أثار إعلان جماعة “بوكو حرام” النيجيرية، عن مبايعتها لتنظيم “الدولة الإسلامية” وخليفتها “أبو بكر البغدادي”، الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الجماعة إلى تلك البيعة في ذلك التوقيت، وتداعياتها المحتملة في الفترة المقبلة، خاصة أن الجماعة كانت قد أعلنت في وقت سابق “الخلافة الإسلامية” في المناطق التي تُسيطر عليها، مما جعل البعض يعتقد آنذاك أن هناك تنافس مرجعيات بين التنظيمين، وكانت جماعة “بوكو حرام” النيجيرية أعلنت يوم السبت (7/3/2015) مبايعتها لتنظيم “داعش”، من خلال تسجيل صوتي لزعيم الجماعة “أبو بكر شيكاو” أعلن فيه مبايعته زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، واصفًا الخطوة بأنها واجب ديني، من شأنها «إثارة غضب أعداء الله» على حد قوله. مما أثار المخاوف من أن تكون تلك البيعة مقدمة لموجة جهادية جديدة تضرب منطقة غرب إفريقيا.
وقد علقت الحكومة النيجيرية على مبايعة “بوكو حرام” لـتنظيم “داعش”، بأنه يُعد مؤشرًا على ضعف الجماعة، وجاءت نتيجة الضغوط التي تمارسها نيجيريا والدول الحليفة لها على الجماعة، وأن المبايعة تُعتبر “عملا يائسًا، وتأتي في وقت تتعرض فيه الحركة لخسائر فادحة”.
الوضع الحرج:
جاء إعلان جماعة “بوكو حرام” مبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في ظل تصاعد المواجهات بين الحركة والدولة النيجيرية، ودخول دول الجوار على خط الصراع، بعد أن أصبح التنظيم يُمثل لها تهديدًا مباشرًا، بعد أن امتد نشاطه إلى دول الجوار، مما دعا تلك الدول (تشاد، النيجر، الكاميرون، بينين) إلى تكوين قوة عسكرية وصلت إلى 8500 جندي للتدخل عسكريًّا ضد الجماعة، ووصلت ميزانيتها إلى 87 مليون دولار، وبتأييد من الأمم المتحدة، كما طالب الاتحاد الإفريقي بأن تصل تلك القوة إلى 10 آلاف جندي؛ حيث تبنى الاتحاد الإفريقي مشروع قرار يقضي بتشكيل قوة إقليمية إفريقية للتصدي لإرهاب «بوكو حرام»، مما جعل التنظيم يقاتل على أكثر من جبهة، مما أدى إلى حدوث خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجماعة مؤخرًا، إضافةً إلى خسارة عددٍ من المدن التي كانت تُسيطر عليها، نتيجة الضربات القوية التي تتعرض لها من قوات التحالف، لذا أصبحت الجماعة في أمسِّ الحاجة إلى دعم التنظيمات الجهادية، من أجل مواجهة تلك الحرب المفتوحة.
خصوصية البيعة:
مبايعة جماعة “بوكو حرام” لتنظيم “الدولة الإسلامية”، يُعد مكسبًا كبيرًا بالنسبة لــ”داعش”، نظرًا لما تتمتع به “بوكو حرام” من ثقل كبير في منطقة غرب إفريقيا، وقدرتها على القيام بعمليات كبيرة ونوعية، إضافة إلى كون “بوكو حرام” أقدم من حيث النشأة من تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث تأسس تنظيم بوكو حرام في عام 2002، بينما تأسست “داعش” في 2013، كما أن جماعة بوكو حرام قد تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة على الأرض تتشابه إلى حدٍّ ما مع الإنجازات التي حققها “داعش” في العراق وسوريا، خاصةً فيما يتعلق بالسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي.
لذا تعامل تنظيم “الدولة الإسلامية” مع بيعة “بوكو حرام” بطريقة مختلفة تمامًا عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على عدم الإعلان صراحة عن قبول البيعات أو رفضها، خشية تحمل مسئولية تلك التنظيمات في حالة سقوطها أو انهيارها؛ حيث أعلن “التنظيم” صراحةً عن قبوله البيعة من خلال تسجيل صوتي بُثَّ الخميس 12/3/20154، قُدِّم على أنه كلمة للمتحدث باسم التنظيم “أبو محمد العدناني”. وجاء في التسجيل: “نبشركم اليوم بامتداد الخلافة إلى غرب إفريقيا، فقد قبل “الخليفة” -حفظه الله- بيعة إخواننا في جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام)”. ويُعد هذا الإعلان بتلك الطريقة بمثابة اعتراف من تنظيم “الدولة الإسلامية” بقيمة ومكانة “بوكو حرام” مقارنةً بالتنظيمات الجهادية الأخرى التي أعطت البيعة لـ”داعش”.
أسباب مبايعة “بوكو حرام” لتنظيم “الدولة الإسلامية”:
من المؤكد أن هناك عددًا من الأسباب والعوامل التي دفعت جماعة “بوكو حرام” إلى إعلان البيعة الصريحة لـ”داعش” في ذلك التوقيت، وتخليها عن إعلانها السابق عن إقامة “خلافة إسلامية” على الأراضي النيجيرية التي كانت تُسيطر عليها، وتتمثل أهم الأسباب في الآتي:
– التحالف الإقليمي ضد “بوكو حرام” الذي يمثل ضغطًا عسكريًّا على الجماعة بعد أن بدأ التحالف بتوجيه ضربات عسكرية وجوية لأماكن تواجد الجماعة، في الوقت الذي تُواجه فيه الجيش النيجيري المدعوم من بريطانيا وفرنسا، مما جعل الجماعة في موقف متراجع بسب تلقيها الضربات من أكثر من جبهة، مما أدى إلى فقدانها عددًا من المدن التي كانت تُسيطر عليها، إضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة في صفوفها، مما جعلها في حاجة إلى دعم “التنظيمات الجهادية” الكبرى في تلك المواجهة، لا سيما تنظيم “الدولة الإسلامية”، مما يُمكِّنه من تجنيد أعداد كبيرة من الشباب في المنطقة المحيطة به، اعتمادًا على جاذبية “الفكر الداعشي” الذي انتسب إليه بعد البيعة، وبالتالي يتمكن من توفير موارد بشرية تُمكنه من القتال على أكثر من جبهة.
– التقارب الفكري بين التنظيمين بسبب وجود العديد من القواسم الفكرية بينهما، خاصة أن المنظومة الفكرية للتنظيمين تقترب من “الفكر التكفيري” أكثر من اقترابها من “الفكر الجهادي” التقليدي، وهذا ما جعل التنظيمين يقومان بأعمال عنف مروعة تتمثل في عمليات القتل والاختطاف بطريقة تخرج عن العنف المتعارف عليه في أوساط التنظيمات الجهادية، فذلك التقارب سهّل عملية التحاق جماعة “بوكو حرام” بتنظيم “داعش”.
– تكوين شبكة علاقات داعشية توفر للتنظيم الدعم اللازم خلال الفترة المقبلة، وذلك عبر بناء شبكة علاقات مع “التنظيمات الداعشية” المنتشرة في المنطقة، مثل تنظيم “جند الخلافة” الجزائري، وتنظيم “عقبة بن نافع”، والمجموعات التابعة لـ”أنصار الشريعة” التي تؤيد وتبايع “داعش”، إضافة إلى المجموعات السلفية المتناثرة في شمال إفريقيا المؤيدة لـ”داعش”، كما أن شبكة العلاقات ستمنح “بوكو حرام” ثقلا فكريًّا وتنظيميًّا، يمكنها من قيادة الحركة الجهادية في تلك المنطقة.
تداعيات البيعة:
مبايعة جماعة “بوكو حرام” لتنظيم “داعش” من المؤكد سوف يكون لها عدد من التداعيات الهامة، خاصة على مستوى التنظيمات الجهادية في المنطقة، في ظل حالة التمدد الجهادي الذي تشهده المنطقة في أعقاب الربيع العربي، وتتمثل أهم هذه التداعيات في الآتي:
بالنسبة لجماعة “بوكو حرام”، على الرغم من أن تلك البيعة تمثل مكسبًا كبيرًا للجماعة من خلال الانتساب لكيان جهادي ضخم (داعش) من الناحية الفكرية والتنظيمية، كما سيعطيها زخمًا وقوة في أوساط التنظيمات، ويمكِّنها من الحصول على الكثير من المكاسب؛ فإنها في الوقت نفسه سوف تلفت الأنظار بقوة إلى مدى خطورة الجماعة على المنطقة بأكملها، وعلى مصالح الدول الكبرى بعد تلك البيعة، مما سيُوحد الجهود الإقليمية والدولية من أجل القضاء عليها، خاصةً أن التنظيم لديه مشروع جهادي يسعى إلى تصديره إلى كل دول الجوار، كما أن تلك البيعة ستُشجع الجماعة على استهداف المصالح الاقتصادية للدول الكبرى، والتي غالبًا ما تُمثل الهدف المفضل لأي تنظيم جهادي، مما سيجعلها عرضة لضربات عسكرية قوية ستؤثر بشدة على قوة التنظيم في المستقبل.
وبالنسبة لتنظيم “داعش”، فإن تلك البيعة تمثل له انتصارًا جديدًا في ظل الحرب القائمة ضده في العراق وسوريا؛ حيث يُثبت التنظيم أنه قادر على التمدد والانتشار خارج حدود دولته برغم التحالف الدولي ضده، وأنه قادر على تثبيت استراتيجيته التي تقوم على أن التنظيم يتمدد ولا ينحسر، خاصة أن “بوكو حرام” جماعة قوية وعابرة للحدود، ولها تأثير على الأوضاع في منطقة غرب إفريقيا، وبالتالي فإن تلك البيعة سوف تجعل لـ”داعش” موطئ قدم في منطقة غرب إفريقيا التي تُمثل تربة خصبة لنمو وانتشار الفكر الداعشي، كما أنها ستجعل التنظيم صاحب “أذرع طويلة” وقادر على توجيه الضربات خارج حدود “دولته”.
أما بالنسبة للتنظيمات الجهادية، فإن مبايعة “بوكو حرام” ستؤدي غالبًا إلى خلق “حزام داعشي” في منطقة شمال وغرب إفريقيا، يصبح مصدر خطر على العديد من دول المنطقة؛ حيث ستحاول تلك “التنظيمات الداعشية” نقل نشاطها إلى منطقة غرب إفريقيا. لكن من ناحية أخرى فإن هذا “الحزام الداعشي” سوف يُمثل عبئًا كبيرًا على “التنظيمات القاعدية” في المنطقة، والتي بدأت تتراجع وينحسر نشاطها لصالح “التنظيمات الداعشية” المنتشرة في منطقة شمال إفريقيا، مما سيخلق حالة من الصراع الجهادي بين التيارين، ربما يتحول إلى صدام مسلح في المستقبل.
وأخيرًا، فإن مبايعة جماعة “بوكو حرام” لتنظيم “الدولة الإسلامية”، سيرفع سقف طموح “بوكو حرام”، لتحقيق إنجازات على الأراضي النيجيرية، مماثلة لإنجازات “داعش” في العراق وسوريا، مما سيؤدي إلى موجة عنف جديدة في الفترة المقبلة، وهو ما ستكون له تداعيات سيئة على الأوضاع في منطقة غرب إفريقيا، خاصةً إذا اتخذ التنظيم قراره باستهداف صناعة النفط في نيجيريا التي تمثل شريانًا حيويًّا هامًّا للعديد من الدول، لا سيما أنّ الأوضاع في دلتا النيجر الغنية بالنفط لا تزال مضطربة وذات استقرار هشّ، مما يمكن أن يسهل مهمّة جماعة “بوكو حرام” إذا ما أرادت أن تستخدم ورقة النفط في صراعها الحالي.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية