“عاصفة الحزم” ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا.. هل تفعلها تركيا؟

“عاصفة الحزم” ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا.. هل تفعلها تركيا؟

d5b612e1b22c50b28c4d19a0857f7137_XL

منذ تواتر الحديث عن سعي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لـ تحالف اعتبره البعض “عربيًا سنيًا” لمواجهة مخاطر التمدد والنفوذ الإيراني في المنطقة، واللقاءات المشتركة بينه وبين الرئيس التركي؛ والسؤال يدور حول: ما هي طبيعة هذا التحالف؟ سياسي أم عسكري؟ وهل ستشارك تركيا في عمل عسكري مع السعودية لضرب الحوثيين مثلًا؟ أم أن هذا التحالف يستهدف كل المخاطر التي تضر البلدين من قبل الميليشيات الموالية لإيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولكنه يترك التفاصيل وطريقة التعامل مع المخاطر لكل دولة؟

ولكن، بعدما وقعت عملية “عاصفة الحزم”، ولم تشارك فيها تركيا لا عسكريًا ولا لوجيستيًا، واكتفت بالإعراب عن دعمها “المعنوي” واستعدادها لتموين العمليات العسكرية فقط، عادت التكهنات والتساؤلات بشأن هذا “التحالف السني”، وهل هو مجرد حديث إعلامي ومناقشة صالونات سياسية؟ أم أنه حقيقة؟ ولو كان حقيقة، لماذا لم تشارك تركيا في عاصفة الحزم مثل باكستان مثلًا؟

البعض اعتبر أن عملية “عاصفة الحزم” تعني “تحالفًا استراتيجيًا” لمواجهة النفوذ الإيراني في الإقليم وإعادة التوازن للمنطقة، ولكن التنفيذ متروك لكل طرف لاستئصال هذا الخطر بطريقة عسكرية أو سياسية أو دبلوماسية وفق ما يراه.

ولهذا؛ عاد السؤال مرة أخرى: هل تنقل تركيا “عاصفة الحزم” لسوريا للتخلص من الميليشيات الإيرانية وداعش على السواء؟ وهل يعني هذا كتابة شهادة وفاة لسياسية أردوغان “صفر مشاكل” لو كان التدخل عسكريًا كما فعلت السعودية في اليمن؟ أم أن تركيا تتبع تكتيكًا آخر لإسقاط نظام الأسد الذي ترى أنه أساس كل الشرور وبسقوطه سوف ينتهي دور الميليشيات الطائفية، ويكون التفرغ لداعش أسهل؟

وهل يتوقع أن تشكل تركيا بدورها تحالفًا مختلفًا في المنطقة -كما فعلت السعودية- لضرب سوريا وإسقاط الأسد؟ أم أنها ستستعين بالتحالف الموجود بالفعل في صورة قوات جوية سعودية وإماراتية وأردنية، وكل ما في الأمر أنه مثلما شكلت الرياض تحالفها الخاص لضرب الحوثيين في اليمن، فسوف تفعل تركيا وتشكل تحالفها الخاص بعيدًا عن “التحالف الدولي الأمريكي” الذي فشل حتى الآن رغم 3 آلاف ضربة جوية في القضاء على فصيل واحد هو “داعش”، بينما تركيا تسعى للقضاء على الميليشيات الطائفية الشيعية في سوريا أولا ودعم المعارضة السنية وتعطيها الأولوية لمحاربة داعش؟

وهذا التدخل سيكون إما عبر دخول الطيران التركي للمعركة، ليس كما تتمنى واشنطن، بحيث تتولى أنقرة مهمة ضرب داعش، ولكن لتنفيذ خطط التحالف السني بضرب العمود الفقري للميليشيات الشيعية والجيش السوري، ومن ثم؛ السماح للمعارضة السورية بالتقدم وفرض انتصار على الأرض، ولهذا؛ تدرب تركيا جيش المعارضة السورية على أراضيها حاليًا.

ولكن، هنا أيضًا يثار التساؤل: ماذا عن إيران ورد فعلها على هذا التحرك في ظل علاقاتها المشدودة على وتر التنافس الإقليمي والانقسام المذهبي مع تركيا؟ هل ستقف إيران مكتوفة الأيدي، وهي ترى نفوذها في المنطقة ومستقبل دورها الإقليمي يذهب جفاءً؟ وهل يخفى على أنقرة أن لإيران أيضًا جملة من الأوراق التي بمقدورها أن تلعب بها، من العراق ولبنان، وانتهاءً بـ “المسألة الأرمينية”؟ وهل يصل الأمر لحرب بين البلدين؟

الدور التركي من اليمن لسوريا

f4-turkey_syria-war

بداية، نلاحظ أن الدور التركي في اليمن لم يقتصر على “الدعم المعنوي” فقط؛ فقد قال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”: “إن تركيا قد تنظر في تقديم دعم في مجال الإمداد والتموين للعملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن“، وطالب إيران “والجماعات الإرهابية” بالانسحاب من اليمن.

وقال أردوغان لتليفزيون فرانس 24، في مقابلة نشرت مقتطفات منها في موقعه على الإنترنت وعبر محطات بث تركية، الخميس الماضي: “قد تنظر تركيا في تقديم دعم في مجال الإمداد والتموين، بناء على تطور الوضع”، وأضاف: “يجب أن تنسحب إيران والجماعات الإرهابية“.

كما قال أردوغان إنه يشكك في دور إيران في المنطقة وإن الهدف من مشاركتها في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق هو الحلول محلهم، وأشار إلى أن هدف إيران هو زيادة نفوذها في العراق، وإيران تحاول طرد داعش من المنطقة فقط “لتحل محلها“، وأن إيران تحاول الهيمنة على الشرق الأوسط وأن جهودها بدأت تزعج تركيا والسعودية ودول الخليج العربية الأخرى.

وشدد على أن: “طهران يجب أن تسحب أي قوات لها في اليمن، وأيضًا في سوريا والعراق، وأن تحترم سلامة أراضي تلك الدول … تجدون الحرس الثوري الإيراني الذي أرسلته إيران هناك“.

وأكد مجددًا: “الحاجة إلى تدخل عسكري بري بمشاركة معارضي الرئيس السوري بشار الأسد للتغلب على التنظيم”، وقال: “قلت في السابق إن الضربات الجوية التي ينفذها التحالف غير كافية“.

وأهمية تصريحات أردوغان أنها جاءت بعد ساعات من إعلان السعودية البدء في العمليات العسكرية ضد الحوثيين، ما يشير لسعي تركيا لا لمجرد ضربات جوية لإسقاط نظام الأسد ومعه ميليشيات إيران، ولكن عبر عمل عسكري على الأرض، ربما يتحدد شكله فيما تفعله الآن من تدريب قوات سورية معارضة على أراضيها، مع الانتظار لتطور الأوضاع في اليمن ورد فعل إيران هناك، الذي بلا شك سيكون أقل من رد فعلها في سوريا والعراق.

تأكيد عدم “مذهبية” الصراع

aa_picture_20150302_4678819_high-jpg20150327114442-jpg20150327133827

ولكن الفارق بين تحرك تركيا وتحرك دول الخليج هو أن تركيا تحرص رسميًا على نفي أن يكون صراعها مع إيران أو الميليشيات التابعة لها “مذهبيًا”، بينما يجري تصنيف هذا الصراع خليجيًا على أنه “مذهبي”.

فالرئيس التركي قال إن: “كل ما قام به الحوثيون في اليمن صراع مذهبي، فالوضع تحول في البلاد لصراع بين الشيعة والسنة، ونحن لا ننظر بشكل إيجابي لأي صراع من هذا النوع، ونعارضه بشدة“.

واستطرد “أردوغان” قائلًا: “نحن ننظر إلى جميع اليمنيين على أنهم إخوة لنا، وعلينا أن نكشف عن أفكارنا بشأن حقوق هؤلاء الأخوة“.

أيضًا، حرصت الرئاسة التركية على تأكيد أن تركيا لا تتخذ موقفًا مذهبيًا بشأن دول المنطقة الإسلامية بتاتًا. وأكد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم قالين، أن بلاده لم تتخذ أي مواقف مذهبية بشأن الدول المجاورة أو في المنطقة الإسلامية، بتاتًا.

وأضاف قالين، في مؤتمر صحفي بمقر الرئاسة، الخميس، أن تركيا تقف ضد المواقف المذهبية؛ قائلًا: “أكدنا منذ البداية أن المواقف المذهبية تؤدي إلى توترات في المنطقة“.

وردًا على سؤال بشأن العلاقات التركية الإيرانية، أشار المتحدث باسم الرئاسة أن إيران صديقة وجارة مهمة بالنسبة لتركيا، فضلًا عن كونها شريكة تجارية قوية، لافتًا أنهم تناولوا كافة قضايا المنطقة مع المسؤولين الإيرانيين، خلال اللقاءات المشتركة التي جرت سابقًا، على رأسها المسألتان السورية والعراقية، وأنهم طلبوا من إيران تحمل مسؤولياتها والسعي إلى خفض التوترات إلى أقل ما يمكن.

وقال، مجيبًا عن سؤال يتعلق بأي تغيير في موعد زيارة أردوغان لإيران، بعد التطورات الأخيرة في اليمن: “لا يوجد أي تغيير في موعد زيارة الرئيس إلى إيران في الأسبوع الأول من شهر أبريل القادم“.

وفي الشأن اليمني، أعرب “قالين” عن أمله في حل الأزمة اليمنية عن طريق الحوار وجلوس كافة الأطراف حول مائدة المفاوضات، دون السماح للحرب بأن تأخذ مكانها في الحل، قائلًا: “إن الدماء التي تسيل في منطقتنا كثيرة ولا نريد لنزيف الدماء أن يتكرر في اليمن أو في أي بلد آخر“.

دعم الحوثيين خوفًا من الإخوان

أيضًا، تحدث وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” عن “البحث مع دول الخليج طبيعة الدعم التركي للعملية في اليمن“؛ حيث قال إنه سيلتقي مسؤولين خليجيين من أجل تحديد نوع الدعم التركي، مؤكدًا أن بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم بما فيها المعلومات الاستخباراتية، ولكنه استثنى “الدعم العسكري“.

وأضاف جاويش أوغلو، في تصريحاته لقناة “NTV” التركية، أن: “دول الخليج سترسل مسؤوليها من أجل أن نكون في صورة الدعم الذي تنتظره من تركيا“. وأكد جاويش أوغلو أن ما يحدث في اليمن يعد جزءًا من الطائفية التي تجتاح المنطقة، قائلًا: “إن بعض الدول دعمت الحوثيين مع إيران لخوفها من جماعة الإخوان المسلمين، التي فضلت الانسحاب لعدم رغبتها الدخول في أي صراع مسلح“، مما تسبب بسيطرة أقلية من الحوثيين على اليمن، وأكد أنه: “لا داعي لأن تتصادم دول الخليج والدول العربية مع إيران، ولكن على الجميع أن يتعلم الدروس من الأخطاء التي ارتكبها“.

وفيما يخص الموقف الإيراني مما يحدث في اليمن، أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده أبلغت الإدارة الإيرانية أن “النهج الطائفي الذي تتبعه خاطئ“، قائلًا: “إن تركيا لن تدعم إطلاقًا أي صدام شيعي سني في المنطقة، وتعتبره خطيرًا جدًا على المنطقة، والوضع الراهن في اليمن يشهد حربًا مذهبية، ونحن لا نريد ذلك“.

منطقة حظر جوي

1-jpg20150327024829

وبالتوازي مع إعلان تركيا عن دعمها للوضع في سوريا ومطالبتها إيران وميليشياتها بالخروج من سوريا، دعا الائتلاف السوري المعارض مجلس الأمن إلى فرض منطقة حظر جوي، وهو ما سبق أن طالب به أردوغان، مع إحالة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال المبعوث الخاص للائتلاف “نجيب الغضبان“، لرئيس مجلس الأمن الدولي: “إن النظام السوري لا يمتثل لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيصال المساعدات الإنسانية، ويواصل استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين من خلال إسقاط البراميل المملوءة بغاز الكلور السام على المناطق السكنية، لذلك؛ ندعو المجلس إلى استصدار قرار حول إنشاء منطقة حظر جوي فوق أجزاء من سوريا“.

وأوضح “الغضبان” أن إعلان منطقة حظر جوي سيقلل من مقتل المدنيين إلى 30 %، ويعمل على إمكانية إيصال المساعدات، فضلًا عن إعطائه فرصة لرجوع اللاجئين من البلدان المجاورة.

ودعا الغضبان أعضاء مجلس الأمن إلى دعم مؤتمر المانحين الذي تستضيفه الكويت خلال الأيام المقبلة لدعم الوضع الإنساني في سوريا، وذلك لضمان تحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في جمع 8.4 مليارات دولار أمريكي لمساعدة الشعب السوري.

ولاحقًا، قال رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو” إن تركيا قد توسع المناطق العسكرية على الحدود السورية لوقف المقاتلين الأجانب دون إغلاق الحدود بالكامل أمام اللاجئين السوريين، وطالب بحل هذه المشكلة لكي لا يحدث ارتفاع في عدد هؤلاء اللاجئين، كما دعا إلى فرض منطقة حظر طيران لحماية مدينة حلب من القصف الجوي لقوات النظام السوري.

30  ألف إيراني في العراق

photo_2015-03-28_00-26-26

وبعدما قال الرئيس التركي إن إيران تدعي دخولها العراق لمحاربة داعش بينما هي تريد البقاء مكانهم، أعلنت لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية أن لديها العديد من الوثائق التي تؤكد وجود 30 ألف عسكري إيراني في العراق يشاركون في محاربة تنظيم “داعش”.

وقال مقرر اللجنة، شاخوان عبد الله، لوكالة الأناضول، إن: “هناك حوالي 30 ألف جندي وضابط ومستشار عسكري إيراني موجودون بشكل غير قانوني في العراق، ويشاركون في المواجهات ضد تنظيم داعش، فيما تغض الحكومة العراقية الطرف عن الموضوع“.

وهذا الاعتراف على عكس ما تقوله الحكومة العراقية من أن الموجودين على أرض العراق والمشاركين في الحرب ضد “داعش” هم “متطوعون” إيرانيون وليسوا عسكريين نظاميين، وفي ظل قول رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية “اللواء حسن فيروز أبادي” إن بلاده “لن ترسل قوات عسكرية إلى العراق”.

ولكن مقرر لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية نفى تصريحات رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، مضيفًا: “لدينا أدلة تؤكد وجود العسكريين الإيرانيين في العراق، فيما لم تبلغ الحكومة العراقية البرلمان بوجود العسكريين الإيرانيين في البلاد“.

ويقول خبراء أتراك إن هناك “دفعًا أمريكيًا متواصلًا” لتركيا للاضطلاع بدور في سوريا؛ حيث يريد حلف الأطلسي أن “يلزم” تركيا بالملف السوري بمجمله، مقابل شرط ونظير جائزة: أما “الشرط” فهو أن تعود علاقات أنقرة مع تل أبيب إلى سابق عهود التنسيق والتعاون الاستراتيجي، لكي تطمئن إسرائيل إلى أن سوريا ما بعد الأسد لن تكون في الخندق المعادي لها. أما “الجائزة” فترتبط بالشرط وتترتب عليه، وتتمثل في إعطاء تركيا دور الوسيط في حل الصراع السوري- الإسرائيلي، الذي ستتوفر له فرص جديدة، وفقًا للتقديرات والتوقعات.

عادل القاضي – التقرير