القمة العربية: قمة الضرورة والحزم

القمة العربية: قمة الضرورة والحزم

arab-league-summit-620x375

انطلقت اعمال القمة العربية في دورتها السادسة والعشرين في مدينة شرم الشيخ في ظل ظروف معقدة تمر بها المنطقة العربية، اذ يطغى الملف اليمني على أعمالها التي يشارك فيها ١٤ ملك ورئيس دولة من اصل ٢٢ دولة عربية، يتقدمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وملك الأردن عبد الله وأمير الكويت الشيح جابر الأحمد.

وتعتبر القمة هذه انعكاسا رئيسا لمتغيرات سياسية في المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج الاخرى، على خلفية ما حدث في اليمن من تدخلات إيرانية، نهضت بها الميليشيات الحوثية، لتبشر بمرحلة جديدة من التلاحم، بعد سنوات من الانقسامات والتقاطع، لتمضي قدما في تنسيق قدراتها العسكرية ومواقفها السياسية. ويعتبر الموقف السعودي الذي انطلق مع “عاصفة الحزم” اعلانا بالركون الى التغيير على مستوى المواقف والسياسات. فالاصرار وعدم التنازل ومراعاة الحسابات القومية، يعني استجماع القوة العربية، وتوظيف هذا الثقل في حمل كل الاطراف سواء الحليفة او المعادية، على القبول بمعادلة الحزم العربية.

وكان استيلاء الميليشيات الحوثية على عدن في 25 آذار/مارس، قد أجبر العرب على اعادة قراءة موقفهم، والاعلان عن حملة عسكرية لوقف تمددها. فمن وجهة نظر عربية وخليجية، ليست السيطرة الحوثية على المدينة الساحلية في جنوب غرب اليمن الا تهديد لحركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. ناهيك عن الضرر الذي سيلحق بحركة الملاحة في قناة السويس. فما تشهده الساحة اليمنية من تطورات بالغة الخطورة لم تكن لتقف عند حدود اليمن، إن لم يتم تداركها من خلال تحرك سريع وفاعل، يلغي القفز على الشرعية وفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة، ويدعم مؤسسات ورموز الدولة، لتمكينها من القيام بمسؤولياتها القومية من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية.

ان انخراط العرب، في موقف موحد من شأنه اعادة الاعتبار الى مكانتهم الاقليمية والدولية، ولتأكيد ما ذهبوا اليه في قممهم السابقة من ان الامن العربي شمولي لا يتجزأ عن امن دوله المتعددة، بالإضافة إلى ذلك، يمثل التحالف العشري وما تبعه رؤية عربية مشتركة حيال التهديدات التي تشهدها المنطقة، وفرصة لتوحيد المواقف وتحسين العلاقات الثنائية، التي شهدت توترات منذ تصاعد احتجاجات ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وثمة اعتبارات جيوستراتيجية قد تلحق بالدول العربية في حال بقائها في موقف المتفرج حيال النفوذ إلايراني، الذي تتزايد سطوته والقائم على الهيمنة والإمبريالية الطائفية بهدف تصدير إيديولوجيته الثورية. ولن يناقض ذلك مصالح العرب في المنطقة فحسب، بل ولّد على الأرجح واقعاً شبيهاً بالحرب الباردة بين إيران والدول العربية، وخاصة إذا امتلكت طهران أسلحة نووية.

وتسببت إيران وشبكات ميليشياتها بجعل الشرق الاوسط يغرق في بحر من التطرف، إذ احكمت قبضتها على العراق وسوريا، وقامت بدعم وكلائها في البحرين، وتعددت وجوه دعمها للحوثيين في اليمن لينتهي الامر بانقلابهم على الحكومة الشرعية. وبذلك فانها تقوم عملياً بتطويق المملكة العربية السعودية، لتتبع فيما بعد سياسات أكثر جرأة، من شأنها تطال استقرار الرياض وتحرض على الفتنة في هذا البلد.o

عاصفة-الحزم-الدول-المشاركة

وما يلاحظ في القمة الحالية، ان التعاون العسكري على الجبهة اليمنية قد جمع دولا عربية كانت على خلاف سياسي كبير، ولعله تحدي البقاء الذي تشهده بعض الدول العربية، لجهة ادراك الأخطار المحدقة بها،  بما يسمح بخلق أجواء التقارب الايجابية بينها، وصولا لاحداث مصالحة بين مصر وقطر، سواء خلال قمة شرم الشيخ أو بعدها. فالأجواء الايجابية، عامودها المصلحة القومية ودرء المخاطر والتحديات، اكدتها قيادات سياسية ارتقت إلى مستوى الاستجابة الفاعلة والمؤثرة.

القمة الحالية مختلفة عن سابقاتها، لجهة تغير مقاربة احدى دولها المهمة لما تملكه من ثقل اقتصادي وأيديولوجي. فالسعودية اليوم ومن خلال قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز حريصة على رأب الصدع في العلاقات البينية العربية، وإيجاد حلول للأزمات والملفات الإقليمية. ما يتطلب الحسم وتغيير اسلوب ممارساتها الحركية السابقة التي اتسمت بالانتظار والاكتفاء بالرفض والاستنكار. وما ادركه العاهل السعودي الجديد ان الفراغ الاستراتيجي الذي يعاني منه النظام الإقليمي العربي، والعبء الأكبر لملء هذا الفراغ انما يقع على عاتق المملكة، عطفاً على خروج العراق وسوريا من معادلة التوازن الإقليمي، ولا تزال مصر في طور إعادة البناء السياسي والاقتصادي، وصولا لاستعادة دورها الإقليمي بدعم خليجي واضح، فإن المملكة قد ترى حاجة إلى إيجاد مقاربة جديدة في علاقاتها الدولية والإقليمية.

ولهذا فان الملك سلمان عازم بما لديه من الكاريـزما والخبرة الطويلة والعلاقات المتينة بصناع القرار الإقليمي والدولي، على الاختراق والحسم، واعادة تأهيل العلاقات العربية – العربية، والعمل على تأسيس محور إقليمي يمكن من خلاله تضييق الخناق على الخصوم أو حرمانهم من زعزعة الامن القومي العربي، خصوصاً أن إيران تستخدم الورقة الطائفية، وتسعى إلى تسخيرها لزيادة نفوذها في الاقليم، الأمر الذي يشكل تهديداً صريحاً للمصالح العربية، ويعد تدخلاً واضحاً في الشؤون الداخلية للدول العربية.

استجابة اخرى عبر عنها الامير القطري الشاب تميم بن حمد آل ثاني، حيال ما يجري في اليمن بعد سيطرة الحوثيين على المحافظات الشمالية، وفتحهم أبواب البلاد على مصراعيها للنفوذ الإيراني، ما تطلب تعزيز العلاقات الخليجية-الخليجية، والاتجاه لعقد مصالحة بين مصر وقطر، ونبذ الخلافات، سيما بعد انطلاق عملية “عاصفة الحزم”، ما يتطلب يحتم مراجعة السياسات والمواقف بعد السيولة الإقليمية جراء انتشار التطرف والإرهاب، فالقمة محطة أساسية لتجديد العمل المشترك، ولملمة الوضع العربي، وإيجاد استجابة متماسكة لعاصفة ازمات المنطقة.

والقمة بحلفها الحازم، قدمت رسالة لإيران، مفادها منع جر المنطقة إلى الفوضى الشاملة والاقتتال الاهلي، ولن تفلح طهران بعد اليوم من اسقاط بعض النظم او اختراقها، فضلا فشلها في ارساء أنظمة بديلة ومستقرة كما بدا واضحا في سوريا او العراق. ومخططاتها الامبراطورية التوسعية، حفزت موقفا عربيا موحدا، رافضا لخطوط التقسيم الطائفية. ولا شك فان ولادة تفاهمات عربية مؤثرة، سيجعل الدول العربية في موقع القوة والقدرة على معالجة الازمات وتفكيكها، من منطلقات واقعية تقرأ بموضوعية الحاجات الامنية والاستراتيجية والاقتصادية لشعوبهم.

ما نتج عن هذه القمة، اعلان خط الشروع لزمن جديد من شأنه وقف الانهيارات العربية، والاخذ بالردع وضرب شبكة الميليشيات التي تسعى الى احتراب طائفي مفتوح، يقوم على تفكيك نسيج المجتمعات العربية والسعي إلى التفرقة بين مواطنيها واستقطاب بعضهم وإقصاء البعض الأخر، على أساس من الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق. ومن غرد خارج السرب وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري، معلنا رفض بلاده العملية العسكرية في اليمن. ومؤكدا في تصريحات للصحافيين قبيل اجتماع وزراء الخارجية العرب في شرم الشيخ في مصر إن “استخدام السلاح خارج كل دولة سيضع كل دولة من البلدان على مرحلة جديدة وعسكرة الخلافات السياسية”.

والمفارقة هنا ان الجعفري، ينظر للموقف العربي من اليمن، بعين إيرانية، ويتنسى وحشية الميليشيات حيال مكون بعينه، فعلى الصعيد الموضوعي، لا تقل جرائم الميليشيات سوءاً عن جرائم “داعش”، ولكن الفرق يكمن في الصمت والسرية، فعندما ينشر فيديو لجرائم هذه الميليشيات تقول حكومة بغداد، انه عمل فردي وسوف نحاسب من ارتكبها، بينما يركن تنظيم “الدولة الاسلامية” الى التفاخر والمباهاة بوحشيته.

وانطلاقاً من الموقف العربي الحازم الذي يلوح في الافق، فالأسئلة التي تطرح نفسها هي: هل سيتخذ القادة العرب قرارات بتكوين القوة العسكرية المشتركة؟ وهل سيستمر الموقف العربي بمعزل عن الإملاءات الخارجية؟ وهل سيتم وقف الاستفزاز الإيراني ومحاولات طهران دعم الجماعات المتمردة وتغذية الميليشيات الدينية الطامحة إلى السلطة، لكسب نفوذ أكبر إقليميا ودوليا؟

 انها قمة تحسست الخطر الوجودي على الدول العربية، ما افضى إلى تحرك جماعي لمواجهته…

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

وحدة الدراسات العربية