هل يُعد عدم استقرار العراق مطلبًا إقليميًّا؟ 

هل يُعد عدم استقرار العراق مطلبًا إقليميًّا؟ 

لم تضع الحرب ضد داعش أوزارها بعدُ، حتى فتحت جبهة صراع قديم/ متجدد، وهو الصراع بين أربيل وبغداد، الذي تشي التطورات بأنه سيتصاعد وسيكون عنوان المرحلة المقبلة في العراق. فالأمر مختلف هذه المرة عن السابق حيث تنزل القوى الإقليمية -تركيا وإيران أساسا- بثقلها في هذا الصراع وتقف مع بغداد ضد توجهات أربيل الانفصالية.  أشار المتابعون للشأن العراقي في عام 2010م ، أن احتلال الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين بأنه جاء “هدية” على طبق من ذهب لإيران، معتبراين أن هذا الاحتلال كان بمثابة عقاب للشعب العراقي بكامله، حتى وإن كانت نتيجته هي تخلص العراقيين من ديكتاتورية صدام. وحذر وا في حينها من أن التدخل في القرار والشأن العراقي من شأنه أن يزعزع الاستقرار في المنطقة.وقالوا، إن دخول دول إقليمية من الجوار في الشأن العراقي مسألة في غاية الخطورة لأنها تؤدي إلى حساسية شديدة، وتمزقات دائمة في العراق، وحساسيات مذهبية تمتد للمنطقة.وأوضحوا أن العراق كان يشكل حجر أساس في الأمن القومي العربي، وبغيابه اختل التوازن لصالح قوى مثل تركيا وإيران، مشيرين  إلى أن الرئيس العراقي السابق صدام حسن كان حاجزاً أمام تقدم إيران في المنطقة، وغيابه كبّر الدورين التركي والإيراني وغاب الدور العربي.واعتبروا أن اقتلاع نظام صدام حسين لم يكن حدثاً عادياً في المنطقة، باعتبار حجم التأثير والدور الذي قام به صدام في المنطقة، بدخوله حربين، ولذا فهو غيّر مصير المنطقة وقت أن كان قوياً، كما غيرها عندما ضعف وانتهى دوره، مشيرين إلى أن الوطن العربي فشل في تقديم رد بعد سقوط صدام لتوفير الاستقرار، وأن العرب كانوا بحالة من الضعف لا تسمح لهم بتقديم مثل هذا الرد، خلافاً لأوروبا وقدرتها على الاستيعاب والرد عقب انهيار حائط برلين.
وهذا ما أكد عليه السفير الأمريكي السابق في العراق “ريان كروكر”، عشية حرب العراق في ٢٠٠٢، مذكرة الى وزير الخارجية يومها، كولن باول، تفيد بأن اطاحة صدام حسين قد تؤدي إلى نزاع إثني ومذهبي في البلاد، وأن دول الجوار قد تزيد نفوذها في العراق.وبعد 15 عاماً على المذكرة التي خطها كروكر مع وليام بيرنز ونقلها كتاب «الجندي: حياة كولن باول»، أضحت مخاوف كروكر واقعاً على الأرض وباتت تتطلب، بحسب السفير السابق، وساطة واستراتيجية أميركية أكثر فعالية من تلك التي صاحبت عهد باراك أوباما، وتستمر برأيه اليوم مع دونالد ترامب.وقال كروكر  إن الاستفتاء الكردي «ليس مفاجئاً»، وان واشنطن أخطأت بإعلان موقف ضده، أدى إلى تقوية بغداد وقيامها باجراءات عقابية من شأنها زيادة الأزمة تعقيداً. كروكر الذي كان سفيراً لبلاده في أربع دول شرق أوسطية، إضـــــافة إلى باكستان وأفعانستان، قــــال إن قضية الأكراد في العراق «عمرها طـــويل جداً، والاستفتاء غير الملزم لم يكن مفاجئاً، وحكومة إقليم كردســتان تدرك مدى التعقيدات، وأن من الصعب عليها الوصول إلى دولة (مستقلة) من دون علاقة جيدة مع بغداد».لذا يرى السفير السابق، المحاضر في جامعة برنستون الأميركية، أن الاستفتاء «بالكاد بداية العملية وليس نهايتها، وعلى الولايات المتحدة التوسط وإدارة المسألة». وعن دور الأطراف الخارجيين قال كروكر إن دور إيران «هو الأكثر اشكالية في قضية الاستفتاء»، معتبراً أنه في حال «أرادت إيران خلق المتاعب يمكنها ذلك من خلال ميليشيات قادرة على زعزعة الإستقرار بسهولة».ويضيف أن «تركيبة عدم الاستقرار في العراق تفيد إيران أكثر من غيرها. أما روسيا وتــــركيا ليستا بالــــضرورة في تحالف استراتيـــجي، وهناك حدود للالتقاء التركي – الروسي، كـــما هناك حدود للتلاقي الروسي – الإيراني».
ويقول كروكر، الذي خدم في العراق بين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، إن إدارة ترامب «ارتكبت خطأ في طريقة التعاطي مع الاستفتاء»، مشيراً إلى أن لهــجة واشنطن «القوية والمتأخرة برفـــضها الاستفتاء حددت النبرة وأعــــطت الضوء الأخضر لبغداد التي ردت بشكل قوي».ويرى كروكر أيضاً أن وساطة تدريجية ونبرة أكثر اعتدالاً وحيادية من إدارة ترامب هي الخيار الأفضل أمام واشنطن.وبضيف «لا مجال للتكهن بما سيحدث، إنما اذا أردنا تفادي الأسوأ علينا الانخراط».ويعرّف السفير السابق الخطوط العريضة لأي وساطة أمـــيركية بجـــهد يركز على القضايا الأساسية وعلى حوار بين الأطــــراف يطال النظام الفـــيديرالي العراقي وقــــانون للنـــفط»، مشــــيراً إلى أن «عدم حدوث أعمال عـــنف في كركوك خــــلال الاســـتفتاء أمر مشجع».
ويدعو كروكر واشنطن إلى «تعريف مصالحها في العراق ووضع استراتيجية سياسية كانت غائبة خلال إدارة أوباما، ولا تزال غائبة مع ترامب الذي يتبع نهج سلفه وينظر الى العراق فقط من منظار محاربة داعش والشق العسكري».وحتى «داعش» في نظر كروكر «ليس مشكلة عسكرية فقط، بل لها بعد سياسي يحتم علينا الــــنظر في هذه المشاكل».ويحض على ايجاد مخرج بخفض نسبة «التشنج بين إربيل وبغداد، وفتح واشنطن قنوات اتصال مع الجميع، وأن على الإدارة الأميركية أن تقرر ما اذا كانت ستلعب دوراً سياسياً، أو تجازف بخطورة قفز العراق إلى مرحلة زعزعة الإستقرار».

خلاصة القول، يعيشالعراق منذ نيسان عام 2003م وحتى يومنا هذا سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والأمنية والعسكرية وكان آخرها أزمة كركوك بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، الأمر الذي يدفعنا للتساءل: هل يُعد عدم استقراره مطلبًا إقليميًّا؟

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية