في 20 آب/أغسطس، بدأت قوات الأمن العراقية معركتها لاستعادة تلعفر، وهي مدينة تابعة للموصل لا تزال تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية». وسيتمثل أحد أكثر الجوانب المثيرة للجدل للمعركة في الدور الذي ستضطلع به «وحدات الحشد الشعبي» ذات الأغلبية الشيعية. وبالفعل، تضمّ صفوف هذه «الوحدات» التي تسيطر على أجزاء من محيط تلعفر ميليشيات مدعومة من إيران مثل «كتائب حزب الله»، وهي جماعة مصنّفة على لائحة الإرهاب الأمريكية كانت قد قتلت المئات من العراقيين والأمريكيين وجنود قوات التحالف الأخرى قبل عام 2011. كما يتم أيضاً خوض معركة تلعفر من قبل قوات «وحدات الحشد الشعبي» ذات الأغلبية الشيعية التي تم تشكيلها في حزيران/يونيو 2014، عندما طُرحت خلال فتوى دينية من رجل الدين الشيعي الأكبر في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني. وتقدم الوحدات الموالية للسيستاني نموذجاً أفضل لقوات المتطوعين العراقيين من ذلك الذي توفّره «وحدات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، وينبغي للمجتمع الدولي – بما في ذلك الولايات المتحدة – دعم هذا النموذج وتعزيزه.
«فرقة العباس القتالية»
تُعتبر «فرقة العباس القتالية» الفصيل الأبرز في «وحدات الحشد الشعبي» الموالية السيستاني التي كانت تضفي طابعاً رسمياً على هيكليتها منذ أن بدأت في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في حزيران/يونيو 2014. ووفقا لمسؤولين في «فرقة العباس» تَواصَل معهم المؤلفون، فإنها تضم 7,310 عنصر في الخدمة الفعلية وما بين 35,000 و 40,000 عنصر احتياطي. وأصبحت «الفرقة» التي هي في الخدمة الفعلية منظمةً ضمن هيكلية عسكرية عراقية نموذجية إلى حد ما، وتضم:
· هيئة فرقة تضم فرعاً استخبارياً يقوم بتشغيل طائرات بدون طيار ومعدات متخصصة أخرى (مثل كاميرات كهروضوئية بعيدة المدى)
· لواء مدفعية يشمل كتيبتين واحدة للذخائر المطلقة بواسطة مدفعية أنبوبية (مزودة بمدافع ميدان من عيار 130 ملم وطراز “إم-46” ومدافع هاوتزر من عيار 122 ملم وطراز “دي-22”) وأخرى كتيبة مدفعية صاروخية (مجهزة بقاذفات متعددة الصواريخ من نوع “بي أم-14” عيار 107 ملم وقاذفات متعددة الصواريخ حديثة تعمل وفق منظومة “رعد-1” عيار 240 ملم)، فضلاً عن بعض مدافع الهاوتزر الذاتية الدفع من عيار 155 ملم وطراز “إم-109”.
· كتيبة مغاوير مُمَكننة تستقل ناقلات جنود مدرعة مُدَوْلبة.
· لواء مشاة مُمَكنن (يُدعى “الكفيل”)، مع مجموعة من الآليات المدرعة المتبقية من عهد صدام حسين
· لواءان آليان للمشاة (يُطلق عليهما “العلقمي” و”أم البنين”)، مع المزيد من الآليات المتبقية من عهد صدام حسين
· لواء احتياطي يضمّ 3,000 عنصر احتياطي بجهوزية عالية (غير مدرجين ضمن قائمة أعضاء الخدمة الفعلية البالغ عددهم7,310 عنصر)
وقد أثبتت «فرقة العباس القتالية» أنها إحدى أكثر القوات التطوعية فعاليةً في العراق. ويرجع أحد الأسباب لذلك إلى أن «الفرقة» قد تلقت باستمرار أوامر من سلطات القيادة الوطنية العراقية – أي رئيس الوزراء حيدر العبادي وقيادة العمليات المشتركة – في حين أن العديد من قوات «وحدات الحشد الشعبي» تخضع بدلاً من ذلك الرد لسلطة قادة الميليشيات المدعومة من إيران مثل زعيم «منظمة بدر» هادي العامري وأبو مهدي المهندس، الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمة “الإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة”. وبالمثل أعلنت «فرقة العباس القتالية» باستمرار أنها تعمل تحت السلطة الكاملة لوزارة الدفاع؛ وتتلقى أسلحتها الثقيلة من الحكومة، وستعيدها إليها بناء على طلبها؛ ولن تسعى إلى التمتع بصلاحيات الاعتقال؛ وملتزمة بحل [نفسها] بناءً على طلب الحكومة.
ومن خلال اندماجها في خطة المعركة الوطنية ودعمها قوات التحالف، أمّنت «فرقة العباس القتالية» قدرات عسكرية للعراق في أوقات كانت فيها فصائل «وحدات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران غائبة أو غير مجدية لأنها لم تتمكن من العمل بشكل مثمر مع التحالف أو القوات الكردية. على سبيل المثال:
· في تكريت في آذار/مارس 2015، صمدت «فرقة العباس» في المعركة المُدُنية عندما انسحبت «وحدات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران بعد أن طلبت الحكومة قيام التحالف بشنّ ضربات جوية.
· في بيجي في الربع الأخير من عام 2015 وأوائل عام 2016، بنت قوات «فرقة العباس» علاقات قوية مع قبائل سنّية في المنطقة، فحدّت بذلك من قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على تنفيذ عمليات.
· في البشير في نيسان/أبريل 2016 وطوز خورماتو في حزيران/يونيو 2016، كانت قوات «فرقة العباس» موثوقة من قبل القوات الكردية بما يكفي لإشراكها بشكل فعال لتهدئة التوترات العرقية والعمل ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بشراكة مع قوات التحالف.
· في أوائل عام 2017، نشرت «فرقة العباس» عناصرها غرب مدينة الموصل إلى جانب اللواء المدرع 35 من الجيش العراقي والقوات الجوية للتحالف، وكانت الفصيل الشيعي الوحيد ضمن «وحدات الحشد الشعبي» الذي حارب علناً في الموصل.
· في الأسابيع أو الأشھر المقبلة، سوف تقاتل «فرقة العباس» في تلعفر، مدعومة بذلك – كما أُشير سابقاً – بـ 3,000 جندي إضافي تم تجنيدهم من احتیاطي «الفرقة».
مساعي وكلاء إيران لقطع التمويل عن «فرقة العباس»
يتم توفير الموارد لـ «فرقة العباس القتالية» من خلال مزيج من التمويل من وزارة الدفاع العراقية ومؤسسات “العتبات” و”لجنة «وحدات الحشد الشعبي»” التابعة لرئيس الوزراء التي بدأت العمل منذ حزيران/يونيو 2014. ويتلقى القسم الأكبر (4,203، أو 57٪) من العناصر التي هي في الخدمة الفعلية والبالغ عددها7,310 عنصر مخصصاتها الشهرية من احتياطيات “العتبات” المالية – ما يساوي 2.52 مليون دولار شهرياً، إذا تلقى جميع المتطوعين البالغ عددهم 4,203 شخص مبلغ الـ 600 دولار النموذجي كراتب فضلاً عن الخدمات المعيشية الأساسية.
يُذكر أن شريحةً أصغر حجماً من العناصر المنخرطة في الخدمة الفعلية في «فرقة العباس» (2,107، أو 28٪ ) تتلقى رواتبها من “لجنة «وحدات الحشد الشعبي»”، التي تلقت قسطاً قدره 1.63 مليار دولار من الميزانية الوطنية لعام 2017. ولمرتين، حاول رئيس الوزراء العبادي إدراج كافة أفراد «فرقة العباس» البالغ عددهم 7,310 عنصر على جدول رواتب «وحدات الحشد الشعبي» وفشل في مسعاه. وفي المقابل، يدّعي قائد «فرقة العباس» ميثم الزيدي أن “لجنة «وحدات الحشد الشعبي»” تعتزم بدلاً من ذلك حذف 154 محارباً من «الفرقة» كانوا قد شاركوا في معركة الموصل من جدول رواتب «وحدات الحشد الشعبي». ومن أصل الرواتب والمصاريف التشغيلية البالغة قيمتها 98.5 مليون دولار التي تغطيها “لجنة «وحدات الحشد الشعبي»” كل شهر، تتلقى «فرقة العباس» 1.37 مليون دولار فقط. ويعني ذلك أنه في حين أن «الفرقة» توفر 6 في المائة من القوة القتالية المرخص بها لـ «وحدات الحشد الشعبي» (من بين ما مجموعه 122,000 مقاتل)، إلّا أنها تحصل على 1 في المائة فقط من رواتب «وحدات الحشد الشعبي».
ويكمن تفسير هذا الإجحاف في أن أبو مهدي المهندس، الإرهابي المشار إليه سابقاً الذي صنّفته الولايات المتحدة على قائمتها للإرهاب، يشغل منصب نائب قائد “لجنة «وحدات الحشد الشعبي»” ويشرف على ما تخصصه “اللجنة” للمساكن المدفوعة الأجر. ويعتبر المهندس أن مقاتلي «فرقة العباس» يشكلون تهديداً ولا يخضعون لسيطرته. وفي المقابل، يموّل 100 في المائة من المخصصات لمقاتلي «كتائب سيد الشهداء» البالغ عددهم 2,723 والمسجلين لدى “لجنة «وحدات الحشد الشعبي»”. يذكر أن «كتائب سيد الشهداء» هي حركة مدعومة من إيران يتزعمها أبو مصطفى الشيباني، وهو أحد زملاء المهندس القدامى في «منظمة بدر» وإرهابي آخر على قائمة “الإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة”، وفقاً لواشنطن. (في 8 آب/أغسطس، زعمت «كتائب سيد الشهداء» باطلاً أن الولايات المتحدة شنت ضربات جوية ضد قواتها في سوريا في اليوم السابق). وفي حزيران/يونيو 2016، اتهم مسؤولون من وحدة متطوعة أخرى من الموالين للسيستاني – وهي «لواء الإمام علي» – المهندس و”لجنة «وحدات الحشد الشعبي»” بالسيطرة على رجالها ومصادرة جميع معداتها العسكرية.
دعم التحالف لنموذج «فرقة العباس»
على الرغم من أن الحكومة العراقية بدأت تدريجياً بدعم نموذج «فرقة العباس»، إلّا أن هذه «الفرقة» لم تحصل تاريخياً سوى على القليل جداً من ميزانية المشتريات السنوية لـ «وحدات الحشد الشعبي» – التي وصلت إلى 441 مليون دولار في عام 2017 – ولا تتلقى تبرعات عينيّة من المعدات من إيران. وبدلاً من ذلك، بحثت «فرقة العباس» في مقابر الدبابات في التاجي والبصرة من أجل إعادة تشغيل المركبات المهجورة من “حرب الخليج” عام 1991. وتُشغِّل «الفرقة» الآن عدداً من الدبابات الرئيسية التي تم إنقاذها من طراز “تي-55“، وناقلات جنود مدرعة مجنزرة من طراز “أم تي-إل بي” و”أم 113″، بالإضافةً إلى عربة استطلاع مدرعة مدولبة من طراز “إي إي-9 كاسكافال” وناقلة الجند المدرعة “بنهارد” ومراكب استطلاع قتالية من طراز “بي أر دي أم-2”. كما تمّ تصنيع أسلحة دعم ذاتية الحركة من خلال جمع أجسام الدبابات والمدافع المضادة للطائرات من عيار 57 ملم. وبالمثل أنتجت مؤخراً «فرقة العباس» قاذفات متعددة الصواريخ بقطر 240 مليمتراً في ورش العمل التي تديرها.
والآن، بدأت وزارة الدفاع العراقية بنقل عربات “هامر” أمريكية الصنع وناقلات جند مدرعة من طراز “أم 113” ومركبة “بادجر” المدرعة المضادة للألغام إلى «فرقة العباس». وبغية البدء بتعويض هذا الإجحاف في الرواتب، أضافت وزارة الدفاع ألف جندي بشكل أولي إلى «فرقة العباس» (13٪ من أعضاء الخدمة الفعلية) إلى مرتباتها، مما يقدّم مليون دولار من الدعم شهرياً. كما قامت “دائرة مكافحة الإرهاب” بتدريب كتيبة المغاوير التابعة لـ «فرقة العباس».
هذا ولا يمكن للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أن يتفاعل مباشرةً مع «فرقة العباس القتالية» التي تلقت توجيهات من السيستاني بتجنّب مثل هذا التواصل مع الأجانب – وغالباً لإبقاء المنظمات الاستخباراتية الإيرانية بعيدة عنها. وبدلاً من ذلك، ينبغي تقديم المساعدات الأمريكية ومساعدات [قوات] التحالف بشكل غير مباشر، بما في ذلك من خلال تمويل إضافي وتوفير المعدات لوزارة الدفاع العراقية، والتي يمكن أن تنقلها بعد ذلك إلى قوات المتطوعين المتحالفة مثل «فرقة العباس» ووحدات أخرى من “العتبات”، بالإضافة إلى وحدات سنية ومسيحية، ويزيدية تستجيب لأمرة سلطات القيادة الوطنية بدلاً من المهندس أو غيره من القادة المدعومين من إيران.
وتجدر الملاحظة أن تسريح قوات «وحدات الحشد الشعبي» لا يندرج ضمن مهام التحالف، وهناك العديد من الجوانب الإيجابية لمبادرة التعبئة الشعبية. فالمشكلة مع هذه «الوحدات» تكمن في الدور الرئيسي الذي يقوم به الإرهابيون المدعومون من إيران ضمن “لجنة «وحدات الحشد الشعبي»”. وكلما ازداد عدد «الوحدات» المسجلة ضمن «وحدات الحشد الشعبي» وكذلك عدد المتطوعين من خارجها والمنفصلين عن «اللجنة»، كلما أصبح من الأسهل على الحكومة تقليص نطاق «اللجنة» في عام 2018، لتخفض بذلك عدد القوات وتمويل الميزانية الخاضعة لإشراف المهندس ورعايته.
مايكل نايتس
معهد واشنطن