بحسب ما نقله موقع “سي أن أن”، وتحت عنوان “الوحدة بين إيران والعراق لا بدّ منها” نشرت وكالة “مهر نيوز” الإيرانية شبه الرسمية تصريحات لرئيس الوكالة حسن هاني زادة قال فيها إن الأوان قد آن لأن “يقول الشعب العراقي كلمته الأخيرة وأن يختار بين العروبة المزيفة الجاهلية وبين الإسلام الحقيقي وينفض ثوبه من تراب الذل العربي”، مضيفا أن الشعبين الإيراني والعراقي تربطهما “وشائج دينية وتاريخية” رغم التجاذبات التي مرت بها العلاقات بين الجانبين، وابان مراحل تاريخية مختلفة.
وتابع زادة في تحليله الذي يأتي بعد أيام على احتجاج بغداد على تصريحات إيرانية عن كونها باتت عاصمة لـ “إمبراطورية إيرانية”، بالقول إن العراق “بلد عربي عريق… لكن جل الدول العربية تنظر إليه من منظور طائفي بحت، وهذا يدل على مدى العنصرية السائدة في البلدان العربية تجاه العراق”.
ولفت إلى أن الأغلبية من سكان العراق “معروفة بانتمائها العقائدي إلى مذهب أهل البيت”، معتبرا أن هذا هو سبب عداء الأنظمة العربية لها. وأضاف أن الإرهاب يضرب ذلك البلد بسبب “الحقد العربي الدفين إزاء أتباع أهل البيت” أي الشيعة، وأن “كل شريحة عربية أو غير عربية” شيعية “معرضة لمثل هذه الأحقاد”، مهددا في هذا الإطار سوريا ولبنان وباكستان وأفغانستان واليمن. وتسبب هذا التصريح في إثارة العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن يترتب عليه لجهة احداث المزيد من الشروخ المجتمعية والوطنية، أو الدخول في صراع اهلية ومذهبية في العراق، ودول اخرى تعاني من تدخلات ايرانية في شؤونها الداخلية.
دلالات تصريح زادة
يأتي هذا التصريح في الوقت الذي تخوض فيه ميليشيات الحشد الشعبي عمليات عسكرية في محافظة صلاح الدين، بقيادة اللواء قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني، ما يرفع وتيرة الاستقطاب الطائفي لسنة العراق، باتجاه اجراء مفاضلات مذهبية، وتبريرات لدعم “داعش” في لحظة معينة، بعد سلسلة من عمليات القتل والحرق الممنهج التي قامت بها الميليشيات، ثأرا لضحايا سبايكر.
وبالتالي فان مؤشرات السعي الايراني لجعل العراق، بلدا تابعا لطهران، لا تقف عند تصريحات يونسي مستشار الرئيس المعتدل روحاني، او ما قاله زادة رئيس تحرير وكالة مهر الايرانية، بقدر ما يجري تثبيته على ارض الواقع عبر عمليات عسكرية، وما تنادى له ساسة الائتلاف الشيعي من كيل المديح لإيران، التي وقفت موقفا عجز العرب عن تحقيقه، ما يترتب على ذلك مزيدا من الانصياع للسياسات الفارسية، ردا “لجميل” الايرانيين الذين، هبوا لنجدة الحكومة في بغداد. وبمعنى آخر، فإن المشاركة الايرانية في قتال تنظيم “الدولة الاسلامية”، يضع العراق في موقف المنفذ والمتلقي، وليس من السهولة بمكان ان تتخذ بغداد قرارات تعارض وجهة النظر الايرانية، سواء تلك التي تتعلق بوضعه الداخلي او على صعيد سياسته الخارجية وعلاقاته الدولية.
ولعل اتجاه العلاقات العراقية- الايرانية إلى أبعد من ذلك، وما يترتب عليها من تعزيز الروابط العسكرية والامنية المشتركة، يعتمد على تقوية الروابط مع الميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران، والعمل على تشكيل كيانات عسكرية تحاكي التجربة الايرانية، وتستنسخ عددا من هياكلها الحركية والعملياتية. تنزع العراق من محيطه العربي، لتوجه سياساته الوجهة التي تريد، في ظل عجز عربي من جهة، وانشغالات جديدة تسبب بها “الربيع العربي” من جهة اخرى، افضت في احد جوانبها الى تصاعد وتائر العنف والارهاب.
ولدى قراءة أبرز الملاحظات التي يمكن استنتاجها من تصريح زادة، يلاحظ الآتي:
– تصاعد الخلاصية التبشرية الطائفية، تتجلى من خلال دعوة العراق، للاندماج مع ايران، وتشكيل كتلة عقائدية مذهبية شيعية، وتناصب المذاهب الاخرى العداء، ليكون الاختيار ما بين “العروبه المزيفه الجاهلية” وبين “الاسلام الحقيقي” على حد قول زادة. فالتدخلية الايرانية تستند على جماعات شيعية تعد امة تحت السلاح، وتعمل على أراضي عشر دول عربية وغير عربية، وبقيادة ضباط استخبارات ومن “الحرس الثوري” يتحركون بحسب حالة الدول التي هم على أرضها.
-يعد تصريح زادة، بمثابة دعم لتعزيز، أو على الأقل الحفاظ، على الدور الكبير الذي تمارسه إيران في العديد من الملفات الداخلية والخارجية، حيث تؤثر في سياسات عدد من العواصم العربية، التي اضحت تستجيب لها، بما يفضي الى تقوية مكانتها التفاوضية مع الغرب، وتثبيت تفوذها الاقليمي، في منطقة تعتبرها جزء من امبراطوريتها السابقة.
– التاكيد على قدرات إيران في المزج بين ما حققته اذرعها في دول المنطقة، وبين تواجدها العسكري في العراق وسوريا والذي اتخذ شكلا مباشراً، للتعبير من خلاله على نجاح التشيع في إعادة رسم معالم الاقليم سياسيا وطائفيا واستراتيجيا، الامر الذي افضى الى اندفاعة تكشف عن هوس مذهبي، يؤمن “بالواحدية الناجية” من النار، عززتها الانتقالة الى وضعية القتال المباشر على الارض العربية.
– وسيكون بمقدور التشيع العسكري، الذي يقول بمبدأ تصدير الثورة، اعادة تشكيل الوطنيات المحلية، وفك مجموعات سكانية عن اطارها الداخلي، وتبني المنظومة العقائدية لولاية الفقيه، لتكون خصما لدولها ونسيجها الاجتماعي.
– جزم إيراني بفشل الدول العربية في التحول الى كتلة متماسكة متوحدة، ما يجعلها عاجزة عن الوقوف بوجه النفوذ الايراني، الذي يتطور عبر الاحداث والاختراقات والصراعات الجارية .ناهيك عن عجز عربي بصدد قراءة المناخ الدولي، والمستجدات التي شهدتها التحالفات الدولية، سواء ما يتعلق بالعراق او سوريا، وبمعنى آخر فان ايران هي الاوفر حظا في تشكيل مفاعيل المنطقة، وفهم طبيعة التحالفات الاقليمية والدولية، والتأثير فيها، مقارنة بالدول العربية التي بقيت اسيرة لتحالفات قديمة، اصابها الكثير من التحول والتغيير.
– الازدراء والتحقير للعرب، تحركه النزعة القومية الفارسية، التي تعتبر الارث الفارسي السابق للاسلام مصدراً للفخر والعزة الثقافية، ولان الاسلام جوهره عربي، فان الاسلام الشيعي هو اسلام فارسي، يختلف عن الاسلام العربي الذي يتسم بالوحشية، ما يشكل هذا التقسيم جزءا اسياسيا من تنامي المشاعر المعادية للعرب والاسلام السني. فالغطرسة الإيرانية وان تعددت وجوهها سواء ابان حكم الشاه، او خلال مرحلة “الثورة”، فانها تتبع العقلية الإمبراطورية الساسانية ذات المفهوم التسلّطي والعنصري، الذي يقول بالفوارق بين الشعوب، ما يسمح بتسيد بعضها، لتوافره على المزايا الفكرية والحضارية والاثينية.
الحصيلة من تصريح زادة ان “إيران الثورة” والدولة الدينية والمذهبية، ستنسف وحدة دول عربية كما فعلت في العراق، وليس السكوت الامريكي عم ما جرى ويجري، الا احتساب لمرحلة قادمة، بلغ التفاهم بين الدولتين حدوده القصوى، وما استتبعه من تدمير ممنهج للعراق الدولة والمجتمع بجهدٍ إيراني مدرك وقبول أميركي هادف، سيتوج على الارجح باتفاق نووي..
على ان التسليم بـ”النصر الايراني” الذي يدعو له زادة ينطوي على مبالغات، فإيران غير قادرة على التأقلم مع الاستنزاف الذي تعانيه في دول تقول انها تسيطر عليها، وهي دول فاشلة بامتياز، فالعجز عن تحقيق انتصار سياسي، يرافق النصر العسكري، انما يفضي الى المزيد من الاعباء، التي تتمثل بغياب افق للاستقرار.. ومع ان مشروع استنهاض الطوائف والاحقاد، الذي تروج له إيران اليوم فانها لن تكون بمنأى عن اثاره.
هدى النعيمي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية