واللقاءات عقدها شيوخ وقادة فصائل من دير الزور، بعدما اصبحت محافظتهم مهددة اكثر من اي وقت مضى بهجوم وشيك من قوات النظام، ففي مدينتي الريحانية واورفة بتركيا حيث يقيم الكثير من ابناء دير الزور، تتوالى اللقاءات بين ممثلين عن بعض الفصائل العسكرية المرتبطة بالبرنامج الامريكي لمحاربة تنظيم الدولة، ونتج عنها في الايام الاخيرة اصدار بيانين.
البيان الاول وقع عليه اكثر من مائة شخصية مؤيدة لفصيل مغاوير الثورة بقيادة المقدم مهند الطلاع، منهم العميد زاهر الساكت وشخصيات عشائرية اخرى ، يدعم مشروع اقامة قاعدة عسكرية في مدينة الشدادي شمال شرق دير الزور،بدعم امريكي، في سبيل استخدامها كمركز انطلاق للهجوم على المدينة والاستحواذ عليها قبل وصول قوات النظام لها.
اما البيان الثاني فقد صدر بعد اجتماع عسكري ضم اربعة فصائل من دير الزور ، اهمها مغاوير الثورة للطلاع، وخصمه فصيل اسود الشرقية بقيادة طلال السلامة، وخرج البيان بمضمون مشابه للبيان الاول لكن برؤية عسكرية مختلفة تدعو لانطلاق الهجوم من منطقة البادية جنوب دير الزور حيث نقطة التنف الحدودية.
وعلى الرغم من صدور تصريحات من متحدثين عسكريين لهذه الفصائل ترفض نتائج هذه الاجتماعات ، بسبب اختلافات بين قادة هذه الفصائل وبالذات بين القياديين مهند الطلاع المدعوم امريكيا، وطلال السلامة (ابوفيصل) الذي كان مرتبطاً بجبهة الاصالة والتنمية المدعومة من اخوان الكويت، ويتلقى حالياً دعماً من غرفة الموك ، وتجمعهما علاقة متوترة وتنافسية منذ ايام الثورة الاولى في دير الزور، الا ان القلق من نتائج سقوط المدينة بيد النظام ما زال يهيمن على هذه التجمعات والفعاليات، التي تسعى للحصول على دعم امريكي، يمكنها من الوصول لمدينة دير الزور قبل النظام.. هذا ما يتم تداوله نظريا على الاقل ، لكن من الناحية العملية تبدو هذه الافكار صعبة التحقيق على ارض الواقع ، لعدة اسباب تضاف للخلافات بين الفصيلين الابرز في هذا التجمع ، اسود الشرقية ومغاوير الثورة، أولها ان دير الزور تقع في منطقة نفوذ استراتيجي للنظام السوري وداعميه،ولن يكون من السهل على الامريكيين الزج بقوات موالية لهم لمنافسة النظام على دير الزور، في ضوء الترتيبات بين الامريكيين والروس القاضية بعدم الاصطدام او التعارض بين العمليات المدعومة امريكيا شمال سوريا والعمليات المتواصلة للنظام وحلفائه في باقي المناطق السورية، ولا تبدو الولايات المتحدة راغبة ولا حتى قادرة على الدخول بصراع على النفوذ في سوريا مع ايران والنظام السوري ومن ورائهم روسيا، ولعل ما حصل في التنف الحدودية ابلغ مثال على ذلك، حيث توقف العمليات المدعومة الامريكية عند نقطة التنف امام تقدم لقوات النظام على الحدود، رغم ان طلال السلامة نفسه، قائد اسود الشرقية كان قد صرح قبل شهرين انه تلقى دعما امريكيا متزايدا ولن يسمح لقوات النظام بفتح طريق بغداد دمشق، وهو ما تم فعلا بعد ان تجاوزت قوات النظام معسكرهم في التنف وسيطرت على باقي الحدود حتى وصلت لجنوب البوكمال بنحو خمسين كيلومتراً، فكيف يمكن لهذه الفصائل الانطلاق من البادية شمالاً باتجاه دير الزور وهي فشلت اصلا قبل عدة اسابيع من التوسع من نقطة التنف نفسها نحو البادية، رغم الدعم الامريكي ، وعجزت عن خرق طوق الميليشيات الشيعية والنظام لاكمال خطتها المعلنة انذاك بالوصول الى مدينة البوكمال الحدودية؟! ويقول سهيل المصطفى الناشط والصحافي السوري الذي غطى معارك دير الزور منذ بدايات الحراك، يقول إنه يستبعد نجاح هذه الخطة، لعدم صدق الأمريكيين الذين يتعاملون مع جميع الاطراف على أنهم أدوات لتحقيق أهدافها ومصالحها، حسب تعبيره، ويضيف الصحفي المنتمي لمدينة دير الزور في حديث للقدس العربي « النظام سيستعيد ديرالزور عاجلاً أم آجلاً، والوعود التي تعطيها امريكا لحلفائها أو الساعين للتحالف معها وعود «خلبية»، ‏أما المنخرطون بهذا المشروع فمعظمهم كان سابقاً يرفض التعامل مع أمريكا، ولكن بعد الأحداث الأخيرة واقتراب قوات النظام و قسد من حدود ديرالزور الإدارية، غيروا قناعاتهم وعملوا بمبدأ آخر العلاج الكي، والغريق يتعلق بقشة كما صرح لي أحد الموقعين على البيان».
ولا ننسى ان الامريكيين اعلنوا قبل ايام ، انهم طردوا احد الفصائل التابعة لبرنامجهم بعد ان هاجمت قوات النظام قرب هذهرالمنطقة بقلب البادية السورية ..فهذه الفصائل تعتمد على حليف امريكي هو لا يرغب اصلاً بالصدام مع النظام، وان كان العرض الذي تقدمه هذه الفصائل يقضي صراحة بمهاجمة تنظيم الدولة في مدينة الدير دون التصادم مع النظام ، الا ان هذا يعني ايضا التصادم مع النظام بالاستحواذ على منطقة تقع ضمن نفوذه ، خاصة ان النظام لا يفرق بين الفصائل المدعومة امريكيا او الجهادية ما دامت تتحدى سلطته على الاراضي ، بل ان التدخل الروسي حين بدأ بقصف جوي قبل اكثر من عامين، تركز بداية على فصائل خاضعة لبرنامج الدعم الامريكي في ادلب وريف اللاذقية،وتواصل على نفس هذا الصنف من الفصائل المرتبطة بالدعم الغربي في حلب المدينة قبل السيطرة عليها، فلماذا سيترك النظام دير الزور بايدي فصائل موالية للامريكيين بينما هاجم حلب واستعادها ومعظمها كانت خاضعة لفصائل حليفة للولايات المتحدة ؟!
ومن هنا نأتي لعامل اخر يضعف من احتمالية تطبيق خطط الفصائل بالوصول لدير الزور قبل النظام، وهو ان هذه الفصائل هزيلة التكوين العسكري وضعيفة التمثيل الاجتماعي، كما يؤكد الشيخ عمار الحداوي احد وجهاء قبيلة العكيدات ، والذي يضيف موضحا « انه من الصعب الان جمع القوى الفاعلة في دير الزور لانجاز خطة انقاذ ، هناك انقسامات عديدة، واذا كنا لا نريد دخول النظام، ولا نريد التعاون مع الاكراد في قوات مشتركة، فستكون مهمتنا صعبة بالتفاهم مع الامريكيين بمعزل عن حلفاءهم الكرد والروس داعمي النظام « .وتبدو قدرة هذا الفصائل على مواجهة تنظيم الدولة محدودة، وقد حاولت بالفعل احدى هذه المجموعات المدعومة من البنتاغون وتدعى «جيش سوريا الجديد» من التقدم قبل عام من الان نحو البوكمال ، ولكن سرعان ما انسحبت سريعا امام تنظيم الدولة بعد يومين من المواجهات ، وهذا ما ادى لحل هذا الفصيل وتشكيل هذه الفصائل الجديدة كمغاوير الثورة، ونقلت حينها صحيفة واشنطن بوست الامريكية عن مسؤول بوزارة الدفاع الامريكية ان قواته حاولت تأمين غطاء جوي لجيش سوريا الجديد بعد تعرضه لهجوم تنظيم الدولة قرب البوكمال ، لكنهم تركوا وحيدين لاحقا بعدما توجهت الطائرات الامريكية لقصف قافلة لتنظيم الدولة منسحبة من الفلوجة، واسر تنظيم الدولة ١٤ مقاتلا منهم ، وقالت حينها وسائل اعلام غربية ان الامريكيين حولوا هذه القوات لفئران تجارب امام قوات تنظيم الدولة المدربة جيدا على معارك الصحراء والبادية السورية ، وفي كل المعارك التي واجهت فيها قوات خالصة من العرب السنة تنظم الدولة كانت بدعم عسكري ومالي غربي ، وفي معظم الحالات استغرقت زمنا طويلا لتحقيق سيطرة على عدة بلدات صغيرة رغم الدعم الجوي الغربي كما حصل مع قوات درع الفرات المدعومة تركيا، التي احتاجت لنحو ستة شهور للسيطرة على قرى صغيرة ومدينة صغيرة كبلدة الباب، بينما نجح الاكراد بتحقيق تقدم اسرع شمال سوريا ، بقواتهم التي ضمت اعدادا من العناصر من القرى العربية الذين تم تجنيد بعضهم اجباريا.وتتحدث بعض الفصائل في دير الزور، عن فكرة الانضمام لقوات قسد والتعاون معها بتنسيق امريكي للهجوم على دير الزور ، خاصة ان عدداً من ابناء عشائر دير الزور هم ايضا منضوون ضمن المجموعات العربية الموالية للاكراد في قسد، وهنا يوضح الصحفي سهيل المصطفى قضية انخراط بعض العشائريين من الدير مع القوات الكردية والنظام ايضاً، فيقول « ثمة احتمال يجري الحديث عنه، وهو إقامة تحالف عسكري بين هذه الفصائل مع قسد برعاية أمريكية لزج الفصائل العربية في مقدمة قوات قسد شمال ديرالزور، وربما سيتم تقاسم ديرالزور جغرافيا فتصبح منطقة الجزيرة تحت سيطرة تلك الفصائل مع قسد ،‏وتصبح منطقة الشامية تحت سيطرة قوات النظام وميليشياته ، فأعدادا كبيرة من عشيرتي (البوسرايا) التي تنتشر في ريف ديرالزور الغربي والبقارة التي تنتشر في ريف ديرالزور الشمالي قد انضموا لقوات قسد، كما ان الآلاف من عشيرة الشعيطات المحسوبة على قبيلة العقيدات يقاتلون في صفوف وميليشيات قوات النظام،‏هذه التركيبة العشائرية يراد منها ان تسهل لكلا الطرفين (قسد والفصائل) بدخول الريف الشمالي والغربي دون مقاومة تذكر من أبناء تلك المناطق بسبب تواجد أبناء عمومتهم في قوات قسد وفصائل الجيش الحر، ومن جهة أخرى ذات القاعدة تنطبق على الريف الشرقي كون المنطقة محسوبة على العكيدات الذين يرتبطون بصلات دم مع الشعيطات المتواجدين مع قوات النظام».
وبالرغم من صعوبة تطبيق ما تسعى له فصائل دير الزور، الا انها تريد الاستفادة حاليا من اجواء سائدة بين بعض التيارات، تدعم فكرة دخول المدينة بدعم امريكي كحل اخير قبل سقوطها بيد النظام، وتلعب التوازنات العشائرية دوراً لافتاً في هذا المجال، اذ تريد بعض العشائر التي ينضوي عدد كبير من ابناءها بصفوف تنظيم الدولة في مدينة دير الزور كالبوخابور والبكير، ايجاد مخرج لابناءهم من مصير القتل او الابعاد الذي ينتظرهم حال سيطر النظام، لذلك نجد ان عددا كبيرا من موقعي البيان الذي ضم نحو مائة شخصية من الدير، هم من قبيلة البوخابور ، ورغم ان هذه الشخصيات من المعارضين لتنظيم الدولة منذ بدايات دخوله للمدينة، الا انهم يسعون لانقاذ ابناء عمومتهم المنتمين للتنظيم، والاهم من ذلك تجنيب عشيرتهم دوامة الثارات العشائرية القادمة حال سقط التنظيم، اذ من المتوقع ان تحدث اعمال انتقامية من العشائر المعادية للتنظيم ضد العشائر التي ايد كثير من ابنائها التنظيم خلال معارك السيطرة عالمحافظة قبل ثلاثة أعوام.
وتقف عشيرة الشعيطات على رأس القوى التي يخشى من اقدامها على اعمال انتقامية خاصة وانها تشكل دعامة اساسية في قوات النظام المتقدمة من السخنة وجنوب الرقة نحو دير الزور. وبالمقابل فان عشيرتي البوخابور والبكير ستكونان بالواجهة، فالبوخابور تتمركز الان قرب مطار دير الزور العسكري، وعندما خيرت في عام 2014 بين تنظيم الدولة والنظام والفصائل المدعومة امريكيا، اختار كثير من كتائبها الانضمام للدولة الاسلامية، وأدخلتهم دون قتال لجبهة مطار ديرالزور العسكري، اما البكير فقصتها معروفة بالاشتباك الدموي بينها وبين الشحيل والشعيطات. ويبدو ان الاسابيع المقبلة ستشهد تطورات لافتة في دير الزور مع تقدم قوات النظام بعد وصوله للسخنة ، رغم ان تنظيم الدولة ما زال قادراً على استنزاف القوات المتقدمة لعدة اسابيع في معارك البادية قبل وصولها لمدينة دير الزور، ويختم سهيل المصطفى حديثه ، قائلا «فات الأوان على أبناء ديرالزور لإنقاذ مدينتهم،فلا هم ساندوا تنظيم الدولة امام النظام، ولا هم تحالفوا مع أمريكا مبكراً لاستعادتها من تنظيم الدولة!».

القدس العربي