ما إن أعلن مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، إجراء استفتاء “الانفصال” عن العراق، في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، ونظرًا للتداعيات السياسية والأمنية الخطيرة التي من شأنها أن يحدثها ذلك الاستفتاء، سعى “إيمانويل ماكرون” الرئيس الفرنسي منذ ذلك الإعلان لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في العراق من خلال اللقاء بشخصيات وطنية عراقية تحرص على وحدة العراق. فالديبلوماسية الفرنسية سعت من خلال رئيسها إلغاء الاستفتاء حرصًا على وحدة العراق من غير تجاهل حقوق الأكراد التاريخية. ومن أجل ذلك نشطت الديبلوماسية الفرنسية عبر سفيرها في العراق الذي اتصل مع حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي ومسعود بارزاني لتقريب وجهات النظر وتطويق الأزمة السياسية التي سيحدثها إذا صمم الأكراد على اجراء الاسفتاء في موعده المقرر. كما التقى أيضًا مع سفير الأمريكي والبريطاني في العراق من أجل اتخاذ موقف واضح من من عملية اجراء الاستفتاء.
وعلى الرغم من المواقف الأممية والدولية والإقليمية والعربية التي عبرت عن دعمها لوحدة العراق ورفضها لاستفتاء انفصال إقليم كردستان عنه، أُجرِي الاستفتاء في موعده المقرر، وقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في اقليم كوردستان، اليوم الأربعاء الماضي، النتائج الرسمية للاستفتاء على استقلال كوردستان، مشيرة إلى أن نسبة الذين صوتوا بـ (نعم) بلغت 92.73%، فيما بلغت نسبة التصويت بـ (لا) 7.27%. ولم يمنع الإعلان عن تلك النتائج، من أن يشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على “أهمية وحدة وسلامة أراضي العراق مع الاعتراف بحقوق الشعب الكردي”، مبديا استعداده للمساعدة في تهدئة التوتر بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق بعد إجراء استفتاء الانفصال. وفي بيان عقب اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قال ماكرون إنه “يجب على العراقيين أن يبقوا متحدين”، وشدد على أن الأولوية هي “قتال داعش واستقرار العراق”. وبينما حث الرئيس الفرنسي كل الأطراف على “ضرورة تجنب أي تصعيد والبقاء متحدين“، عبّر عن استعداد بلاده لتقديم الدعم بهدف منع استدامة حالة التوتر بين بغداد وأربيل، داعيا العبادي “إلى احترام حقوق الأكراد”.ومن أجل إيجاد حل للأزمة الناشئة عن استفتاء الإقليم، دعا ماكرون العبادي إلى زيارة باريس في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهي الدعوة التي أعلن عبادي قبولها، بحسب مكتب الرئيس الفرنسي.
ومن جانبه، أكد المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي ان الدعوة لزيارة فرنسا تم تسليمها للعبادي من قبل وزيري الخارجية والدفاع الفرنسية اثناء زيارتهما لبغداد.وشدد المكتب على ان الزيارة لا علاقة لها بأزمة الاستفتاء وانما الهدف منها تقوية العلاقات الثنائية وتركيز الجهود على محاربة الارهاب.وأوضح المكتب ان العبادي وماكرون لم يتطرقا خلال مكالمتهما الاخيرة الى ضرورة الاعتراف بحقوق الشعب الكردي او عدم التصعيد من قبل بغداد كما التداول في الاعلام الكردي، مشيرا الى ادانة ماكرون للاستفتاء وتعريض المنطقة للخطر.
وبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإن ماكرون سيعرض على حيدر العبادي مبادرة سياسية تعتمد أسلوب الحوار المعمق بين بغداد وكردستان لتطويق الأزمة السياسية التي تصاعدت بعد الاستفتاء، ومن جانبه سيبلغ العبادي ماكرون أن الطريق نحو الحوار الايجابي مع الأكراد يبدأ من قيامهم بإلغاء الاستفتاء ونتيجته وبحسب تلك المعلومات أيضًا فإن ماكرون بعد لقائه بالعبادي سيلتقي بالبارزاني. ومع هذه المبادرة الفرنسية تسير كل الدوائر الفرنسية من أجل إنجاحها من خلال لقائها بشخصيات عراقية عربية وكردية تؤمن بوحدة العراق والحفاظ على حقوق الأكراد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
يمكن فهم الدبلوماسية الفرنسية الفاعلة في حل الازمة الراهنة بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان في إطار وسعها أن تشغل دور الوسيط الايجابي في عالم يسوده الاضطراب والانقسام وأن دبلوماسيتها تقوم على التعاون مع الأطراف الأزمة السياسية لحلها لاسيما إذا أطرافها تجمعم علاقات تاريخية كأكراد العراق فبحلها ستحقق الفائدة لجميع الأطراف بما فيهم الوسيط. إذ ستتأكد القناعة التي مفادها بأن فرنسا دولة قيادية في أوروبا قادرة على حل أزمة سياسية بالوسائل الدبلوماسية في دولة لا يستهان بثقلها الاستراتيجي في منطقة الشرق الاوسط وهي العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية