اتسم لقاء الرئيسين ايمانويل ماكرون ودونالد ترامب في نيويورك بود بالغ حيث كان ترامب يشيد بالرئيس الفرنسي والعرض العسكري في باريس الذي دعاه اليه في الصيف بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. وهذا اللقاء الذي شل السير في نيويورك لبضعة ساعات لأن تحركات ترامب تتطلب اجراءات امنية صارمة، لن يخرج بنتيجة على صعيد الملف السوري على رغم أن فرنسا تريد المساهمة بقوة في حل سياسي للحرب الاهلية في سورية. فلسوء حظ الشعب السوري سلم بشار الاسد مصير بلده الى القوتين اللتين انقذتاه من السقوط، روسيا وايران. وترامب عازم على العمل مع ماكرون لمكافحة ارهاب «داعش» لكن مستقبل سورية لا يهمه بالفعل كما كان ذلك بالنسبة إلى سلفه باراك اوباما. وبرغم اصرار الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته جان ايف لودريان على تشكيل مجموعة اتصال لدفع الحل في سورية، لا يساعد انقسام مجلس الامن حول هذا الموضوع على التفاؤل بنجاح مبادرة فرنسا.
أمسكت روسيا زمام الامور على الارض في سورية وهي غير راغبة بتدخل فرنسا التي تؤيد معارضة سورية وطنية حقيقية غير تابعة لروسيا. فروسيا تمكنت من التوصل الى تخفيض التوتر والعنف في بعض المناطق السورية وعززت موقع الاسد. وقول الوزير لودريان ان تحديد مستقبل سورية حسب الانتصارات العسكرية لمختلف الاطراف في مختلف الاماكن يعني تمزق البلد وتقسيمه هو ما يجري حالياً مع ما تقوم به روسيا وايران وحزب الله على الارض في سورية. والمشكلة ستتفاقم إن اصبحت روسيا هي من يريد تقرير مصير سورية ومستقبلها وتحديد النظام فيها والمعارضة. وحالياً ومرحلياً حتى إشعار آخر هي متحالفة مع إيران وحزب الله على الارض. ودول المنطقة وخارجها كلها تذهب الى روسيا للقاء بوتين بحثاً عن الحل بعدما مكنه إنقاذ الأسد من استعادة هيمنته وقوته في المنطقة.
كل ذلك بسبب تراجع الاهتمام الاميركي منذ اوباما. والكلام الفرنسي عن المستقبل السوري وعن استحالة ان يكون هذا المستقبل يشمل الأسد، صحيح وعاقل. لكن قد يستطيع ماكرون لو سعى إلى القيام بجهود قوية وموحدة مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، اذا أعيد انتخابها، ان يصل ربما الى نتيجة مع بوتين. ولروسيا علاقات قوية جداً على الصعيد الاقتصادي مع المانيا ولا يمكن بوتين ان يتخلى عن العلاقة مع المانيا حيث تصب في صالحه. فربما يمكن ماكرون ان يحرك الموقف الروسي عن طريق ميركل. والمستشارة الالمانية مدركة كما ماكرون أن اللاجئين السوريين في اوروبا والمانيا وفي الدول المجاورة لسورية عبء خطير على الدول كما على اللاجئين انفسهم. والمانيا فتحت لهم الابواب والآن تريد اغلاقها. واللاجئون لن يعودوا الى بلدهم في ظل نظام ذبحهم وخرّب بلدهم وهجرهم. فهناك بعض الامل في تحريك الموقف الروسي في حال قررت ميركل اعطاء الاولوية لهذا الملف مع حليفها الاوروبي الاكبر ماكرون الذي يسعى إلى المساهمة في الحل. ولكن هناك ايضاً سيطرة ايران على الارض في سورية عبر حزب الله. فهذه معضلة اخرى تصعب الحل السياسي لسورية. فالنظام يفرغ المدن المحررة من داعش لتغيير نوعية وطوائف السكان فيها. وكثير من الايرانيين وغيرهم من ابناء الطائفة الشيعية تمركزوا في اماكن عديدة من سورية. والمسعى الفرنسي المحتمل لإشراك ايران في اي مجموعة اتصال يرغب الرئيس ماكرون بتشكيلها لدفع المفاوضات لا يمكن الا ان يفشل.
وايران تحارب وتقتل وتدمر هي ووكيلها «حزب الله» على الأرض في سورية وهذا ما اكده عن حق رياض حجاب بعد لقائه ماكرون في نيويورك.. فالرئيس الفرنسي الشاب يتحرك ويريد وفق وزير خارجيته «العمل والمساهمة في حلول جميع أزمات العالم». لكن طموحه يصطدم بتراجع اميركي مع فلسفة ترامب «اميركا أولا» ومع هيمنة روسية متزايدة وتدخل ايراني يزعزع استقرار المنطقة.
رندة تفي الدين
صحيفة الحياة اللندية