هل يعيد التاريخ نفسه وتتدخل السعودية عسكريا في اليمن؟

هل يعيد التاريخ نفسه وتتدخل السعودية عسكريا في اليمن؟

DSC_1955

هل تتدخل السعودية عسكريًا في اليمن في حالة دخول الحوثيين عدن وتكرر تجربة التدخل العسكري في البحرين وفض ميدان اللؤلؤة؟ وماذا تعني تصريحات وزير الخارجية السعودي “سعود الفيصل” بأن تتخذ دول الخليج العربية “الإجراءات اللازمة” ضد الحوثيين في اليمن إذا فشلت جهود التوصل لحل سلمي؟ وهل الطلب الذي تقدم به وزير الخارجية اليمني للرياض بطلب التدخل العسكري لقوات “درع الجزيرة” يمهد الطريق للاستجابة لهذا الطلب؟ أم أن الأمر مجرد تلويح بالتهديد ليس أكثر من ذلك؟ وهل يعيد التاريخ نفسه وتتدخل السعودية عسكريًا في اليمن كما حدث في الستينيات؟

الصراع داخل اليمن

المراقبون للشأن اليمني والصراع في الداخل يؤكدون صعوبة قراءة الوضع ويستبعدون تدخلًا عسكريًا بريًا من السعودية أو غيرها؛ فاليمن شعب مسلح ولا يوجد يمني إلا ولديه سلاح في بيته، وبالتالي دخول قوات سعودية أو خليجية للأراضي اليمنية أمر محفوف بالمخاطر، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، وضعية الدول الخليجية والتحديات التي تواجهها، فإذا كانت السعودية تواجه خطر الحوثيين في الجنوب فإنها تواجه خطرًا لا يقل خطورة من “تنظيم الدولة الإسلامية” في الشمال، والصراع في العراق وتواجد 30 ألف مقاتل إيراني يقاتلون ضمن الحشد الشعبي الشيعي وتحت مظلة الجيش العراقي وما يشكله هذا التواجد العسكري الإيراني في العراق على السعودية، إضافة إلى الدعم العسكري الإيراني لنظام بشار الأسد وتورط حزب الله اللبناني في الحرب دعمًا للنظام، والأمر نفسه بالنسبة للبحرين التي تواجه حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، مما يحول دون تدخلها عسكريًا في اليمن، وكذلك الخطر الذي تواجهه الكويت على حدودها مع العراق والخوف من “داعش”.

التدخل البري.. والقدرات

ومن ثم، فإن التدخل العسكري البري لدول مجلس التعاون في اليمن أمر مستبعد، وهذا ما يعرفه الحوثيون جيدًا ويجعلهم يتمددون داخل الأراضي اليمنية من صنعاء إلى تعز، والآن يهددون باجتياح عدن للسيطرة عليها بعد أن صارت مركزًا للثقل السياسي عقب لجوء الرئيس هادي منصور إليها وانتقال سفارات الكثير من الدول إلى هناك.

بقي النظر لقوة “درع الجزيرة”، وهل هذه القوات التي تشارك فيها دول مجلس التعاون الست تستطيع التدخل في الشأن اليمني، وتعدادها وتسليحها وتجاربها الحربية، وقدرتها على التدخل، ونظامها منذ تأسيسها، ومدى اتفاق دول الخليج على القيام بهذه المهمة؟

قوات عسكرية مشتركة

قوات “درع الجزيرة”، هي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، تم إنشاؤها عام 1982 بهدف حماية أمن الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي وردع أي عدوان عسكري؛ إذ قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الثالثة (المنامة، نوفمبر 1982م) الموافقة على إنشاء قوة درع الجزيرة، وقائد قوات درع الجزيرة هو السعودي اللواء ركن “حسن بن حمزة الشهري”.

وفي البداية، تم تشكيل قوة أطلق عليها اسم “قوات درع الجزيرة”. وفي انعقاد المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الـ 26 (أبوظبي، ديسمبر 2005)، تمت الموافقة على اقتراح الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بتعديل المسمى من قوة “درع الجزيرة” إلى “قوات درع الجزيرة المشتركة”. ويقع مقر قوات درع الجزيرة المشتركة في المملكة العربية السعودية، في محافظة حفر الباطن، مدينة الملك خالد العسكرية، قرب الحدود بين الكويت والعراق.

5 آلاف جندي

وتتألف قوات درع الجزيرة من فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها، وهي (المشاة والمدرعات والمدفعية وعناصر الدعم القتالي)، وتتألف القوة التأسيسة من لواء مشاة يقدر بحوالي 5 آلاف جندي من عناصر دول مجلس التعاون الست (السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان). أغلب جنود القوة هم من السعودية، مع أعداد أصغر من باقي الدول، وبهذه القوة فإن القدرة القتالية لقوات درع الجزيرة تؤهلها فقط لخوض حرب دفاعية. استراتيجيًا، تشكل قوات درع الجزيرة قيمة استراتيجية محدودة من الناحية الأمنية، وهي غير قابلة للتصدي لأي عدوان واسع النطاق.

وبعد الاجتياح العراقي للكويت، قامت المملكة العربية السعودية بتكرار دعواتها لزيادة التعاون الداخلي للدول الأعضاء في “درع الجزيرة”، كما دعمت اقتراح السلطان قابوس بزيادة أعداد قوات درع الجزيرة إلى 100 ألف جندي، إلا أنه مع هزيمة القوات العراقية في نهاية فبراير 1991 تقلصت الأصوات الداعية إلى زيادة قوة درع الجزيرة ضمن الأعضاء، كما انتهى مشروع زيادة قوات درع الجزيرة في ديسمبر 1991 بضغط سعودي.

اقتراح سعودي لتوسيع قدرات الدرع

وفي ديسمبر 2005، أعلن الأمير سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع السعودي، تفكيك قوات درع الجزيرة على إثر التوترات السعودية القطرية وإدراك مجلس التعاون أن القوات لم تكن بالمستوى المطلوب. وفي نوفمبر 2006، نظر “مجلس الدفاع المشترك في دول مجلس التعاون الخليجي” اقتراحًا سعوديًا لتوسيع قدرات الدرع وإنشاء نظام مشترك للقيادة والسيطرة، وكانت قوة درع الجزيرة في عام 2006 تقدر بحوالي 7000 فرد. وفي ديسمبر 2007، صرح رئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي “الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح” لصحيفة “جلف ديلي نيوز Gulf Daily News” أن دول المجلس تخطط لإنشاء بديل لقوة درع الجزيرة، وقال إن الخيارات دائمًا تكون موحدة.

30 ألف عسكري

وفي عام 2010، تجاوزت القوة عتبة 30 ألف عسكري من ضباط وجنود، بينهم نحو 21 ألف مقاتل. في عام 2011 وخلال فترة الاحتجاجات الشعبية، طلبت حكومة مملكة البحرين الاستعانة بقوات درع الجزيرة، وقالت الحكومة إن القوات جاءت لتأمين المنشآت الاستراتيجية، فيما اعتبرت إيران هذا التدخل بمثابة غزو للبحرين، وردت المنامة على لسان وزير خارجيتها “خالد بن أحمد آل خليفة” أن قوات درع الجزيرة لن تبارح البحرين حتى يذهب الخطر الإيراني، وتقدمت إيران بشكوى في مجلس الأمن بشأن إرسال درع الجزيرة إلى البحرين، واتُهمت القوات بارتكاب جرائم خلال تدخلها في البحرين منها منع الطواقم الطبية من تقديم العلاج للجرحى وقتل المدنيين.

وشاركت السعودية بأكبر عدد من الجنود في التدخل لقمع الاحتجاجات الشعبية في البحرين (1200 جندي) وبعدها الإمارات (800)، ولم ترسل الكويت قوات برية وأرسلت قوات بحرية بقيادة المقدم ركن بحري “عبد الكريم العنزي”، الذي صرح بأن قوته جاهزة للدفاع عن البحرين وأن الدفاع عن البحرين مثل الدفاع عن الكويت. ويعود السبب في عدم إرسال الكويت أي قوات برية، على حد قول الحكومة، في تفضيل الكويت القيام بدور دبلوماسي وشعبي لتهدئة الأوضاع بدلًا من إرسال قوات برية.

جدال داخل الكويت

وسبب الموقف الكويتي بالتدخل العسكري جدالًا داخل الكويت كما تسبب في تصعيد بعض التوترات الداخلية وخاصة بين السنة والشيعة الذين يمثلون ما بين 25: 30 % من سكان الكويت، فمن جهة لم ترد الكويت التخلي عن حليفتها السعودية، ومن جهة أخرى لم يرد أغلبية الشعب رؤية ثورة شيعية ناجحة، فكان إرسال قوات بحرية بدلًا من برية حلًا وسطًا. وكان الشيخ صباح الأحمد الصباح صرح في عام 1984م، عندما كان وزيرًا للداخلية، أن تشكيل قوة درع الجزيرة هو لغرض صد الخطر الخارجي وليس للتتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة خليجية. وفي السعودية، خرجت عدة تظاهرات من قبل المواطنين السعوديين الشيعة في محافظة القطيف ومحافظة الأحساء للمطالبة بخروج قوات درع الجزيرة من البحرين.

ومن ثم، فإن تدخل قوات “درع الجزيرة المشتركة” في اليمن أمر مستبعد ومن الصعوبة تكرار تجربة التدخل في البحرين؛ فاليمن ليست البحرين، ولا ديموغرافية وجغرافية اليمن مثل البحرين وكذلك موازين القوة في البلدين. ولكن، ما هي الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها السعودية؟

جهود التوصل لحل سلمي

تعهد وزير الخارجية السعودي “سعود الفيصل” بأن تتخذ دول الخليج العربي “الإجراءات اللازمة” ضد الحوثيين في اليمن إذا فشلت جهود التوصل لحل سلمي، وانتقد الفيصل “التدخل” الإيراني في اليمن. فيما حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن على حافة حرب أهلية. ويحاول الحوثيون إحكام قبضتهم على السلطة ويتحرك مسلحو الحركة الحوثية الشيعية من معقلهم في شمال اليمن باتجاه الجنوب ويخوضون اشتباكات مع مسلحين من سكان هذه المناطق، ويقرّب هذا التحرك الحوثيين من الدخول في صراع مع القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي اتخذ من مدينة عدن بجنوب البلد مقرًا له. وهرب هادي من صنعاء في فبراير بعدما سيطر الحوثيون على السلطة في العاصمة صنعاء.

قلق دول الخليج المجاورة

وأثارت سيطرة الحوثيين على السلطة قلق دول الخليج المجاورة، وخاصة السعودية ذات الغالبية السنية. وردًا على سؤال حول إمكانية دعم “هادي” عسكريًا، قال سعود الفيصل: “بالطبع، الدول في المنطقة وفي العالم العربي ستتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة من العدوان”. واتهم سعود الفيصل إيران بمحاولة “إثارة صراع طائفي”، أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني “فيليب هاموند” في الرياض، فيما قال هاموند: “لا أحد منا يريد أن يرى عملًا عسكريًا”، وأضاف أن بريطانيا ستبحث مع السعودية والولايات المتحدة سبل تعزيز موقف الرئيس اليمني، وانضم البريطانيون إلى الأمريكيين في سحب قوات عسكرية خاصة من اليمن بسبب الوضع الأمني المتدهور هناك.

عبد اللطيف التركي – التقرير