نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالنظرة الأولى، يبدو معقداً بتركيبته الخاصة التي تحتوي على مناصب وانتخابات مختلفة من شأنها أن توهم البعض على أنها تضمن للتركيبة السكانية المتنوعة في البلاد نوعاً من الحرية والمشاركة في صنع القرار والمساهمة في السلطة.
لكن نظرة فاحصة لهيكلية هذا النظام، تظهر أنه ليس هناك أي توزيع للأدوار ومراكز القوى وإنما المرشد علي خامنئي هو وحده من يمسك بجميع الأوراق المهمة في لعبة إدارة إيران والتحكم بها وباقي الجهات وأصحابها لا يمتلكون شيئاً سوى مناصب وهمية وجدت فقط لكي تبعد تهمة الاستبداد والانفراد بالقرارات في هذا النظام. هذا الانفراد بالقرار السياسي يتضح أكثر حين يطفو على السطح خلاف، مفتعلاً كان أم حقيقياً، بين المرشد ورئيس الجمهورية الذي من المفترض أن يكون صاحب الكلمة الأولى في الحكومة. ففي السابع والعشرين من أغسطس (آب) الماضي، قدم حسن روحاني قائمة بأسماء الوزراء المقترحين لحكومته الجديدة لمجلس النواب لدراستها والمصادقة عليها، وتمت الموافقة على 17 من أصل 18 مرشحاً للوزارة وتم رفض بيطرف المرشح لوزارة العمل، دون الإشارة الى الحقائب الوزارية المهمة الخمس، وهي الدفاع والشؤون الخارجية والاستخبارات والعدل والنفط، حيث يتم تعيين أصحابها من قبل المرشد وليس لرئيس الجمهورية أي تأثير في ذلك، وهذا تقليد معروف ومتبع في نظام ايران، الامر الذي قاد إلى حصولهم على أكثرية الأصوات دون مناقشة مؤهلاتهم في البرلمان، في حين تم اختيار 12 وزيراً بالتشاور مع المرشد خامنئي وحاشيته في بيت القيادة والحوزة العلمية في قم، وكان للانتماء الآيديولوجي الدور الحاسم في الاختيار. كما أن مراجعة سوابق وملفات الوزراء المنتخبين تظهر أن جميعهم لهم صلة بأجهزة النظام القمعية كالحرس الثوري والمخابرات وميليشيات الباسيج، حيث لعبوا دوراً مهماً في قمع الشعب الإيراني خلال العقود الماضية.
ويمكن القول إن الأمور جرت خلافاً لوعود روحاني الانتخابية، حيث صرح فيها بأنه سيمنح ثلاث حقائب وزارية للنساء وحقيبة وزارية واحدة لكل من الأقلية السنية التي تشكل 30 في المائة من إجمالي عدد السكان والأقليات الإثنية غير الفارسية وتضم العرب والأكراد والبلوش والتركمان، الأمر الذي أظهر طبيعة النظام العنصرية والطائفية والتميز بين الجنسين.
لذلك يمكننا أن نستنتج أنه لا توجد في إيران حقوق مواطنة، وفي الواقع يشغل خامنئي وحده جميع المراكز عبر منصب «المرشد الأعلى» وباعتباره «إماماً» وقائداً، حيث يصدر كل القرارات التي يتضمن بعضها القمع الوحشي وانتهاكات حقوق المواطنين وقمع المعارضة.
ووفقا لـ«منظمة العدالة لإيران»، وهي منظمة حقوقية دولياً ومركزها في لندن، فإن وزير العدل ورئيس القضاء الإيراني، علي رضا آوايي، هو أحد المتورطين في مجزرة إعدام العشرات من المعارضين في سنة 1988، كما تقول المنظمة إن آوايي يجب أن يُقدم للعدالة الدولية لقتله آلاف الأبرياء, ويقول محمد رضا آشوغ السجين السابق في سجن تستر إن الوزير آوايي أطلق الرصاص بنفسه على عدد من المعارضين وسجناء سياسيين كان بعضهم دون الـ18 عاماً، كما ورد اسمه في قائمة الإرهابيين في الاتحاد الأوروبي و«الإنتربول» ولذلك فإنه معفي من السفرات الخارجية، ويمكن القول إن باقي وزراء حكومة روحاني من نفس القماشة.
إن النظام الإيراني مبني على مبدأ ولاية الفقيه المطلقة، وهذه الخصوصية تجعل المرشد الأعلى فوق القانون، ومن هذا المنطلق، فإن النظام الإيراني يزعم أنه يكسب شرعيته من الله، وعلى هذا الأساس يمكنه البقاء والاستمرار دون الحاجة لتأييد الجمهور الذي ليس أمامه خيار سوى الصمت أو السجن والتعذيب، حت وِإن كان من مؤسسي النظام وركائزه مثل موسو وکروبي أو حتى أحمدي نجاد، كما أن في جوهره نظاماً يعادي الأغلبية المكونة من الشعوب والإثنيات غير الفارسية والأديان والمذاهب الأخرى، في بلد يعتبر متعدد القوميات والمذاهب والأديان، توالت على حكمه سلالات متعددة قامت بتأسيس إمبراطوريات وكيانات ودويلات وإمارات وأقاليم مختلفة، وتعايشت شعوبه وقومياته المختلفة جنباً إلى جنب تحت ظل حكم لا مركزي.
ففي زمن حكم الغاجار كانت البلاد تدار بطريقة «الممالك المحروسة الإيرانية»، فكان عبارة عن نظام فيدرالي تقليدي، يعترف بشكل رسمي بالتعددية القومية والثقافية واللغوية والدينية من خلال تطبيق نظام «الأقاليم والولايات»، حيث تكتفي الحكومة المركزية بإرسال ممثل لها لكل إقليم للإشراف على جمع الضرائب والإتاوات فقط، بينما كانت تتمتع أقاليم مثل عربستان ولورستان وكوردستان وخراسان وأذربيجان وبلوشستان وولايات صغرى أخرى، بالحكم الذاتي القريب من الاستقلال لصلاحياته المتعددة.
وربما لهذا السبب لم تشهد إيران آنذاك صراعاً قومياً وبدأ هذا الصنف من الخلافات مع تأسيس الدولة البهلوية في بداية العشرينات من القرن الماضي، حيث سعي رضا شاه ومن ثم ابنه محمد رضا شاه اللذان قاما بتنفيذ مشروع الدولة – القومية، وهو نسخة مشوهة لمشروع الدولة الوطنية القومية في أوروبا في القرن التاسع عشر، وحاولا خلق كيان سياسي جديد وهوية جديدة لهذا الكيان، مبنية على نظرية العرق الآري والمذهب الشيعي.
شاركت كل الشعوب الإيرانية بما فيها القوميات غير الفارسية بشكل فعال في الثورة التي انتهت بسقوط الشاه في عام 1979 وتوقعت الشعوب الإيرانية أنها سوف تنال حقوقها في ظل النظام الجديد الذي ينادي بقيم الإسلام المبنية على العدالة والمساواة والحقوق المتساوية لكل الشعوب بغض النظر عن عرقهم أو انتمائهم أو أصلهم، ولكن ما حصل هو العكس، حيث قام نظام الجمهورية الإسلامية بحرمان الأقليات الدينية والقوميات غير الفارسية من أبسط حقوقها.
رغم الشعارات ضد الملكية البهلويه الرنانة، استمر نظام ولاية الفقيه في السنوات التي تلت موت الخميني عبر رؤساء للجمهورية مثل رفسنجاني وخاتمي وأحمدي نجاد بنفس السياسات التي تقوم على الآيديولوجيا القومية – الطائفية المتطرفة التي تطمح لسيطرة هوية ولغة وثقافة واحدة وهي الفارسية – الشيعية وطمس وصهر سائر الشعوب والقوميات والأقليات بممارسة سياسات وأساليب التطهير العرقي والاستلاب الثقافي الممنهجة.
واليوم لا يختلف الأمر عن الماضي كثيراً، حيث تدير حكومة الرئيس روحاني دفة الحكم بأمر وتوجيهات الولي الفقيه نحو مزيد من الهيمنة لصالح الأقلية الفارسية – الشيعية بنفس الطريقة التي كان الاستبداد والقمع يمارس في أيام الشاه، إلا أن هذا النظام أضاف إليه سياسة التدخل في دول الجوار مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن بغية تصدير الإرهاب والقتل.
كريم عبديان بني سعيد
صحيفة الشرق الاوسط